ألعاب الجوع وألعاب الفرص المتعددة(إدريس أوهلال)
سباق أشبه ما يكون بسباقات ألعاب الجوع التي تعرضها سينما هوليوود، يكون فيه آخر شخص يبقى على قيد الحياة هو الفائز الوحيد.. يجب أن يموت الجميع ليفوز شخص واحد فقط! وما علينا إلا أن ننظر إلى نسب التسرب المدرسي العالية والهدر الجامعي المرتفعة وشروط ولوج المدارس العليا التعجيزية والتحول الجاري من تعليم حكومي عمومي محلي مجاني إلى تعليم خصوصي نخبوي عالمي مدفوع بمبالغ فلكية تفوق قدرة الغالبية العظمى من الأسر لنفهم أنها مدرسة التنميط العالمي والفرصة الوحيدة، وأنها مصممة بتخطيط ماكر لمصلحة الذين اخترعوها و 5% فقط من الذين يرتادونها!
إنها ألعاب الجوع المدرسية والجامعية.. هندسة لمنظومة تعليمية طبقية تتكون من خمس فئات:
1. الذين لم يرتادوها أصلا بسبب الحواجز عند الدخول (حواجز مالية أو طبقية أو لغوية أو ثقافية أو جغرافية…).
2. وجماعة “المهم هو المشاركة” الذين ينتهي بهم المساق إلى التسرب منها عاجلاً أو آجلاً بسبب أنظمة التعليم والتقييم الطاردة لهم.
3. وأنصاف الناجحين الذين تُقَدّم لهم في نهاية مسارهم التعليمي المناديل النظيفة ليمسحوا أفواههم من السراب الذي يُخَيِّلُه الوعد بمستقبل أفضل لأعينهم.
4. والمتميزون بشغفهم ومثابرتهم وإحساسهم العالي بالمسؤولية، وأغلبهم من أبناء الطبقة المتوسطة التي تفهم اللعبة جيداً وتساعد أبناءها على لعبها بنجاح (هذه هي ال 5% التي صُممت اللعبة من أجلها).
5. والورثة الذين لا خوف عليهم من المدرسة النظامية، ولا هم يحزنون على الفشل فيها!والهندسة الاجتماعية المترتبة عن هذه الهندسة التعليمية هي إعادة إنتاج نفس المنظومة الاجتماعية الطبقية:
1. تحت عتبة الفقر
2. الفقر
3. الأشكال الجديدة للفقر
4. الأغنياء في وضعية هشاشة
5. الذين يملكون كل شيء،
هذه هي نتيجة الذكاء الماكر للرأسمالية العالمية المتوحشة، وهذه هي مدرسة الفرصة الوحيدة المُصمّمة بنموذج ألعاب الجوع.. عفاريت ماكسويل مرت من هنا!أما ألعاب الفرص المتعددة فهي مدارس الحياة المتعددة، التي تنقلنا:
1- من فرصة التعلم من معارف مجردة ومجزأة وأحادية البعد وبسيطة إلى فرص التعلم من وقائع مرتبطة بسياق وشمولية ومتعددة الأبعاد ومُرَكَّبة.
2- ومن فرصة التعلم البئيس من الإنجاز في وضعيات تعليمية مصطنعة (يشترط التدريس بالكفايات أن تكون أقرب إلى الواقع.. أحلام مُجَنَّحة!) إلى الفرص المتعددة للإنجاز في وضعيات طبيعية وواقعية.
3- ومن فرصة الإنجاز بدون وعي إلى فرص الإنجاز بوعي.
4- ومن فرصة التعلم بعقلك فقط إلى فرص التعلم بعقلك ومشاعرك ومصالحك وكيانك ككل.
5- ومن فرصة صواب المدرسة ودروسها العادية إلى فرص أخطاء الحياة ودروسها العميقة.
6- ومن فرصة التعلم بالنمط الواحد في وضعيات المدرسة المصطنعة إلى فرص التعلم بالأنماط المتعددة في مواقف الحياة الواقعية والمتنوعة.
7- ومن فرصة الذكاء الواحد إلى فرص الذكاءات المتعددة.
8- ومن فرصة الدعم الذي تقدمه المدرسة إلى فرص الاستقلالية التي تعززها الحياة.
9- ومن فرصة التخصص الضيّق الذي يجعلك أمياً بمنظور نسقي إلى فرص التخصص المدعوم بتعدد الخبرات وتنوعها.
10- ومن فرصة غياب المشروع الشخصي الذي يجعلك فريسة للحظ إلى الفرص المتعددة التي يتيحها المشروع الشخصي متى كان واضحا وشموليا وأصيلا.الحياة.. مجرد الحياة.. مدرسة! نعم مدرسة، لكن دون ضجة.. دون ضجة هذه المهرجانات الفلكية من المحسّنات الفكرية والمنهجية والعلمية والعملية من فلسفة تربية وعلم نفس تربوي وعلم اجتماع تربوي وسياسة تعليمية واقتصاد تربية وبيداغوجيا وديداكتيك ومناهج وبرامج وتدريس بالأهداف وتدريس بالكفايات وسن التعلم وزمن التعلم وتنظيم الفضاء والكتاب المدرسي والمعلم والمدير والمفتش والمُوَجِّه ومواصفات البناية المدرسية وحُجرة الدرس والسبورة الذكية والطاولات المريحة والكراسي المتحركة والأركان التربوية وألوان الجدران الداعمة للتعلم والحضور والغياب والأنشطة اللاصفية والحياة المدرسية والدراسة والدعم والتحصيل والواجبات والاختبارات والأسئلة والإجابات والمعدلات والعلامات والملاحظات والتصنيفات والخُد لك نَفَس…نعطي للأسف أهمية كبيرة لهذا التعليم النظامي الفاشل والمُعزّز للفشل، مع أن الجزء الأكبر مما تعلمناه كان من خلال الحياة ومدارسها كالمصاحبة والمسؤولية والقيادة والتجربة والخطأ والسوق والتاريخ والقراءة والهجرة والسفر… متى نمنح التعليم النظامي حجمه الطبيعي، ونرد الاعتبار لمدارس الحياة المتعددة!؟من جَمَع بين أفضل ما في المدرسة النظامية وأقوى ما في مدارس الحياة المتعددة فقد جَمَع أروع الفرص، ومن سجن نفسه ومستقبله ومستقبل أبنائه في المدرسة النظامية فقط بقي في عقله وإرادته وقدرته فراغ كبير.. إن ما تمنحه المدرسة على قصوره وعلاته مهم ومفيد لمن يفهم اللعبة ويتقن استثمارها بذكاء، لكنه خطير على من لا يفهم اللعبة.. كان الله لسفراء النوايا الحسنة!