الجامعة المغربية والابتكار ممكنات المعرفة ومعيقات تطوير مجتمع المعلومات(الطاهر بكني)_2_
2. انخراط الجامعة في الاستراتيجية الوطنية للابتكار: دروس وتحديات
إن مشهد تبادل المعرفة عالميا آخذ في التغير السريع، والانتقال نحو الابتكار المفتوح القائم على استغلال المعارف ونقلها عبر المسارات الداخلية والخارجية؛ من أجل البقاء في دائرة المنافسة في السوق، فالشركات الصناعية تواجه ضغوطا تتمثل في التنافسية المتزايدة، وقصر دورة حياة المنتج وتعقدها المتزايد، وعليه فهناك اتجاه متزايد لاستكشاف مصادر خارجية للابتكار والحصول على أفكار جديدة، وتطوير قدرات جديدة، والوصول إلى أحدث الأبحاث الأكاديمية. وعلاوة على ذلك، انخراط الشركات مع الجامعات بحيث يسمح للشركات بالاستفادة من التمويل الحكومي، وخفض تكلفة البحث والتطوير.
ومن هذا المنطلق، جاءت الإستراتيجية الوطنية للابتكار بالمغرب بهدف تبني نهج التنمية القائمة على المعرفة (الجامعة-المقاولة-الحكومة)، حُدد لها مؤشران بسيطان لقياسها منها منح 1,000 براءة اختراع سنويا، إلى جانب إنشاء 200شركة في مجال الابتكار سنويا، بدءا من عام 2014. وذلك عبر بناء نظام بيئي ملائم يضم المقاولات المبتكرة، وأصحاب المشاريع، والجامعات، والمراكز التقنية ومؤسسات رأسمال المخاطرة وأقطاب التطوير التكنولوجي. بإشراف كل من وزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي ووزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي والاتحاد العام لمقاولات المغرب. ومن أهداف هذه الاستراتيجية تهيئة مناخ عام للابتكار بتعزيز ثقافة الابتكار وروح المبادرة في قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وإقامة روابط أقوى بين القطاعات البحثية الخاصة والعامة. واستغلال قدرات البحث والتطوير في الجامعات المغربية عبر تشجيع التعاون بين الجامعات ومراكز الأبحاث وبين المؤسسات الصناعية، وجعل المغرب بلد منتج للتكنولوجيا وتسويق الملكية الفكرية والتكنولوجيا من خلال تعزيز إنتاج براءات مغربيةوإحداث مقاولات ناشئة مبتكرة عبر دعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص. كما تم إنشاء المركز المغربي للابتكار وريادة الأعمال الاجتماعية سنة 2012 وھدفه الرئيسي الابتكار في المجتمع المدني. كما وضعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر استراتيجية وطنية لتطوير البحوث العلمية حتى عام 2025، وھي تعتبر الجامعات ومراكز البحوث عناصر من النظام الوطني للبحث والابتكار، خاصة وأنھا أسھمت في وضع برامج مختلفة. فيما التزم الاتحاد الأوروبي بدعم النظام البيئي الرقمي والابتكار ومساعدة المغرب في أن يصبح عضوا منتسبا في برنامج Horizon Europeللأبحاث، إلى جانب تمويله للبنى التحتية الرقمية وتعزيز موثوقيتها وقدرتها وأمنها.
وعلى الرغم من تزايد أشكال التعاون بين الجامعة والمقاولات، إلا أن التفاعل يزداد تعقيدا بينها في أشكال التعاون وخرائط الطريق واستراتيجيات الاستشراف التي يمكن أن تؤدي إلى نمو اقتصادي أكثر استدامة وتعزيز القدرة التنافسية.فالجامعات تعاني من الضغوط المطالبة بانتقالها من العقلية الانعزالية إلى عقلية ريادة الأعمال والمساهمة في البرامج الوطنية للابتكار، والحـال أن الجامعـة فـي المغـرب لا يتـم إدماجهـا فـي السياسـات الصناعيـة وسياسـات التطويـر إلا بصـورة ضعيفـة. وبالتالي تبرز في الواجهة حواجز ومعوقات تؤثر في آليات التعاون وأوجه التشارك، فحيـن تنخرط الجامعـات فـي علاقات مـع المقـاولات، تجـد نفسها أمـام عـدد مـن القيود الناجمـة عـن الإطار التشريعي الذي لم يطور بعد آلياته القانونية والمسطرية، حيث يتقابل التوجه الأكاديمي طويل الأجل للجامعة، مع التوجه القصير الأجل للمقاولة، والواقـع أن النصوص المنظمـة للجامعة هـي نفـس النصـوص التـي تنظم المؤسسـات العمومية، فـي حيـن أن الحاجيـات أصبحت مختلفـة تمام الاختـلاف، مما يؤدي إلى اختلاف في الرسالة والأهداف، ولا سـيما فيمـا يتعلق بتدبير أنشطة البحـثوانخفاض مستويات براءات الاختراع في ظل منافسة غير فعالة وأمام رأسمال استثماري وتمويل مبكر يمكن اعتباره في طور النشأة. كما أن هناك اختلافا في شأن السرية والخصوصية (مفتوحة المصدر ونشر المنهج من قبل الجامعات مقابل القدرة التنافسية وحماية المنتج في الصناعة).
