المقالات

الدولة بالمغرب: المنطلقات(محمد شقير)(1)

    لتحديد أبعاد الدولة في المغرب ، سيتم الارتكان إلى ثلاث منطلقات أساسية :

                 1 – خصوصية الدولة بالمغرب

                 2 – نشأة الدولة بالمغرب

                 3 – استمرارية الدولة بالمغرب

 أولا : خصوصية الدولة بالمغرب

      إن الكتابات التي ظهرت مؤخرا حول تاريخ الدول أدت إلى تجاوز النظرة الأحادية للدولة . بحيث بدأت هذه الكتابات تركز على خصوصية كل دولة على حـدة وذلك مـن خلال المناداة بضرورة الاهتمام بتاريخ الدولة(1)من جهة و تجاوز التـعميم من جهة أخرى . (2)

وهكذا بدأ على  الصعيد الأوربي ، التمييز بين مختلف الدول الأوربية من خلال التأكيد على أن تطور كل دولة اتبع سيرورة تاريخية خاصة . وقد أشار أندرسون إلى هـذه الظـاهــرة حـينما قال : ” إن الدول الاقـليمية التي ظـهرت في مـخـتلـف بلدان أوربا في عصر الـنهضة ، لا يمكن بـبـسـاطـة إدماجـها فـي نمـوذج وحـيد و مــتـاشبـه. فـهي، فـي الواقـع، تـتـضـمـن اخـتـلافـات كبيرة كانت لها نتائج هامة في تطورها حتى الآن .” (3)

و انطلاقـا  من  ذلك، فإن أندرسون درس تطور الملكيات المطلقة سواء في أوربا الغربية أو في أوربا الشرقية ليخلص إلى أن كل واحدة من هذه الدول كانت لها سيرورة خاصة بها.

و في نفس السياق، أكدت كتابات أخرى على خصوصية كل دولة من الدول الأوربية مستندة في ذلك إلى مبررات مـخـتـلـفـة :

             – إما لاختلاف في التطور(1)

             –  أو الاختلاف في التكون(2)

             – أو عدم تبني نموذج وحيد للدولة. (3)

و نظرا لهذا الاختلاف في خصوصيات الدولة الأوربية فيما بينها ؛ فقد رأى بعض المحللين أنه من غير المعقول أن نشبه دولا من العالم الثالث ، سواء كانت من أمريكا اللاتينية أو من آسيا، بدول من أوربا . (4)

وقد ساهمت هذه النظرة الجديدة في ظهور عدة كتابات تـعـيد  النظر في تاريخ الدول الإفريقية أو في الدول العربية و الاسلامية.

فـفي افـريـقـيا يـرى الـبـعـض أن ” تـكـون الـدولـة فـيـها يـرتـبـط بـإرث سـيـاسـي ثلاثي يتضمن : التقاليد الافريقية ،و الاسلامية ، و الغربية. فهناك دول افريقية كانت ثمرة لقوى افريقية صرفة ، و أخرى كانت نتاجا لـتـفـاعـل بين قوى افريقية و إسلامية ، و أخرى كانت حصيلة تفاعل ثقافي افريقي و أوربي . وفي بعض الأحيان كـان هـنـاك انصهار بـيـن مـخـتـلـف هـذه الـتـفـاعـلات الـثلاثـة مـشـكـلا بـذلـك لـقـاء تـاريـخيا بين افريقيا و الاسلام و أوربا .” (5)

وفي نفس الاطار – و بشكل أكثر تعمقا – يؤكد بعض المحللين على أن هناك اختلافا سياسيا كبيرا بين الدول الافـريـقـيـة نـفسها . إذ رغم الخصائص المشتركة التي تجمع بين الدول الافريقية فهناك خصوصية سياسية تميز كـل دولـة افـريـقـيـة عـلى حـدة ، نـابـعـة بالأساس من عوامل جغرافية و بشرية و سياسية و تاريخية . (1)

كما أن المنظومة الاسلامية لا تخلو هي أيضا من خصوصيات قطرية تضاهي ، بشكل أو بآخر ، الخصوصيات السياسية التي تميز الدول الغربية . (2)

وقد انتبه بعض الباحثين العرب إلى هذه الظاهرة فأشار إلى مايلي :

     “رغـم  أن كـل بـقـاع الوطن العربي تنتمي إلى أمة واحدة ، ذات ثقافة رئيسية واحدة، و تشترك في رقعة جـغـرافـية متصلة من المحيط إلى الخليج ، إلا أن هناك خصوصيات للأقاليم العربية الكبرى في إطار هذه  الوحـدة الـعـامة ، بـل إن هـناك خـصوصيات قـطـريـة داخـل كـل هذه الأقاليم (المغرب الكبير ، وادي الـنـيل ، و الـمـشـرق، و الـجـزيرة العربية). و أكثر من ذلك ، هناك خصوصيات محلية داخل القطر الواحد . هذه الخصوصيات ( المحلية و القطرية و الاقليمية) كانت و لاتزال أمرا طبيعيا .

