التحولات الطارئة في مجال التواصل الاجتماعي في زمن كورونا (عبد العالي قايدي)
مما لا شك فيه أن العالم اليوم يعيش على إيقاع تحولات ملموسة جراء جائحة “كورونا” و ما ألقته بضلالها من تحديات بكل حمولتها الثقافية و الاجتماعية و السياسية و الإقتصادية ، التي تكمن بالأساس و بالدرجة الأولى في مجال التواصل الإجتماعي الذي أصبح شبيه بمستشفى يجتمع فيه المرضى للاستشارة الطبيب و بغية تشخيص المرض ، و وصف الدواء لهذا المرض المتفشي بينهم .
مجال التواصل الإجتماعي في زمن “كورونا” بإعتباره فضاء يلتجأ إليه الجميع في جل المجتمعات، خاصة المجتمع المغربي بمدنه و قبائله، كمسألة أساسية لإشباع ذواتهم الاجتماعية والإنسانية، و ذلك من خلال تناول مواضيع راهنية متعلقة بمفهوم “كورونا” و مدى تأثيره على هذا المجتمع، كذلك خلق جسور التواصل بين الأفراد و الجماعات . لتحقيق أهداف و بلوغ غايات . و بخاصة على أصعدة محددة، لا يمكن لأي مجتمع التنازل عنها. في ضل الظروف التي يعيشها الجميع إبان “كورونا” ، بحيث أصبح لدى الكل إنطباعا خاصا حول العالم الإفتراضي و مدى أهميته في غياب اللقاءات و النقاشات الحضورية باعتبارها الية ضرورية والمتنفس الوحيد الذي لا غنى عنه لخلق نوع من التفاعل بين مختلف شرائح و مكونات المجتمع، و ذالك بهدف التعبير عن ارائهم و طموحاتهم مع إكراهات الحجر الصحي الذي يعيشه الجميع .
فالفضاء الاجتماعي هو فضاء لامحيدة عليه للإثبات كل واحد ذاته معوضا ما كان يقوم به في زمن ما قبل “كورونا” و بالتالي فهذا التوجه لا يمكن لأي مجتمع التنازل عنه، منها : الوجود و التمثل و التمضر ، و إشباع الحاجات ، و الإعتناء بالحضور ككيان مستقل يحقق غاية وجوده، ومن ثم الحفاض على علاقات الفاعلين و ضمان استمراريتهما ، التي تعتبر أهم مقومات آلية التفاعل في هذا المجتمع ، وبناءا على هذا النقاش نطرح هذه التساؤلات ، ما هي أهم التحولات التي طرأت على مستوى مجال التواصل الإجتماعي في المجتمع المغربي إبان كورونا ؟ و كيف تعامل الناس مع هذه المواقف كمتنفس أساسي في ظل الحجر الصحي ؟ و هل هذا الوباء خلق نوع من التغيير على مستوى العلاقات الاجتماعية و القيم الثقافية و السلوكات و الممارسات داخل هذا المجتمع ؟ .
- التحولات على مستوى الأفكار إبان كورونا
عرفت جل المجتمعات في زمن “كورونا” تحولات فكرية ملموسة أثرت سلبا على حياتهم و مسعاهم و توجهاتهم و كذا تمثلاتهم للحياة ، ذالك نتيجة تتبع الإنتشار الوبائي لفيروس كورونا و ذلك عبر المشاركة في مشروع المراقبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي (تتبع الإنفلونزا) أو ما يعرف ب (FLUTRACKING) و عبر إستكمال الإستطلاع .
فهذا التتبع و إعطاء قيمة أكبر لهذا الوباء ، جعل الإنسانية في العالم تتحول فكريا من ما هو إيجابي إلى ما هو سلبي نتيجة الإنفتاح المهول على مواقع التواصل الإجتماعي و تفريغ تلك الشحنات المعبرة عن أفكارهم، هذه الأفكار منتشرة في كل مكان : عودة فكر السيادة و إبراز الذات.
