الحجر الصحي بالمغرب:سؤال الفعالية والحاجة إلى التقييم. – فؤاد هراجة
عندما قررت السلطات المغربية تبني خيار الحجر الصحي في شهر مارس الماضي، تجندت كل وسائل الإعلام وكل مؤسسات الدولة للتعبئة الشاملة والمستعجلة، وسادت روح من التعاطف بين سائر المواطنين الذين تقبلوا القرار وانخرطوا في مواجهة عدو “فتاك وقاتل” إسمه فيروس كورونا «كوڤيد19»، وكان السلاح الاستراتيجي الوحيد والأوحد الذي فُرِضَ عليهم من قِبَلِ السلطات هو الحجر الصحي عبر شعار “بقا فدارك”. ولأن كذا قرارات في المغرب لا يمكن أن تصدر إلا من السلطات العليا، فإن النظر فيها والتساؤل عن جدواها وفعاليتها، سيعتبر مساسا بالمقدس وخروجا عن الإجماع الوطني الذي ينبع ويصدر من جهة واحدة. ومما ساهم في تكريس الرأي الأحادي، ورفض أي فكرة تنتقد كذا خيار للسلطة، هلع الأخبار القادمة من الصين وإيران وإيطاليا، حيث حجبت غريزة حب البقاء مَلَكَةَ العقل عن تمحيص خيارات السلطة والنظر في نجاعتها، ومساءلتها حول مدى الأسس العلمية التي بني عليها هذا القرار الذي سيشل الاقتصاد والحركة في بلد يعاني من الفقر والبطالة والاقتصاد غير المهيكل، وهل كانت الدولة على بَيِّنة من طبيعة المعركة التي تخوضها مع هذا الفيروس، وانعكاساتها زمانيا ومكانيا على كل فرد وأسرة ومؤسسة وورشة…، أم أن الهاجس الذي كان يحكم السلطة وقتئذ هو التحكم في تقليص دائرة انتشار الوباء أمام انعدام الإمكانيات اللوجيستيكية الطبية بالخصوص؟
لكن المثير في المشهد الكوفيدي المغربي، هو التطبيل والتزمير الذي رافق خيار السلطة وتدابيرها في مواجهة الوباء، حيث تعالت بعض الأصوات كثيرا وهي تُنَوّه بحكمة السلطات المغربية وحنكتها العالية في تدبير المرحلة، ووسمتها بالعبقرية وأنها تفوقت على العديد من الدول، وزعمت أن بعضها استفاد ونقل التجربة المغربية التي رأى المُتَيَّمُونَ بها أنها كانت رائدة في العالم بأسره، بحيث لم تسقط -على زعمها- فيما سقطت فيه بعض الدول المستهينة بالوباء كإيطاليا وإسبانيا وإيران. وبناء على هذه المعطيات “الإنشائية” -غير العلمية- وبعد تقييم المرحلة يتوجب منطقيا أن يكون المغرب متقدما من حيث التصنيف في نجاعة تدابيره التي نهجها في محاربة الوباء مقارنة مع هذه الدول. لقد كان ميشيل فوكو يِلِِحُّ دائما على التفكير في “كوجيطو الغياب” وليس في “كوجيطو الحضور”، وانا استعير منه هذا المنهج لأتجاوز سؤال “ما هي التدابير التي اختارتها السلطة لمواجة الوباء؟ وأحط الرحال عند سؤالين:
– ما هي نتائج هذا الخيار؟ وما مدى نجاعته وفعاليته؟