وتعانـي الجامعات مـن عدم جاذبيتهـا لاسـتقطاب الكفاءات ومـن صعوبـة تدبير الأموال موضوع عقود البحث مع الشــركات. فإلى جانب إشكالية التكاليف العالية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تكمن إشـكالية تمويل البحوث فـي الإجراءات والمسـاطر غيـر الملائمـة لتدبيره وصرفه أكثر مما تكمن فـي التوفر الفعلـي للتمويل. ومن بـاب المفارقة أن الولـوج إلـى التمويـل يتحقـق دائما بكيفية أو بأخرى، ولكن إنفاقه هو الذي يكون معقـدا للغايـة، حيث يخضع لمساطر معقدة في الصرف، لا تلبي حاجيات البحث العلمي وأهدافه. وبالتالــي، لا يمكن صياغة بنود عقود البحث، التــي ترغب المقاولة فــي إبرامها مــع فريق بحث جامعـي معين، إلا بين الجامعة فــي شخص رئيســها وبين المقاولة، فـي غيـاب أي إشراك ناجع للفريـق الـذي سـينجز العمل.
وتؤدي الاختلافات التنظيمية والثقافية إلى إشكالات لها تأثير مباشر على مستوى التمويل، وهيكل التكاليف الجامعية، والحوافز الأكاديمية، وتركيز البحوث. فالمكانة الأكاديمية وحب الاستطلاع والتحقق هي التي تحرك الباحثين الجامعيين، في حين أن المقاولة يحركها دافع الربح وحل المشكلات والنتائج. كما تتميز البحوث الجامعية بالطابع الاستكشافي، في حين تركز المقاولة على بحوث التنمية التي تستهدف المشكلات التطبيقية. بالإضافة إلى أنه من المحتمل أن يؤدي عدم كفاية خدمات الأعمال للشركات الناشئة والشركات الصغيرة إلى عدم التوافق بين احتياجات العمل واستراتيجية الجامعة، ومقياس الوقت، والتوقعات، والفشل في الاتفاق على شروط الملكية الفكرية ووجهات النظر المتناقضة على الالتزامات. كما أن هناك نقاشات كثيرة حول العوائق المحتملة للتعاون بين الجامعات والصناعة المتعلقة بالملكية الفكرية، والاستثمار.
ويمكن إجمال معوقات التعاون بين الجامعة والمقاولة في غياب الرؤية الشاملة على المستوى الوطني للابتكار، وعدم مرونة العمليات والسياسات الجامعية التي تتجلى في ضعف الإنتاج المعرفي وخلق قيمة مضافة بالاعتماد على التكنولوجيا، وعدم وجود آليات مكافآت مصممة تصميما جيدا توفر الكوادر البشرية القادرة على استيعاب التكنولوجيا واستثمارها بالشكل الملائم، وعدم كفاءة إدارة معاملات نقل المعرفة، والتي تمثل حواجز لنقل المعرفة بين الأوساط الأكاديمية والمقاولة. ومع ذلك، فهناك اتجاه متزايد في الآونة الأخيرة من الجامعات للانخراط مع المقاولة في اتجاه خلق البيئة التمكينية الملائمة والمحفزة والداعمة لاستثمار التكنولوجيا ونقل التكنولوجيا على أساس أكثر انفتاحا وتعاونا لاستثمار الملكية الفكرية وتقييمها وتطويرها بواسطة المقاولة.