الاحتلال لا يملك حق الدفاع عن النفس(نصر محمد عارف)
فى 9 يوليو 2004 أصدرت محكمة العدل الدولية فى لاهاى، هولندا – وهى واحدة من الأجهزة الستة للأمم المتحدة – قرارا تحت رقم 131 يقضى بأن إسرائيل بصفتها دولة احتلال لا يحق لها أن تتذرع بحق الدفاع عن النفس الوارد فى المادة 51 من ميثاق الامم المتحدة التى تنص على: ليس فى هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعى للدول، فرادى أو جماعات، فى الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولى، والتدابير التى اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأى حال فيما للمجلس – بمقتضى سلطته ومسئولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق – من الحق فى أن يتخذ فى أى وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه.
وجاء قرار محكمة العدل الدولية بناء على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة فى القرار رقم 14/10 الذى نص على أنه وفقاً للمادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة، أن تطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى محكمة العدل الدولية، عملاً بالمادة 65 من النظام الأساسى للمحكمة، أن تصدر، على وجه السرعة، فتوى بشأن المسألة التالية: ما هى الآثار القانونية الناشئة عن تشييد الجدار الذى تقوم إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بإقامته فى الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فى ذلك فى القدس الشرقية وحولها، على النحو المبين فى تقرير الأمين العام، وذلك من حيث قواعد ومبادئ القانون الدولى، بما فى ذلك اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة؟
وكان قرار محكمة العدل الدولية انه لا يحق لإسرائيل أن تتذرع بحق الدفاع عن النفس، وتتخذ من الإجراءات التى تمثل عقابا جماعيا للشعب الفلسطينى الواقع تحت الاحتلال، وقد تلقفت الدوائر العلمية والأكاديمية فى الدول الغربية هذه الفتوى القانونية، أو القرار الذى أصدرته محكمة العدل الدولية بالدراسة والتحليل، وقد اعدت دراسات عنه فى كليات القانون فى الجامعات الكبرى فى أوروبا وأمريكا، وللأسف لم ينل نفس الاهتمام فى الدوائر الاكاديمية العربية.
وانطلاقا من هذا القرار القانونى الصادر من اعلى محكمة فى العالم، وهى المحكمة التى تمثل الذراع القانونية للأمم المتحدة كيف يكون التعامل مع التصريحات التى أطلقها جميع رؤساء، ورؤساء وزراء معظم دول أوروبا وأمريكا الشمالية وكرروها لعشرات المرات، والتى اتفقت جميعها فى نص واحد أننا ندعم حق إسرائيل فى الدفاع عن النفس، بل انه تم استخدام حق الفيتو فى مجلس الأمن لرفض مشروعين من القرارات تقدمت بهما البرازيل وروسيا تحت مبرر ان هذه المشروعات تحرم إسرائيل من حق الدفاع الشرعى عن النفس الذى تقرره المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة السابق الإشارة اليها. هل هذه التصريحات صدرت عن جهل بهذا المبدأ القانونى الذى يجعل حق الدفاع عن النفس غير قابل للتوظيف من قبل دولة الاحتلال ضد الشعب المحتل؟ أم انهم يعرفون ويظنون ان العرب لا يعرفون، لذلك اتفقوا على ممارسة التضليل والتجهيل؟ أم أن هناك وضعا خاصا لإسرائيل أنها فوق الأمم المتحدة، وفوق محكمة العدل الدولية، ولذلك فإن قرارات الأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية لا قيمة لها عندما تتعلق بإسرائيل؟
لقد انقلب الساسة الغربيون فى معظم دول أوروبا بالإضافة الى كل من أمريكا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، وهم من يدعون انهم ممثلو الحضارة الغربية، وحماة السلم العالمى، والامن الدولى، وحقوق الانسان والحريات، والمدافعون عن حقوق الأقليات والنساء، انقلبوا على كل تلك القيم والمبادئ الإنسانية التى خدروا بها العالم لعقود، وتحكموا فيه لقرون، واستذلوه بتسليط هذه المبادئ عليه، وعقاب كل من يفكر فى الخروج عليها. هذه القيم والمبادئ والمعايير الدولية تم تجاهلها، بل الانقلاب عليها لان الامر تعلق بالسيد المهيمن، والطفل والمدلل، والخطيئة الكبرى التى ورطهم فيها هتلر، ومازالوا يطلبون من الآخرين التكفير عنها.وأصبحوا يرفضون حتى مجرد وقف اطلاق النار لأغراض إنسانية، او فتح ممرات لتقديم المعونات الإنسانية، ويشجعون قطع المياه والكهرباء، والحرمان من الدواء طالما ذلك يحقق اهداف سياسيين فاشلين فى الحليف المدلل.
يكفى ان يطالع كل من يتابع الجرائم التى ترتكب من مئات الطائرات الحديثة، واحدث المدرعات، والمدافع والبوارج الحربية ضد شعب فقير لا يملك حتى حق صيد السمك فى المياه التى يملكها، شعب محاصر، وواقع تحت الاحتلال لثلاثة ارباع القرن، يتم استخدام اكثر الأسلحة فتكا لعقابه لأنه انتخب جماعة دينية متشددة فى لحظة تاريخية مضى عليها ما يقارب عشرين سنة، تتحرك اهم وأكبر الاساطيل وحاملات الطائرات لتمكين دولة الاحتلال من إفناء الشعب المحتل، وتطهير الأرض منه مثلما عمل الذين أسسوا الولايات المتحدة وكندا حين طهروا ارض أمريكا الشمالية من عشرات الملايين من السكان الأصليين.
ستكون هذه الأزمة الإنسانية والأخلاقية لحظة تاريخية فارقة بعدها يجب على الساسة الغربيين أن يصمتوا صمتا أبديا، ولا يتشدقوا بصورة انتهازية نفعية بأى من مبادئ حقوق الانسان، أو الحريات، أو السلم الدولى، أو الأمن العالمي…الخ. لقد أثبتت التجربة أن كل ذلك أدوات سياسية يتم استخدامها عندما تحقق أهدافهم السياسية.