-ما هي نتائج هذا الخيار؟ وما مدى نجاعته وفعاليته؟
بطبيعة الحال هناك أصحاب الأجوبة الدغمائية الجاهزة التي تمتح من قواميس المدح والتبجيل وتعتبر أن ما قام به المغرب كان معجزة! دعونا نتبرم من هذا الخطاب الدغمائي السياسوي، لننفتح على آخر دراسة تحليلية صدرت يوم 3 يونيو 2020 عن مجموعة «Deep knowledge group» وهي عبارة عن ائتلاف مكاتب دراسات عالميي يعتمد الدقة والحيادية إلى أبعد الحدود، هذه الدراسة التي قامت بتصنيف دول العالم وترتيبها حسب نجاعة وفعالية تدابيرها في مواجهة فيروس كورونا. لقد قسمت الدراسة العالم الى أربع طبقات(four tiers)، يوجد المغرب في الطبقة الثالثة من هرم التصنيف، ويحتل المرتبة 93، مرتبة تجعل كل الحديث عن الريادة، وسياسة الاستباق، ومقولات الاستثناء تتبخر وتتطاير من عقولنا. وتحدر الإشارة إلى أن الدراسة اعتمدت 130 معيار وضابط، وزعت على ست مجالات، ومُنِحَ كل مجال معامل حسب أهميته ومركزيته في مواجهة الوباء، حيث تراوحت المعاملات ما بين 1.3/2.2، فكل مجال يخضع لتنقيط خاص ويضرب في المُعامل ليعطينا نقطة المجال، لتجمع كل نقط المجالات الست لنحصل على نقطة نهائية تمنح مرتبة للدولة بين سائر دول العالم بخصوص فعالية التدابير المتبعة. وهذه المجالات هي:
1- Quarantine efficiency
2- governement effeciency of risk management
3- monitoring and detection
4- healthcare readiness
5- Regional resilliency
6- Emergency preparedness
والنتائج المحصلة تتركنا مشدوهين أمام الأرقام التي حصل عليها المغرب، فمثلا:
Quarantine efficiency/فعالية الحجر –
قد يعتبر الدغمائيون أن قوة المغرب كانت في خيار الحجر الصحي، لكنه لم يحصل فيه سوى على 103 نقط وهي نفس النتيجة التي حصلت عليها المملكة المتحدة التي اعتمدت استراتيجية مناعة ا لقطيع (herd immunity)، وهذا يجعلنا نطرح سؤال جدوى الحجر من أصله، سيما وأن بريطانيا حافظت على دينامية محركات اقتصادها وإنتاجها واستمرار الدراسة بكل أسلاكها، ولم تتبنّ خيار شل مراكز التصنيع والتسويق والمواصلات.
ويلاحظ أن المغرب لم يحصل على النقط إلا في المجالات التي تتدخل فيها للسلطة والقوة (المجالين 1/2)
وكان الأضعف في مجالات ابداع الحلول وتوفير الإمكانيات المادية واللوجيستيكية(المجالين 4/6) حيث لم يحصل في مجال4 الاستعداد الوقائي الصحي سوى على 38 نقطة، اما في المجال 6 المتعلق بتهييء فضاءات المستعجلات الطبية فلم يحصل سوى على 53 نقطة، ونن حسن حظ المغرب أن المجالين 1/2 كان معاملهما 2.2، في حين ان المجالين 4/6 معاملهما 1.3، وإلا كان سيقبع في القعر.
