المقالات

الأسرة المغربية بين المقاربة القانونية والمقاربة القيمية الأخلاقية(نادية لوطفي)_1_

القانون والأخلاق وجهان لعملة واحدة ومن الأجدر أن يكون ما هو قانوني يزكي ما هو أخلاقي ويتأسس عليه وما هو أخلاقي لا يعارض ما هو قانوني حقوقي، لكننا نجد أحيانا بعض القوانين تكون خالية من أي حمولة أخلاقية قيمية، وذلك راجع إلى مرجعية الأخلاق والقيم التي تؤطر تلك القوانين، لقد عرف العالم بعد القرن الثامن عشر تحولات كبرى على مستوى الحقوق والحريات، فأصبحت المقاربة الحقوقية القانونية هي الأولى في التعامل مع جل القضايا، إن هذا التوجه نحو توظيف المقاربة القانونية في تدبير شؤون الناس في مختلف المجالات والذي انطلق من الغرب قد تعداه إلى باقي دول العالم بفعل مركزية الغرب وتأثيره على باقي دول العالم، حيث فرض العقل الغربي هيمنته على باقي الدول خاصة بعد الحرب العالمية الثانية حين تم تقسيم العالم إلى دول مركز ودول محيط، فما يتم تقريره في دول المركز يتم تمديده ليشمل باقي الدول سواء بفعل الهيمنة الإمبريالية الإستعمارية أو الهيمنة الفكرية، ذلك أن باقي دول العالم عاشت ولا تزال تعيش تبعية في مختلف الميادين لدول المركز، مما جعلها تعيش نوعا من التقابل بين هويتها وخصوصياتها الثقافية والدينية من جهة وبين قيم الحداثة وما بعد الحداثة التي فرضها العقل الغربي من جهة ثانية.

إن الإغراق في حصر العلاقات الأسرية عموما والزوجية خاصة في حيز الحقوق والقوانين الزجرية،يجعل تلك العلاقات مبنية على صراع وهمي بين الرجل والمرأة، مما قد يسهم إلى حد كبير في إزاحة الأسرة عن وظائفها ومقاصدها التي جعلت لها، ثم إن غياب معاني الإحتضان داخل الأسرة ومعاني العناية والرقابة والتربية بوازع أخلاقي، والتي تشجع عليها قيم الحرية والمبالغة في منحها كحقوق لأفراد الأسرة، قد يخلق مشكلات إجتماعية يصعب حلها، حتى في تحقق كل المكتسبات الحقوقيةلا يمكن بأية حال أن ننكر أهمية الحقوق والقوانين في تنظيم العلاقات الأسرية وإلزام أطراف تلك العلاقات بسؤولياتهم وإلا تتحول العلاقات الأسرية إلى علاقات مضطربة ظالمة جائرة ومستبدة الغلبة فيها للأقوى.

واقع العلاقات الأسرية المغربية وضرورة التعديل :

يدق واقع الأسرة المغربية ناقوس الخطر، انطلاقا من عدة معطيات أهمها الإرتفاع المهول لحالات التفكك الأسري سواء بالطلاق أو بتخلي أحد طرفي الأسرة عن مسؤوياته، أما بالنسبة إلى الطلاق فقد ارتفعت حالاته حيث أصبح ظاهرة مغربية بامتياز، فقد سجل المغرب في الأوينة الأخيرة عدد هائل من  حالات الطلاق جعلته يعتلي المرتبة الأولى بين الدول، فحسب وزارة العدل المغربية قد تم إصدار 20372 ألف حكم قضائي بالطلاق في محاكم الإستئناف خلال عام 2023 فيما تم تسجيل 68995 حالة طلاق للشقاق في المحاكم الإبتدائية، أما الطلاق الإتفاقي فقد بلغ عدد 24257 حالة طلاق بالإضافة إلى 6611 حالة خلع وهي نسب مهولة تدفعنا لطرح أكثر من سؤال، إننا نتحدث عن الأسرة المغربية التي كانت منذ زمن قريب تستبعد الطلاق وتحث الأزواج على الصبر وتحمل بعضهما البعض مهما عصفت بهما رياح الحياة المتقلبة، مما يدق ناقوس الخطر نظرا لما يرتبط بالطلاق من تبعات سلبية في غالبية الأحيان، ذلك أن أثر الطلاق غالبا ما يتم الإعتراف بهوله وضرره عندما يكون بين الطليقين أطفال، وكأنه بدون أطفال يخف الضرر أو يزول وننسى أن طرفي الطلاق هما شخصان ينتميان لمجمتع قد تتغير حياتهما النفسية والمادية وهي تتغير في غالب الأحيان، حيث يخرج أحد الطرفين أو كلاهما من الطلاق مكسورا منهكا متعبا نفسيا وماديا، فيؤثر تعبه هذا في حياته المستقبلية وعلاقاته ومحيطه، فلابد أن ينكسر أحد طرفي الطلاق مهما كان الطلاق اتفاقيا، ومهما كان حلا مناسبا له، لابد أنه يحدث كسرا وأثرا سلبيا سواء من حيث يشعر به المعني به أو من حيث لا يشعر.