فوباء “كورونا” غير كل الأفكار نتيجة الضغط الذي تعيشه البشرية و مدى أهمية العودة إلى الحياة العادية ، الشيئ الذي زاد من سلبيات أفكارهم و تفريغها عبر وسائل إفتراضية لا محيد عنها في أغلب الأحيان .
هو أمر نلاحظه و نكشفه من خلال مجموعة من الأراء و الإستياء على الوضع الذي حل بهذا المجتمع ، فتحول الأفكار مثلا مثل التحول الذي طرأ على جميع الأشياء نتيجة سبب من الأسباب ، فهو أمر يجعل الإنسان يحس و يعيش على إيقاع لم يسبق له و أن عرفه من ذي قبل ما يجعل الإنسانية تتحول فكريا من مستوى إلى آخر ، نظرا للخوف و الهلع الذي أصابها، الخوف من انتقال العدوى، الخوف من المرض و الخوف من إهمال الحياة ، الخوف من نفاد السلع ، الخوف من الموت … . كلها عوامل سلبية غيرت من معالم الفكر الإنساني أثناء الحجر الصحي بإعتبارها أفكار يعبر عنها الكثيرون عبر مواقع التواصل الإجتماعي التي أصبحت في زمن “كورونا”.
لم تناقش سوى مثل هذه الأفكار في إرتباط لها بهذا الوباء الذي غير إتجاه الفكر البشري خاصة في المغرب، يقول إبن خلدون راسما صورة عن وضع العالم في زمانه بسبب “الطاعون” الذي ذهب بوالديه و شيوخه ، و كثير من الناس : نزل بالعمران شرقا وغربا في منتصف هذه المائة الثامنة من الطاعون الجارف ، الذي تحيف الأمم ، و ذهب بأهل الجيل ، و طوى كثيرا من محاسن العمران و محاها ، جاء للدول على حين هرمها ، و بلوغ الغاية من مداها ، فقلص من خلالها ، و قل من حدتها، و أوهن من سلطانها و توادعت إلى التلاشي و إضمحلال أحوالها، و إنتفض عمران الأرض ، انتفاض البشر، فخرجت الامصار و المصانع ، و درست السبل و المعالم ، و خلت الديار و المنازل و ضعفت الدول و القبائل ، و تبذل الساكن و كأني بالمشرق ، الذي نزل به مثل ما نزل بالمغرب ، و لكن على شبهة و مقدار عمرانه ، و كأنما نادى لسان الكون في العالم بالخمول و الإنقباض ، فبادر بالإجابة ، و الله وارث الأرض و من عليها ، و إذا تبدلت الأحوال جملة فكأنما تبذل الخلق من أصله ، و تحول العالم بأسره و كأنه جملة خلق جديد ، و نشأة مستأنفة و عالم محدث [1].
و المتأمل في ما قاله إبن خلدون واصفا ذالك الوباء الذي أصاب الإنسانية أنه قد أحدث تغييرات في شتى أحوال الإنسانية و معاشها ، شأنه شأن وباء “كورونا” الذي فاجأ العالم وغير من معالمه و جعله يبحث عن مسار جديد يتخلى عن العقيدة النيوليبرالية ، من أجل صفقة سياسية جديدة إجتماعية و بينية .
البشرية في زمن “كورونا” غيرت من توجيهاتها و أفكارها من ما هو إيجابي إلي ما هو سلبي، نتيجة التأثيرات المفاجئة التي فرضتها الجائحة ، و ما تلقيه بضلالها على هذه الإنسانية ، و بالتالي فهذه الأفكار و كيفية العمل بها نجدها تنتقل من شخص لآخر عبر مواقع التواصل الاجتماعي .الذي بات هو المتنفس الوحيد لتعبير عن سخط و نشر أفكار الناس ، فهذه الأفكار في واقع الأمر أثرت سلبا على سيكولوجية الناس بأعتبارها أفكار سلبية ناتجة عن الشعور بالخوف من الموت أو نهاية العالم و الحياة العادية ، هي تعبيرات تعبر عن مدى التحولات الطارئة على مستوى الأفكار و تفجيرها كطاقات سلبية يتم تداولها عبر مواقع التواصل الأجتماعي في زمن “كورونا” و ما فرضته من تأثيرات سلبية على توجهات الناس و على أفكارهم بشكل عام .