[٠٠:٥٠، ٢٠٢٠/٦/١٤] يونس نشاط: إن مقارنة المغرب من خلال هذه الدراسة مع باقي دول العالم تجعلنا نقغ على مفارقات عجيبة وغريبة، فعربيا نجد مصر ب100 مليون من السكان وبنيات مهترئة أحسن منا تصنيفا وقس على ذلك تونس ولبنان والكويت وا�
[٠٠:٥٤، ٢٠٢٠/٦/١٤] يونس نشاط: ولبنان والكويت والسعودية والأردن، فكيف يا ترى سنقبل بأن المغرب كان مثالا يحتدى ورائدا في تدابيره المتبعة! ناهيك أن دولا كنا نضحك من وضعها ونعتقد حالنا أفضل منها، أثبتت الدراسة أننا كنا حالمين وجاهلين بحقائق الوضع من حيث الفعالية والنتائج، وأن تصنيفها كان أفضل منا بكثيييييييير، وأخص بالذكر ايطاليا المرتبة 53، والمملكة المتحدة المرتبة 68، وإيران المرتبة 73، في اننا اكتفينا بالمرتبة 93 مع استحضار حجم الخسائر الاقتصادية وتعميق الفاقة والفقر والبطالة في الأوساط الاجتماعية. وهذا يدعونا إلى مساءلة حقيقية ليس للحكومة فحسب، بل لكل السلطة الحاكمة باعتبار أن هذه القرارات لم تكن حكومية محضة، بل كانت تعاليم مملاة من دائرة مستشاري السلطة العليا. إن هذه النتائج العلمية الدقيقة، تؤكد أن تبني اختيار قرار الحجر الصحي لم يكن خيارا ناجعا رغم ما اتسم به من صرامة في التطبيق من طرف السلطة، والتزام واعي ومسؤول من طرف المواطنين، ذلك أن النتائج كانت ضعيفة جدا ولا ترقى لدول لم تطبق الحجر الصحي البتة. فهل ياترى يُقبَلُ من أجهزة الدولة بكل مؤسساتها السياسية ومكاتبها الدراسية أن تتسرع بقرار الحجر الصحي دون دراسة متروية لفعالية القرار وتبعاته على المدى القصير والمتوسط، واستحضار منطق الربح والخسارة. إن النتيجة المحصل عليها من طرف المغرب تؤكد أن مركزية القرار، وتنازلية القرار من السلطة العليا التي يشكل فيها المستشارون قطب الرحى، كانت تتحكم فيها الهواجس أمنية أكثر من الهواجس الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وهذا ما يفسر تضخم مردودية المجال 1/2 على المجالات الأربع المتبقية. في حين أن القرار قدفي الدول الديمقراطية كان أفقيا تتخذه المؤسسات السياسية المنتخبة عبر نقاش عمومي من جهة، وعبر تداول الخيارات من داخل الأحزاب والنقابات مؤسسات المجتمع المدني بكل أطيافها المهنية والحرفية والعمية والأهلية… . غير أن كل هذه المؤسسات في المغرب ليست صاحبة القرار ولا تستشار في كذا قرارات استراتيجية التي تنتظر التعليمات الفوقية. وقد يقول قائل هل أنكرت كل المجهودات التي قامت بها السلطات خلال الأشهر الثلاث الماضية، لمثل هؤلاء أقول، إن مثلكم كمثل جمهور يتفرج في مباراة ملاكمة، فيرى ملاكما يكثر من اللكم يمينا وشمالا، حتى يُتَصَوَّرُ لهم أنه مسيطر على المبارزة، ليكتشفوا بعد انتهاء الجولات أنه هو المنهزم لأنه كان يلاكم بعشوائية مفرطة، أما خصمه فكان يوجه اللكمات على قلتها بدقة متناهية، بعدما درس الخصم وأعد الخطة، فهل بلغكم القصد يا ترى؟
وخلاصة القول إن احتلال المغرب المرتبة 93 عالميا رغم كل التضحيات التي قدمها الشعب الفقير لإنجاح قرار السلطات الأحادي المتمثل في الحجر الصحي، ليعد تمرينا تاريخيا نستخلص من خلاله أهمية وضرورة المؤسسات التخصصية والدراسات العلمية، وتوسيع دائرة التشاور وعدم التسرع في اتخاذ القرارات المصيرية، وبلغة أخرى كفانا استبدادا لأن ضريبته غالية على الجميع، وناره تأتي على الأخضر واليابس.
أتمنى أن تجد هذه القراءة النقدية طريقا لأصحاب الحماسة والمدح والتبجيل فيدركوا حجم الإحباط الذي يشعر به المطلع على هذه الدراسة، كما أرجو أن تسلك آذان القائمين على الشأن العام فيتقوا الله في هذا الشعب الطيب.
تجدون أسفله العنوان الإلكتروني الذي نشر الدراسة المعتمدة في المقال