ومن تم كيف يسهم هذا المكسور وتلك المكسورة بفعل الطلاق في بناء مجتمع يقوم على قيم التراحم والفضائل في حين تأثر هو لحد كبير بغيابها، إن التوازن النفسي للأشخاص له دور مهم في أدائهم الأخلاقي والإجتماعي والإقتصادي والسياسي، وبالتالي فإن ضرر الطلاق وهو في غالبيته ضرر لأنه لا يتم عن ود وقناعة إلا قليلا بل يتم عن ضرر وكسر، هذا الضرر يمتد في المجتمع سواء بوجود الأطفال أو بغير وجودهم لأنه يصنع لنا أشخاصا منهكون من الداخل يخشون مواجهة صعاب الحياة التي تحتاج إلى سند الأسرة واحتضان العائلة لتحقق توازنها النفسي والإجتماعي . 

لقد ارتفعت نسبة الطلاق في الأونة الأخيرة في المحاكم المغربية، إلى درجة أصبح الزواج هو أبغض الحلال عوض الطلاق، فإذا كان الشرع الإسلامي قد قنن الطلاق وقيده واستبعده واعتبره أبغض الحلال فذلك لعدم أستسهاله والتشجيع عليه، ولنتأمل في مفردة _البغض_ بغض إلاهي فكيف للإنسان المؤمن بالله الذي يحب ما يحب الله ويكره ما يكره الله امتثالا لأوامره واجتنابا لنواهيه، أن يقبل على شيء أبغضه الله .

إن التحولات التي عرفها المجتمع المغربي منذ وضع المغرب تحت سلطة الحماية الفرنسية كان لها الأثر الكبير في توجيه النظر نحو عدة قضايا حقوقية وإجتماعية من أهمها قضايا المرأة والأسرة، حيث لا ينكر أحد تأثر المغاربة بالثقافة الغربية، بالإضافة إلى التحولات الإجتماعية والحقوقية التي عرفها العالم.

بعد حصول المغرب على الإستقلال تم إحداث قانون الأحوال الشخصية، كقانون منظم لشؤون الأسرة المغربية، ثم تعالت الصيحات وكثرت الدعوات التي تطالب بتعديل قانون الأحوال الشخصية إلى أن تمت الإستجابة له بوضع مدونة الأسرة بتاريخ 2004 جاءت بتعديلات مهمة في عدة مسائل في ما يخص الزواج والطلاق والنفقات وغيرها، ثم بعد حوالي 19 تتعالى الصيحات مرة أخرى مطالبة بتعديل مدونة الأسرة نظرا لما عرفته العلاقات الأسرية من إهمال وتقصير من طرف أحد أطراف الأسرة، وفي هذا السياق تأتي دعوة ملك البلاد إلى إعادة النظر في مدونة الأسرة وتقديم مقترحات لتعديلها، هذا التطور في الحقوق يعكس مسايرة المغرب للتحولات التي تعيشها الأسرة المغربية.

الأسرة المغربية والتحولات العالمية: 

إن التحولات التي تعرفها قضايا المرأة والأسرة عموما هي تحولات ناتجة عن تأثر كبير بما يجري خارج المغرب في ما يخص الأسرة والمرأة، لقد اتجهت أغلب دول الغرب إلى المقاربة الحقوقية القانونية في ما يخص الأسرة والمرأة فمنذ الحرب العالمية إلى الآن، عرف العالم الغربي عدة تعديلات حقوقية قانونية تراوحت في تقييم الباحثين بين السلب والإيجاب، وكان الحرص على تمكين المرأة في مختلف مجالات الحياة أمرا ضروريا بالإضافة إلى وضع قوانين صارمة من أجل حمايتها حتى من زوجها، كقانون تجريم التحرش وتجريم العنف ضد النساء، بل صادقت مجموعة من الدول على قانون تجريم الإغتصاب الزوجي بأعلى العقوبات التي قد تصل إلى السجن المؤبد، هذه القوانين التي شكلت ترسانة لحماية المرأة لم تبق في حدود الحيز الجغرافي الغربي، وإنما تم تمديدها لتصل إلى معظم دول العالم، بحكم ما تعيشه المرأة والأسرة من مشكلات العنف والظلم والإقصاء.

إن هذه التحولات التي تعشيها الأسرة المغربية تأتي في سياق تحولات عالمية وكونية، ذلك أن وجود تلك القوانين في بلدان الغرب ليس مخفي عن باقي دول العالم، حيث هي دول تابعة فقد تم تقسيم دول العالم بعد الحرب العالمية الثانية إلى دول مركز ودول محيط وبالتالي لابد لقرارات دول المركز أن تفيض على دول المحيط، ثم إن تلك التحولات السوسيوإقتصادية تفرض نفسها بشكل كبير حيث إن معظم المغاربة الآن يعيشون خارج المغرب بأسرهم فيحتكمون للقانون الغربي في كل شؤونهم، ثم يجدون فرقا كبيرا بين القانون الغربي والقانون المغربي في مسائل الزواج والطلاق والممتلكات بين الزوجين، وكثير من الأزواج عندما يقبل على الطلاق يصر على جعله طلاقا مغربيا لكونه يناسب الرجل في غالبية نتائجه خاصة المادية، ومن تم فإن جعل القوانين المغربية في ما يخص الأسرة يحدوا حدوا القوانين الغربية قد لا يروق مغاربة الخارج حيث استوى المغرب بأوربا وأمريكا في ذلك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق