الترجمة وإشكالية التحريف في الخطاب الإعلامي والسياسي (إدريس مقبول)
تنزل الترجمة منزلة الوسيلة من الأداء الإعلامي والسياسي، وهي بالغة الخطورة في الميدانين معا (يعني السياسي والإعلامي) كما تخبرنا أستاذة الترجمة كريستينا شيفنر من جامعة أستون البريطانية، لأن الترجمة تسمح بنقل “المعلومات المتفاوتة الحساسية” لأكبر جمهور ممكن، وتوفر قاعدة واسعة للتواصل بين المجتمعات والشعوب والإدارات السياسية بما تحمله من إمكانات لمعرفة “المواقف” و”الأحداث” والاطلاع على وجهات النظر “المتفقة” أو “المتعارضة” بخصوص ما يجري بالعالم من حولنا.
غير أن هذا الدور واقعيا ومن خلال التجارب اليومية، يجري تحريفه من طريق “التأويل المغرض” كما يسميه الناقد الإيطالي أمبرتو إيكو، أي تحريف “الوسيلة” واستغلالها لأداء أدوار “غير نظيفة” لمصلحة الإيديولوجيا الضيقة لبعض الجهات والأنظمة في إطار الحرب غير الأخلاقية التي تشنها على بعضها البعض، ومن ثم بات من الواجب التأكيد على أخلاقيات الترجمة في هذا المضمار نأيا بها أن تستحيل إلى سلاح مدمر للعلاقات العامة وللأخلاق اللغوية..
وإذا كان من التقليدي الحديث عن أدوار الترجمة في “التقريب” و”المثاقفة” ووصل الإنسان بالوجود على حد قول هايدغر، وهي وظائف “سامية” مارستها “الترجمة تاريخيا بأن فتحت أعين البشر وعقولهم على خبرات وتجارب بعضهم البعض من خلال تجسير الثقافات بجسر”الترجمة”، فإن تحريف هذا الدور من شأنه أن يعمق “الخلافات” بين الشعوب والمجتمعات، ويحفر عميقا في أرض التواصل بين المجموعات الثقافية ليصنع “الكراهيات” و”الجهالات”..
التحريف الترجمي مخل “بالأمانة العلمية وبنزاهة المحتوى البياني والقيمة التواصلية للكلام الأصلي”، وهو وجه من أوجه “عبث الإرادة” و”مكر المساجلات”، ولئن كانت الترجمة كنقل لمحتوى دلالي، من شكل في الدلالة إلى آخر، عملية ممكنة، رغم ما تطرحه من صعوبات، ما دامت”تريد أن تضع نصا يقول الشيء نفسه، ويرمي إلى الغاية نفسها”، فإن الترجمة من وجه آخر هي ضرب من التأويل أو القراءة، ولهذا ظل البعض يرى ومنهم الناقد والفيلسوف والتر بنيامين أنه لا علاقة للترجمة بالتبليغ والإخبار، فإلى أي حد يبلغ مدى هذه القراءة؟ هل هناك حدود منطقية ولغوية وأخلاقية تمنع “الافتئات” على النص الأصلي؟
نقول هذا ونحن نعتقد أن المنهج التفكيكي نفسه الذي أجاز تعدد القراءات لم يبلغ حد إجازة “الإغارة” على النص الأصلي والكذب عليه..و”تحويله” لا بالمعنى الذي يتكلم عليه ديريدا أو هايدغر ولكن بالمعنى اللاأخلاقي؛ أي تحويله عن قصديته لأداء أدوار “ترقيعية” أحيانا و”كيدية” و”ماكرة” أحيانا أخرى..إننا نتحدث هنا عن الترجمات التي تقع قصدا وليس سهوا، أي تلك التي تتلبس فيها “الترجمة” بجريمتها في الميدانين السياسي والإعلامي..