- مجال التواصل الاجتماعي و دوره في أستمرارية العلاقات الإجتماعية
أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي في زمن “كورونا” و سيلة فعالة لإستمرار العلاقات الإجتماعية رغم الحجر الصحي الذي فرض على الإنسانية ، بحيث أن هذه التقنية تتيح الربط بين الزملاء و الأصدقاء و ليس هذا فقط بل أنها تساعد في التعرف و التواصل كما أنها تعوض تلك اللقاءات بين الناس[2] و بين المؤسسات و طلابها و بين الزبناء و المحلات التي كانو معتادين عليها سواء بين الأشخاص و المجتمعات المختلفة بعضهم البعض ، و من هذا المنطلق سعت شبكات التواصل الأجتماعي لتوفير قدر مناسب من المواقع تدعم و تعوض التواصل في زمن “كورونا” بين مختلف الفئات و أبرزها على الإطلاق موقعي الفيسبوك و تويتر اللذان تحولا من مستوى إلى أخر ، ففي زمن “كورونا” أصبحت هذه المواقع لا تضم سوى ما يتعلق “بكورونا” و ما ساهمت في ضهوره كالتعليم عن بعد، و المحاضرات الجامعية عن بعد ، إضافة إلى الندوات الإفتراضية التي أصبح الجميع يتغنى بها، و يحاول من خلالها إبراز ذاته و فرض و بسط قوته، و هذه المواقع من خلال مشاهدتها و متابعتها تزداد نسبة إنشائها يوما بعد يوم بإعتبارها الملاذ و المتنفس الوحيد للتعبير عن الأراء و التوجيهات لدى الناس. حيث يتنوع أستخدامها بين ما هو سلبي و ما هو أيجابي فضلا عن قوة تأثيرها على العلاقات الإجتماعية و إستمرارها بين الناس في زمن “كورونا” في محاولة منهم لخلق جو للتفاعل الثقافي و الاجتماعي و تناول أخبار تخص وباء “كورونا”. و ما تحمله من سلبيات و مخاطر للإنسانية ، علاوة على تداول موضوع مهم جدا و الذي لا يخلو من عقول الناس ألا و هو الدعم المالي الذي خصص للأسر الفقيرة المتضررة من هذه الجائحة ، فهذه المواضيع التي أصبحت تنتشر بكثرة في زمن “كورونا” لم تكن من ذي قبل في الأيام العادية فهذا التحول الذي حصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي ما هو إلا وسيلة وآلية لتقريب بين لتقريب المسافة بين الناس في محاوله منهم للتفاعل و تدارس كل ما هو مستجد حول “كرونا” خاصة بالمغرب .
إبان “كورونا” حاولت هذه المواقع أن تخدم الإنسان من خلال تبادل الافكار والأراء لإستثمار العلاقات الاجتماعية وتقوية الرابط الاجتماعي عبر مواقع تسمح للمستخدميها بالاضافة والتعليق والمشاركة النشطة مثل المنتديات الافتراضية الندوات غرف الدردشة الفيسبوك والنوع الثاني هي المجتمعات الافتراضية الكاملة على شبكة الويب وهي المواقع الالكترونية التي تحاول محاكاة العالم الواقعي كعنصر معوض للعالم الحقيقي جراء ما فرضته وهو خلقته هذه الجائحة وذلك عبر محاكاة العالم الواقعي من خلال إتاحة عدد من الخيارات المتعددة أمام المستخدمين تمكنهم من ممارسة تفاصيل حياتهم و كأنهم في العالم الحقيقي
ففي زمن “كورونا” أيضا ازداد الإقبال على هذه المواقع كمتنفس أساسي ومعوض للعالم الحقيقي بحيث يلجا إليه نسبة كبيرة لممارسة مهامهم وكانهم في عالم عادي من أداء واجباتهم المهنية من تواصل مختلف شرائح المجتمع ، عقد اجتماعات حكومية ومؤسساتية ،كلها مهام تم القيام بها في زمن “كرونا” عبر مواقع التواصل الاجتماعي لكن بصيغة جديدة تحمل طعم الخوف والملل والانطواء جراء الحجر الصحي الذي غير من سلوكات وسيكولوجية الناس إبان “كورونا” .