         فالاسلام و اللغة العربية أعطيا مانسميه بالوطن العربي و حدته الحضارية العامة . و من ثمة تبلور الوعي القومي لسكان هذا الوطن الكبير، و الخالقين لهذه الأمة الواحدة، لم يكونا طارئيين، و لم يهبطا في فراغ اجتماعي-ثـقـافـي ، و لم يـنـتـشـر في منطقة جغرافية متجانسة المناخ و التضاريس و الموارد ” … ”  أي أن الاسـلام و الـلـغـة الـعربية و العرب ( من سكان الجزيرة) عناصر وفدت إلى بقاع متنوعة و شعوب متنوعة ، ولـكل منها تاريخه و ثقافته، و مستواه المتباين أو المتقارب من التطور الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي”(3)

و يـضيـف هـذا الـباحـث أنه حتى في ظل الاحتلال الاستعماري لأقاليم الوطن العربي كانت هناك خصوصيات تمثلت في :

            – اختلاف التوقيت ( توقيت الاحتلال لهذا الجزء أو ذاك)

              – مدى عمق الاختراق ( اقتصاره على السواحل أم تعمقه إلى الداخل)

           – طبيعة الاستعمار ( الهيمنة الشاملة للاستعمار الفرنسي بخلاف الاستغلال الاقتصادي للاستعمار الانجليزي) (1)

و لم يقتصر الوعي بهذه الظاهرة على هذا الباحث فقط ، بل لقد تم إنجاز دراسات جماعية في هذا الاطار حاولت البحث في هذه الظاهرة من خلال تصنيف الدول العربية استنادا إلى معايير جغرافية و سياسية وثقافية(2) . وخلصت إلى أن >> كلا من هذه الأقاليم ينطوي على خصوصيات تاريخية – مجتمعية داخل المجرى الرئيسي العام للتاريخ الاجتماعي الـحـضـاري السياسي العربي . وقد عكست هذه الخصوصية المجتمعية الفرعية نفسها إلى حد كبير على نشأة الدولة سواء في شكلها التقليدي السابق للاختراق الاستعماري الغربي ، أم في شكلها القطري الحديث ، أم في تطورها منذ الاستقلال” . (3)

لكن مختلف هذه الدراسات و الأبحاث، ورغم و عيها العميق بظاهرة الخصوصية السياسية للدول العربية ،فإن هذا الوعـي لـم يــتــعــد الـمــجـال الــجـهــوي والإقـلـيمي ؛ بحيث لم يستوعب بعض الباحثين بعد أن لكل دولة عربية خصوصيتها  الســيــاسيـة ، و الـتي تـخـتـلـف بها عن باقي الدول العربية الأخرى بما فيها تلك التي تدخل في منظومتها الاقـلـيــمـيـة . و هـكـذا نـجـد مــثـلا أن الـهـرمـاســي عـنـدما يـحـلـل علاقة الدولة و المجتمع في منطقة المغرب العربي ؛ لا يؤكد على خصوصية كل دولة مغاربية على حدة ؛  فهو يركز على الجوانب المشتركة ( إرث الدولة المـخـزنيـة ، بـناء الدولة الـوطــنـيــة …) أكــثــر ما يـركز على التمايزات فيما بين الدول المغاربية(4) . ورغم كل ذلك، فقد اضطر الهرماسي إلى التسليم  بوجود عدة تباينات تهم بالأساس بعض الجوانب التاريخية الحديثة  المميزة لكل دولة مـن دول الـمـغرب العـربي  :

 فالمـغـرب  الأقـصى  يـتـميـز  بالجـمـع بين  نـمـطيـن مـن الشـرعيـة الضـمنــيـة و الشرعية  التعاقدية .

و الجزائر تتميز بالإرث التركي و التركة السياسية للأمير عبد القادر، و الدولة التونسية تعتبر من أكثر الدول المغاربية مركزية و اندماجا نـظـرا  لـضعـف بنيـاتها القـبلية و قـياداتها الوسطية، و الدولة الليبية تتميز بعدم اندماجها الداخلي و نشأتها الحديثة . (1)

 و للتمكن من تحديد خصوصية كل دولة من دول منطقة المغرب العربي ، فمن الضروري تجاوز التعميمات الايديولوجية أو الجيوستراتيجية أو السياسية . فإدماج المغرب ضمن تسميات عامة ، إذا كان يخدم رؤي جـيـوسـتراتيجية ( كإدماجه في منطقة افريقيا الشمالية ) ؛ أو رؤى دينية ( كإدماجه في منطقة الغرب الاسلامي) أو رؤى سياسية ( كإدمـاجـه فـي مـنـطـقة المغرب العربي )؛ فإنه مع ذلك لا يخدم الرؤية العلمية البحتة .  فرغم ما يميز هذه المنطقة ،من تشابه في بعض مكوناتها الحضارية و الثقافية و البشرية ، فإنها تتضمن اختلافات هامة خصوصا على المستوى الاقتصادي و السياسي . وهـكـذا أشار كوستاف مرسيي بهذا الصدد إلى أن وجـود وحـدة طـبـيـعـية و بـشـريـة لا يـنـفـي وجود اختلاف في البنيات السياسية و الاقتصادية في كل بلد من بلدان المغرب العربي . فالـمرور من بلد إلى آخر يعني الانتقال من بلد أجنبي إلى بلد أجنبي آخر(2).

و هكذا يمكن أن نرجع خصوصية الدولة بالمغرب إلـى عـوامل مختلفة ترجع إلى المناخ الحضاري الذي كانت تـتـحرك بفعله و إلى الميكانيزمات التي كانت وراء تشكلها . (3)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق