إسرائيل وإفريقيا: الانقسامات والمصالح(حكيم ألادي نجم الدين)_3_
لماذا تبحث إسرائيل عن صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي؟
تضم الدول بصفة مراقب في الاتحاد الإفريقي: فلسطين والصين والمملكة المتحدة والكويت والإمارات العربية المتحدة والمكسيك والكويت واليونان. وفي حين لا تملك الدول التي تتمتع بهذه الصفة القدرة على التصويت أو اقتراح قرارات في الاتحاد الإفريقي، إلا أن منح الصفة أيضًا يعني أن الدولة الممنوحة ستنضم إلى أكثر من 90 شريكًا خارجيًّا للاتحاد الإفريقي، وأنها ستتمتع بفرصة الوصول المقيد إلى أوراق الاتحاد الإفريقي وستجلس كمراقب في الاجتماعات عند دعوتها مع تمكينها من إقامة اتصالات أوثق مع صانعي السياسة الأفارقة ومخاطبة الحاضرين في اجتماعات الاتحاد الإفريقي، والعمل مع الاتحاد الإفريقي وفقًا لمبادئه الأساسية.
وعليه، يمكن فهم الدوافع وراء سعي إسرائيل وراء الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي؛ إذ منح الاتحاد الإفريقي فلسطين تلك الصفة في عام 2013، مما أتاح لفلسطين فرصًا أكبر من إسرائيل في الساحة الإفريقية. كما أدركت إسرائيل مؤخرًا أن الدول الإفريقية تمثل كتلة كبيرة في الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى، وغالبية هذه الدول الإفريقية تتخذ موقفًا موحدًا تجاه عدة قضايا وتصوِّت بصوت واحد في معظم الأحيان. وبالتالي، يعني كسب دعم الاتحاد الإفريقي بالنسبة لإسرائيل سهولة الضغط من أجل موقفها في القضية الفلسطينية وكسب دعم الدول الإفريقية في القضايا ذات الاهتمام السياسي في الأمم المتحدة والمحفل الدولي، خاصة في ظل تشرذم تحالفات الحرب الباردة القديمة وتضاؤل حلفاء إسرائيل داخل الأمم المتحدة.
من جانب آخر، تحاول إسرائيل الترويج لمنتجاتها في الأسواق الإفريقية، وتسعى نحو تعزيز أنشطة رواد الأعمال والمصنِّعين التابعين لها الذين ينشطون في القارة منذ الخمسينات من القرن الماضي. كما أن الشركات الإسرائيلية لاحظت الإثارة الإفريقية المحيطة بالتكنولوجيا الجديدة والحاجة الملحَّة لاحتضانها، وقلَّة التنافس وسهولة الحصول على التراخيص وإمكانية التحايل والتجاوز على القانون مقارنة بالأسواق في أوروبا والولايات المتحدة. بالإضافة إلى صعود الصين وروسيا وتركيا وغيرها في إفريقيا والمكاسب التي يحصدونها في الأسواق الإفريقية. ويضاف إلى ما سبق أن التجارة العسكرية بإفريقيا تعد بالنسبة لإسرائيل مجالًا مهمًّا نظرًا لسعي بعض الحكومات الإفريقية وراء المعدات العسكرية الإسرائيلية وتقنيات المراقبة وجمع البيانات والحرب الإلكترونية. ويؤكد هذا ما كشفته وزارة الدفاع الإسرائيلية(18) من أنه في عام 2016 بلغت الصادرات العسكرية الإسرائيلية إلى إفريقيا 275 مليون دولار.
وكغيرها من الأطماع الدولية الأخرى في إفريقيا، تُقدم إسرائيل نفسها كمن تملك حلولًا لتحديات القارة؛ إذ صرحت في إعلانها بعد منحها صفة مراقب أنها ستستغل دورها الجديد للمساعدة في “محاربة” أزمة كورونا المستجد وتطور الإرهاب المتطرف في جميع أنحاء القارة. وبمراجعة عهد حكم رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” يلاحَظ أنه أعلن عن اتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية لتعزيز الوصول إلى الطاقة وخفض عجز الكهرباء في إفريقيا من خلال حلول مبتكرة. كما أن من استراتيجياتها في الدول الإفريقية ذات الأغلبية المسلمة والمؤيدة للقضية الفلسطينية استغلال المناسبات الدينية والأوضاع المعيشية للتقرب من المجتمعات المحلية، مثل توزيع الأضاحي للمسلمين وهدايا رمضانية وخلق فرص العمل وتدريب الكوادر الشبابية.