وفي هذا الاطار إنشغلت منصات التواصل الاجتماعي الكبرى في زمن “كورونا” بتسهيل التعامل بين الناس خلال فترات الحجر الطويلة عبر العالم ، لكن هذا التحول الملموس عبر شبكات التواصل الاجتماعي بات سلبيا أيضا ، فالشائعات والاخبار المفبركة تدور على قدم وساق في جل المجتمعات حول مواضيع عده خاصة داخل المجتمع المغربي.
مع تفشي جائحة “كورونا” والعزلة في المنازل ، اجتاح أوروبا وأمريكا والمغرب على الخصوص ظاهرة الدراسة والعمل في البيت ، واعتمد هذان التطوران الخطيران في ميادين العمل وفي ميادين تعليم بشكل خاص ، على منصات فيسبوك وخاصة خدمة مسنجر وخدمات واتساب وانستغرام وقدرتها على التحاور ونقل الصور والملفات بمختلف الحجوم حتى أصبح بمثابة إدمان لدى كل المستخدمين لهذه التطبيقات .
الناس رغم العزلة الوقائية يتصلون بواسطة هذه المواقع الإجتماعية ، المتواصلون مع بعضهم البعض ليلا نهارا رغم فوارق الزمن والجغرافيا ،في محاولة منهم لاتمام العلاقات الاجتماعية وجعلها تسير بشكل عادي عبر العالم . لكن هذا الجانب المشرق في منصات التواصل الاجتماعي يقابله جانب معتم . وبهذا السياق يقول دانيال روجز مؤسس “غلوبال دسا نفو رميسين ، أنديكس” وهي منصة تكشف الأخبار الزائفة والمضللة على النت و منصات السوشال ميديا وفرت تربة خصبة لكل خبير في الاحتلال ، وكل بائع قصص مفبركة، وكل مروج لنظرية المؤامرة ، وكل متصيد فرص على الإنترنت ، فالأخبار المصنوعة مثيرة في بثها بسرعة ، وهي مشكلة لا حل لها لأنها تتعلق بمدى استجابة المتلقي
لكلمات معينة تبعت على الاثارة في محاولة منه تقاسمها مع الآخرين في اعتقاد منه انها صحيحة على أساسها يتم استمرار هذه العلاقات عبر العالم الافتراضي يجمع بين العالم بأسره ويسهل عملية التواصل وتحديد العلاقات بشكل يضمن نوعا من الاستمرارية والديمومة و تحقيق أهداف وغايات لدى الناس بشكل يضمن لهم وجودهم ويمنح لهم فرصة التعبير عن أراءهم وطموحاتهم وكل ما يتعلق بهم بينما هو سلبي وما هو ايجابي إبان “كورونا” لدى المجتمعات بما في ذلك المجتمع المغربي. وبالتالي فهذه المواقع تدفع الناس لكي يكونوا أعضاء وفق اهتمامات شخصيه. ولذلك نرى في جماعات الانترنت في زمن “كورونا”، ينجذب الأفراد نحو أولائك الذين يمكن تقاسم المصالح والاهتمام معهم ، بمعنى إيجاد شق المشاركة واشباع حاجة التفاعل الإجتماعي وإستبدال المشاعر والإهتمامات ثم إنشاء بنية إجتماعية أقرب ما تكون لواقع الحياة على هذه المواقع في زمن كورونا . [3]
- فضاء التواصل الاجتماعي كمتنفس أساسي في زمن الحجر الصحي
مما لا شك فيه أن جل المجتمعات الأوروبية والغربية بشكل عام والمجتمع المغربي بشكل خاص ، قد عرف تحولات ملموسة على مستوى الحياة اليومية جراء فيروس “كورونا” وما فرضته من قيود على هذه المجتمعات كعدم الخروج من المنازل والالتزام بالحجر الصحي، ما خلق نوعا من الملل لدى الناس والإحساس بنوع من الضغط النفسي الشيء الذي جعلهم يلتجئون إلى البحث عن فضاءات بديلة لقضاء أوقاتهم داخل المنازل من باب الاستئناس والانفتاح على مجتمعات أخرى بغية تكسير الروتين اليومي ، وهذه الفضاءات نذكر منها فضاء التواصل الاجتماعي الذي بات يقدم خدمات عديدة ومختلفة تلبي مجموعة من الاحتياجات للبشر خاصة المجتمع المغربي بقبائله ومدنه على اعتبار أن المجتمع المغربي هو الأكثر استهلاكا لهذه المواقع . أبرزها التواصل مع الناس الذين قد يستحيل الاتصال بهم في الواقع ، متخطية الحدود الجغرافية واللغوية في زمن “كورونا” .
