“الحرب الدراسية”.. كيف تشن إسرائيل حربها على المنهاج الدراسي الفلسطيني(فادي عصيدة)_2_
مدارس مدينة القدس والمنهاج الذي تتبناه
تتعرض مدارس مدينة القدس لهجمات مستمرة تستهدف المحتوى المنهاجي الذي تتبناه بالدرجة الأولى. ففي عام 2023 شهدت مدارس مدينة القدس أعنف هجمة نفذتها سلطات الاحتلال بدواعٍ إشرافية إدارية وفنية، إذ نفذت وزارة المعارف الإسرائيلية وطواقم بلدية الاحتلال حملات دهم لمجموعة من المدارس تم خلالها تفتيش حقائب الطلبة بحثا عن كتب المنهاج الفلسطيني، في حين مُنع طلبة مدارس الأقصى من دخول بوابات المسجد المبارك بدعوى احتواء حقائبهم على مقررات تعليمية فلسطينية. وعلى الصعيد المقابل لا تتوقف إسرائيل عن تقديم شتى أنواع المغريات للمدارس لإنفاذ ما سمته المنهاج الفلسطيني المعدّل.
وتندرج المدارس في القدس ضمن 5 فئات :
- أولا: مدارس الأوقاف وتخضع هذه المدارس لمديرية التربية والتعليم في القدس كجهة إشرافية، وتعمل ضمن إطار وزارة التربية والتعليم الفلسطينية وتلتزم بالمنهاج الفلسطيني.
- ثانيا: المدارس الأهلية والخاصة، وهي المدارس التابعة للكنائس أو الجمعيات الخيرية أو مدارس أهلية وخاصة (تتبع أفرادا). وتلتزم المدارس بالبرامج التعليمية الفلسطينية والمنهاج الفلسطيني، رغم أن غالبيتها يعمل تحت ضغوطات إسرائيلية بسبب حصولها على مخصصات إسرائيلية شهرية.
- ثالثا: مدارس المعارف والبلدية، وهي المدارس التي تدار بشكل كامل ومباشر من دائرة المعارف الإسرائيلية وبلدية الاحتلال وتخضع لتطبيق المناهج الفلسطينية المحرفة وجزء منها يطبق فيها المناهج الإسرائيلية.
- رابعا: مدارس شبه معارف (مقاولات) وهي مدارس مرخصة أي معترف بها ولكن غير رسمية، ويطلق عليها أيضا اسم مدارس المقاولات؛ لأن إدارتها تتعاون مع المعارف الإسرائيلية وتلتزم بتعليماتها كاملة، لفتح صفوف في مبانٍ سكنية، وذلك مقابل مخصصات تتقاضاها من بلدية الاحتلال.
- خامسا: مدارس الوكالة، وهي المدارس التي تعمل تحت إدارة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، وتلتزم بالنظام التعليمي الفلسطيني والمنهاج الفلسطيني. [2]
مشاهد من المحتوى المنهاجي الأصلي ونظيره المحرف
نستعرض فيما يلي بعضا من المقررات الدراسية المحرفة [3] وفيها تم استبدال عنوان “القُدْسُ مَدينَةُ السَّلام” ب”مَدينَةُ القُدْسِ عاصِمَةُ وَطَني فِلَسْطين”، و”القدسُ هي عاصِمةُ دولةِ إسرائيل” ب”القدسُ هي عاصِمةُ دولةِ فلسطين”، وطبريّا: بَلدَة يَهودِيَّة قَديمَة ب”طبريّا: بَلدَة فِلَسطينِيَّة قَديمَة” وتهدف المؤسسة الإسرائيلية من خلال ذلك إلى فصل القدس عن هويتها الفلسطينية وإحلال فكرة أنها مدينة متعددة القوميات والعرقيات.
وفي كتاب الرياضيات للصف السابع الأساسي [4] تم استبدال خريطة أوروبا التي تُظهر الفروق بدرجات الحرارة بين دول القارة الأوروبية بخريطة فلسطين التاريخية.
كتاب الدراسات الاجتماعية للصف الثامن الأساسي، الفصل الأول، طبعة 2020، ص 9 [5]، تم فيه تحريف مساحة فلسطين التاريخية من 27,027 كيلومترا مربعا إلى 6220 كيلومترا مربعا فقط (الجزيرة)
ولا تكتفي إسرائيل بالتحريف المباشر للمحتوى المنهاجي الفلسطيني، لا سيما المقررات الدراسية المعمول بها في مدارس القدس، بل تستمر بضغوطها على السلطة الفلسطينية من خلال عدة مؤسسات مانحة دولية. وبرغم المراجعات المستمرة التي تجريها السلطة الفلسطينية على المناهج تبقى المؤسسات المانحة منحازة إلى التوجه الإسرائيلي.
ونلاحظ في هذا المثال المأخوذ من كتاب الصف السابع، (ج1، طبعة 2017، ص 57)، [6] الذي يذكر “النقيفة” كواحدة من الأدوات الشعبية التي استخدمها الفلسطينيون في الدفاع عن مناطق سكناهم وممتلكاتهم من اعتداءات قوات الاحتلال في الانتفاضة، ليتم تعديل هذا النص في طبعة 2020 بنص آخر يكتفي بذكر “النقيفة” كأداة تراثية ليس لها علاقة بالانتفاضة إنما تستخدم للّعب واصطياد الطيور.
وأخيرا، لا بد من التأكيد على أهمية كشف مخططات الاحتلال ومؤسساته في حق العملية التعليمية بشكل عام والتزوير الروائي فيما يخص المحتوى المنهاجي لا سيما في مدارس مدينة القدس.
كما تبرز ضرورة الإشارة لحقيقة أن حماية المنهاج الفلسطيني هي مسؤولية جماعية يُنتزع فيها حق التعليم، ثم تحمل المسؤولية الوطنية بنقل رواية الأجداد والآباء إلى الأبناء والأحفاد [7]، فهي ليست مسؤولية السلطة الحاكمة التي قد تناور وفق رؤيتها السياسية ومصالحها الآنية.