الانقسام في ظل البحث عن مزايا
لا تزال النقاشات جارية حول جرأة “موسى فكي” في اتخاذ قرار منح إسرائيل صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي، وما إذا توقع الردود والانقسام الذي أحدثه القرار، خاصة أن من بين الدول الإفريقية التي اعترضته دولًا مثل جنوب إفريقيا والجزائر وبوتسوانا وناميبيا والجزائر. وهناك تقارير بأن الجزائر ومصر وجزر القمر وتونس وجيبوتي وموريتانيا وليبيا قدَّمت مذكرة احتجاج شفوية لـ”موسى فكي” في مقر الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا(19).
وتقود جنوب إفريقيا، إلى جانب الجزائر وغيرها، حملة المقاومة ضد “موسى فكي”، لموقفها التقليدي من إسرائيل؛ إذ تدعم حكومة جنوب إفريقيا القضية الفلسطينية داخل إفريقيا وخارجها وتقيم علاقات رسمية مع فلسطين. ويشبِّه الرأي العام بجنوب إفريقيا الأوضاع في فلسطين في ظل التجاوزات الإسرائيلية بنظام الفصل العنصري الذي شهدته جنوب إفريقيا من عام 1948 إلى أوائل التسعينات من القرن الماضي. وقد ردَّت جنوب إفريقيا على أنشطة إسرائيل في غزة في عام 2018 بخفض وجودها في إسرائيل من سفارة إلى مكتب اتصال في عام 2019 (20).
ومما يلاحظ أن بعض الدول الإفريقية التزمت الصمت بشأن أزمة منح إسرائيل صفة مراقب، وقد يكون هذا الصمت لأسباب “دينية” أو مصلحة اقتصادية؛ حيث تتعاطف الدول ذات الأغلبية المسيحية مع إسرائيل من خلال تبني اليهودية المسيحية، بينما تفعل أخرى ذلك بسبب الضغط الغربي ومخاوف قطع “المنح” الأوروبية. وفي السياق نفسه، برزت مؤخرًا حملة تدعو الدول الإفريقية إلى فصل القضية الفلسطينية عن التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، وأنه يمكن التصويت ضد إسرائيل بشأن المخاوف السياسية في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة، مع الحفاظ على الاستفادة من التقدم التكنولوجي الإسرائيلي. واستدل أصحاب الحملة بأن الدول العربية نفسها القريبة والمجاورة لفلسطين بدأت تطبِّع علاقاتها مع إسرائيل، وأن اقتصادات إفريقيا سريعة النمو تحتاج التقنيات والتكنولوجيات سواء من إسرائيل أو غيرها لتطوير مجالاتها المختلفة.
ومع ذلك، فإن المزاعم والحجج حول إمكانية استفادة إفريقيا من “الابتكارات” الإسرائيلية تواجه انتقادات وردود أفعال سلبية في أوساط إفريقية مختلفة بسبب التقارير التي كشفت أن البرامج الإسرائيلية مثل Elbit Systems تُستخَدم في حملة تجسس بإفريقيا، كما هي الحال في استهداف المنشقين الإثيوبيين المقيمين في الخارج(21). وهناك تقارير أخرى بأن بعض الحكومات الإفريقية التي تعتمد على تكنولوجيات المراقبة الإسرائيلية كانت تستخدمها للتجسس على سكانها ولإعاقة الحكم المدني(22)، وأنها تساعد بعض الحكومات الإفريقية وقادتها على التجسس على حكومات إفريقية أخرى(23).
خاتمة
على ما سبق، يمكن القول: إنه بعد أكثر من عقدين من الانتظار والمحاولة سيكون منح صفة مراقب من قبل الاتحاد الإفريقي انتصارًا للسياسة الخارجية الإسرائيلية، وإنه من خلال الجمع بين رهاناتها السياسية ومصالحها المالية الاقتصادية قد يكون لهذا التطور تأثير على مواقف العديد من الدول الإفريقية ودعمها للقضية الفلسطينية؛ حيث قد يلجأ العديد منها إلى “موقف محايد” لتطور علاقاتها مع إسرائيل، بينما الدول الإفريقية التي تتردد في تطبيع علاقاتها معها بسبب القضية الفلسطينية قد تُراجِع موقفها أو تقلِّل من حدة انتقادها.
وعلى الرغم من حالة عدم اليقين الحالية في الاتحاد الإفريقي نتيجة قرار “موسى فكي”، فإن التساءلات جارية حول ما إذا كان المعارضون للقرار والمقاومون للتحرك الإسرائيلي داخل الاتحاد الإفريقي -مثل جنوب إفريقيا والجزائر- سيكونون قادرين على التأثير على إلغاء القرار وإجهاض جهود حلفاء إسرائيل داخل الكتلة القارية في الشهور والسنوات القادمة.
وعلى كل؛ يجب اعتبار الأزمة الناتجة من القضية فرصة للمجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي لإعادة النظر في لوائح منح الكيانات والمنظمات غير الإفريقية صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي، ومراجعة حقيقة هذه الصفة وكيفية مساهمتها في أهداف الكتلة القارية.