عرفت منصات التواصل الاجتماعي باعتبارها المتنافس الوحيد خلال الحجر الصحي تحولات عميقة من خلال ظهور محتويات متنوعة من الترفيه إلى التعليم والتوعية والأخبار وغيرها ،أصبحت هذه التطبيقات في كثير من الأحيان بديلا عن الأنشطة اليومية من خارج المنزل بشكل حضوري والذهاب إلى المقهى أو المسرح أو المكتبات أو الحدائق العمومية … لذلك قامت كبرى وسائل الإعلام المحلية والعالمية بالتركيز كثيرا على هذه المنصات لإيصال المحتوى الذي تقدمه لجمهور أوسع ومدى مساهمتها في التخفيف من وطئة الحجر الصحي جراء فيروس “كورونا” وتتبع عدد الإصابات وكيفية الإنتشار ، كون أغلب الأشخاص يعتمدون على هذه المواقع للوصول إلى المعلومة بجوانبها المختلفة في السياق عنه ، زاد عدد المؤسسات الرسمية والمسؤولية السياسية وحتى بعض الأشخاص العاديين الذين يحبون إبراز ذاتهم والتعبير عن أراءهم ونظرتهم حول “كورونا” ، وتفسير بعض المواقف وإعلان القرارات الهامة عبر حسابات رسمية . بالإضافه إلى ذلك سمحت هذه الوسائل للأشخاص بث الفيديوهات والأحداث لحظة حصولها بحيث انتشرت العديد من الفيديوهات من مدن كثيره بالمغرب تظهر خلوها من المارة والسياح ، إلى غير ذلك من الأنشطة التي كانت تمارس ما قبل “كورونا” ، وعلى الرغم من ذلك لم تخل مشاركات وسائل التواصل الإجتماعي من الأخبار المزيفة ، التي تحتاج جهدا ومعرفة للتمييز بينها وبين الحقيقة . الحاجة إلى المعرفة دافع قوي لمستخدمي هذه الوسائل ، بحيث تزيد هذه الحاجة وقت الأحداث الكبرى العامة والأزمات مثل أزمة كورونا.
فهذه الوسائل جعلت الناس يحسون بأنها هي متنفسهم وملاذهم الوحيد في زمن “كورونا” ، بشكل ملفت للأنظار بحيث جعلتهم يشعرون بأن الأزمة جماعية وأنهم ليسوا وحدهم الذين يعانون منها الأمر الذي خفف من وطئة الأزمة بشكل عام . إذ أتاح المحتوي المتوفر عبر وسائل التواصل الإجتماعي خلال أزمة إنتشار الوباء، بما إحتوى من فيديوهات منزلية ومحاضرات جامعية وندوات وبرامج ترفيهية إضافة إلى تقنية التعليم عن بعد بغية استمرار الدراسة وجعل التلاميذ والطلبة يواكبون التحصيل المعرفي في هذه الظرفية بالذات ، في جعل الحجر المنزلي أخف وطأة كون مشاركة هذا النوع من المحتوى يظهر الأشخاص أنهم ليسوا وحدهم والأمور ليست بالسوء الذي يتخيلون . وحسب الخبراء النفسيين تكون أغلب هذه السخرية من باب ما يسمى في علم النفس التحليلي الإعلاء النفسي، وهي حيلة دفاعية نفسية تساعد العقل على التغلب على الاحساس او السلوك غير المرغوب فيه بتحويله الى سلوك مقبول.
فهذا السلوك الجديد قد يساهم بشكل فعال في ظهور أماكن عيش جديدة، أثرت في حياة الأفراد والجماعات، و بالتالي في الرابط الإجتماعي والعيش المشترك. لهذه الأسباب المجتمعية يمكن الجزم أن هذه الثورة الرقمية أعلنت عن إندثار عالم و ولادة عالم جديد[4]، جراء هذه الثقافة المكتسبة طوال هذه المدة من الحجر الصحي المفروض على الإنسانية نتيجة فيروس كورونا المستجد الذي غير مسعى وتوجيهات الكثير من المجتمعات الانسانية.
- التعليم عن بعد في زمن الوباء
عرف المغرب خلال الشهور الأخيرة تحولات عميقة في شتى المجالات، خاصة على مستوى قطاع التعليم عن بعد وكيفية مساهمته في خلق ثورة هائلة في مجال التواصل الاجتماعي جراء فيروس “كورونا” الذي حول اتجاه البشرية من منحى الى أخر. مع تفاوت إمكانية التقنية من دولة إلى أخرى، إنه عصر التحول الرقمي في التعليم رغما عن الجميع، لاستكمال العملية التعليمية ، وعدم توقفها ، حيث فجوات رقمية جاهزية بنيتها التقنية . نظرا للإفتقار لكثير من هذه التجهيزات المتعلقة بالتعليم عن بعد مع عدم توفر تجارب مسبقة لقياس مدى نجاحها في حال تطبيقها كإجراء إحترازي لمواجهة فيروس “كورونا” .
لقد أصبح الأنترنيت هو الملاذ الوحيد باعتباره جزء لا يتجزأ من حياة المجتمع المغربي بالخصوص و لا يمكن الإستغناء عنه في ظل تتبع عملية التعليم عن بعد عن طريق استخدام تطبيقات محددات الفيديو عبر الأنترنت مثلا “زوم” و “غوغل” و “ميتنيع” و “ويب إكس ميت” و غيرها .
فكل هذه التطبيقات في زمن “كورونا” تحولت من مستوى إستخدام عادي إلى الإستخدام الهائل باعتبارها المتنفس الوحيد الذي لا يمكن الإبتعاد عنه في مواصلة التعليم عن بعد سواء من خلال تصوير الدروس عبر تقنية الواتساب أو غيرها، فهي تقنية عرفت إقبالا جيدا نظرا لما تعيشه المجتمعات اليوم .
التعليم عن بعد عرف تقدما كبيرا بفعل التقدم التكنولوجي وما يوفره من تطبيقات سهلة كوسيلة للتعليم عند الطلاب والتلاميذ في المدارس والجامعات، بإعتبار أن التعليم عبر هذه المنصات سيساعد مستقبلا هؤلاء المستفيدين من للحد من العوائق التي تقف حائلا بينهم وبين التفاعل مع المؤسسات التعليمية ومدى فعاليتها ودورها التنموي[5]. كل هذا دفع بالمؤسسات التعليمية للتحول إلى التعلم الإلكتروني كبديل طال الحديث عنه والجدل حول ضرورة دمجه في العملية التعليمية خاصة بعد أن تأثرت العملية التعليمية بشكل مباشر بأثمنة الصناعة و تطور التكنولوجيا .
التي اقتحمت معظم أشكال حياة الإنسان وأصبحت جزء أصيلا منها . وبالتالي جعل هذه العملية التعليمية قادرة بالدرجه الأولى بدعم المتعلمين وحتى الطلاب في الجامعات من خلال مجال التواصل الاجتماعي وجعلهم موالون لسيرورة ديناميكية للتنمية ، وبتحقيق تفتح شخصية المستفيدين من تلك المقومات التكنولوجية[6] من خلال أليات التواصل الإجتماعي وما لعبه من أدوار مهمة في تقريب المعلومة في ظل جائحة “كورونا” .
خاتمة
من خلال ما سبق يتبين لنا أن مجال التواصل الإجتماعي قد عرف تحولا ملموسا في ظل جائحة “كورونا” . بحيث أصبحت الإنسانية كلها بما فيها المجتمع المغربي على وجه الخصوص مبنياعلى هذه المواقع ، على مستوى العلاقات الإجتماعية وتتبع أخبار كورونا، كما أن هذه المواقع أصبحت في وقت الوباء تضم مختلف المواضيع عكس ما كانت عليه في الزمن العادي أي ما قبل “كورونا” ، فهي بمثابة الدواء الذي يشفي من المرض ويهدأ من روعة الناس في الوقت الذي منع فيه الخروج من البيوت، وبالتالي فمجال التواصل الإجتماعي الذي تحول من مسعى إلى أخر في زمن “كورونا”، بقدر ما قدم من إيجابيات لصالح الناس وربطهم بالعالم الخارجي وضمان إستمرارية التعليم عن بعد ومد جسور التواصل بين الناس فهو في نفس الوقت قد خلق أثار نفسية في المجتمع المغربي وفي أفكارهم وسلوكياتهم و كيفية تمثلهم للحياة ما بعد كورونا .
المراجع و المصادر
- الكتب
[1] بدران بن الحسن (ماي 2020) “فيروس “كورونا” : تحولات و تحديات و فرص : مقاربة فكرية” عالم (ما بعد الحداثة) قراءة في تحولات الفرد و المجتمع و الأمة ، و العلاقات الدولية ، إعداد و تنسيق محمد البنعيادي و مصطفى شعايب ، الطبعة الأولى ص/182 .
[2] دريس الكراوي (يناير2018 ) ” التنمية نهاية نموذج ؟” الطبعة الأولى ، ص/112 . [3]علي محمد رحومة (يناير 2008) ” علم الإجتماع الألي” مقاربة في علم الإجتماع العربي و الإتصال عبر الحاسوب ” ص/80 . [4]عبدالهادي أعراب (202) ” حدود مساهمة المدرسة في التحولات الإجتماعية و الثقافية في البوادي المغربية ” ، الطبعة الأولى ، ص/61 . [5] مصطفى حدية (1996) ” التنشئة الأجتماعية و الهوية دراسة نفسية إجتماعية للطفل القروي المتمدرس ، الطبعة الأولى ، ص/61 . [6] حنان بن شعشوع الشهرى ( أثر إستخدام شبكات التواصل الإلكترونية على العلاقات الإجتماعية ) جامعة الملك عبدالعزيز ، ص/121 .[1] بدران بن الحسن (ماي 2020) “فيروس كورونا” : تحولات ، و تحديات ، و فرص : مقاربة فكرية “عالم ما بعد الحداثة” قراءة في تحولات الفرد و المجتمع و الأمة العلاقات الدولية ، إعداد و تنسيق محمد البنعيادي و مصطفى شعايب ، الطبقة الأولى ، ص/182.181.
[2] حنان بن شعشوع الشهري ( أثر استخدام شبكات التواصل الاجتماعي الإلكترونية على العلاقات الاجتماعية) جامعة الملك عبدالعزيز . ص12 .
[3] د.علي محمد رحومة (يناير 2008) “علم الاجتماع الألي” مقاربة في علم الاجتماع العربي و الاتصال عبر الحاسوب ص/80 .
[4] إدريس الكراوي (2018) ” التنمية نهاية نموذج ؟” الطبعة الأولى ص/ 112 .
[5] عبد الهادي أعراب (2002) ” حدود مساهمة المدارس في التحولات الاجتماعية و الثقافية بالبادية المغربية” كتاب التحولات الاجتماعية
و الثقافية في البوادي المغربية، الطبعة الأولى ص/198.
[6] مصطفى حدية (1996) “التنشئة الاجتماعية و الهوية دراسة نفسية اجتماعية للطفل القروي المتمدرس ، الطبعة الأولى ص/61.