الدولة ونمط الانتاج الرأسمالي(محمد شقير)
الدولة ونمط الانتاج الرأسمالي
اهتمت أطروحة عبد العالي دومو حول (الدولة و الرأسمالية بالمغرب) بالمنطلقات التالية :
– ضرورة الاهتمام بالدولة في المجتمعات التابعة نظرا لأنها هي التي تنظم و تراقب الحياة الاجتماعية في هذه البلدان .
– انـتـقاد مخـتلف النظريات الاقتصادوية التي أهملت خصوصية الدول التابعة و التي تتجلى
في عدم قيام البنى الاقتصادية بنفس الدور الذي تقوم به في البلدان المصنعة .
– الخصوصية التاريخية لنشأة و تطور الدولة في المجتمعات التابعة .
– تحليل الأنماط الرأسمالية التابعة من خلال تحليل الأنظمة السياسية لهذه المجتمعات . (1)
وانطلاقا من هذا المعطى الأخير ، يـرى الـبـاحث أن تحليلا شموليا للدولة المغربية ينبغي أن يقوم على رصد تطور شكلها و طبـيـعـتـها لـتـفـسـير نمط الإنتاج الرأسمالي الذي عرفه المغرب(1) . ليخلص الباحث إلى مسلمة مفادها أن ” عـدم الـتـطـابـق بـين جوهر و شكل الدولة المغربية هو الذي يفسر تطور نمط خاص للرأسمالية في المغرب . و يـنعكس عـدم التـطـابـق هـذا فـي عدم وجود أرضية مادية صلبة لشرعنة الدولة . وهذه الوضعية هي السبب في هيمنة الميكانيزمات السياسية -الايديولوجية في عملية إعادة الانتاج الاجتماعي . ” (2)
فـالـرجـوع إلى تـاريـخ الـدولـة الـمـغربية السابق عن المرحلة الرأسمالية يسلط الضوء على الصراع الطويل و الممتد الذي دار بين الدولة و فضائها الاجتماعي . (3)
انطلاقا من هذه المسلمات الابستمولوجية، ركز الباحث أطروحته على الجوانب التالية :
أولا – العمق التاريخي للدولة في المغرب
ثانيا – عدم التطابق بين شكل وجوهر الدولة المغربية
أولا – العمق التاريخي للدولة في المغرب
ينطلق الـباحـث مـن قـنـاعـة رئـيـسـية تستند إلى أن الدولة في المغرب تتمتع بكثافة تاريخية، لايمكن بأي حال من الأحـوال تـحديـدها أو ربـطـها بـتـاريـخ ظـهـور الرأسمالية في المغرب (4). ولتأكيد هذه القناعة يعتمد الباحث على أطروحات بـعـض المـؤرخـين المـغـاربة الذين اهـتـموا ،ورغم تمايز الفترات التاريخية التي تناولوها، بالتأكيد على وجود مؤسسة قديمة للدولة سبقت العهد الاستعماري . (5)
ثم يعمد الباحث إلى تصنيف أطروحات هؤلاء المؤرخين إلى ثلاث أطروحات :
أ – الأطروحة الاستعمارية، و التي أكدت على الطابع التسلطي للمخزن و طفيليته مقابل وجود بلاد للمخزن وبلاد للسيبة.
ب – الأطروحة الخلدونية الجديدة و التي تربط تطور الدولة بصراع العصبيات القبلية .
ج – الاطـروحة الـوطنـيـة و الـتي تـرجـع ظـهور الدولة إلى ظهور الأدارسة . فمنذ هذا التاريخ قامت
الـدولـة المغربية على أساس وحدة السلطة المخزنية من جهة و انسجام عناصر المجتمع المغربي
من جهة أخرى . (1)
وقد خلص الباحث، بعد عرض هذه الأطرحات، إلى أن تطور الدولة بالمغرب يرتبط بالأساس بطبيعة الوظائف التي قامت بها الدولة المغربية عبر تاريخها. كما ينبغي أيضا، لرصد هذا التطور، تحليل العلاقات التي كانت بين الدولة المركزية و أشكال السلطات الجهوية التي كانت متواجدة مثل القبائل و الزوايا .
فمثل هذا التحليل هو الذي يـحدد فترات القطيعة و المنعطفات الحاسمة في تطور الدولة بالمغرب و كذا الخصائص الرئيسية التي طبعت هذه الدولة . (2)
من هنا يخلص الباحث إلى أن العمق التاريخي للدولة المغربية هو نتيجة لعهود ثلاثة :
– مرحلة ماقبل الاستعمار
– المرحلة الاستعمارية
– مرحلة مابعد الاستعمار . (3)
وبعد تحديد كل هذه المعطيات الابستمولوجية، يقترح الباحث التمييز بين مستويين في تحليل الدولة المغربية :
– مستوى أول يرتبط بتحليل علاقة الدولة بالرأسمال العالمي .
– مستوى ثان يقوم على دراسة الخصائص التي تميز الدولة في مرحلة تاريخية معينة .
فتحليل هذين المستويين يؤدي بالضرورة إلى طرح التساؤل عن مدى تطابق شكل وجوهر الدولة بالمغرب . (4)
ثانيا : عدم التطابق بين شكل وجوهر الدولة
قبل التعرض إلى تحليل جوانب التناقض بين شكل وجوهر الدولة المغربية، يتعرض الباحث إلى النقاش الذي ثار حول طبيعة منطق الدولة بالمغرب، بـمـعـنى آخر هل هناك رأسمالية الدولة أو دولة للرأسمال ؟ ليخلص إلى انتقاد أطروحة الحبيب المالكي حول رأسمالية الدولة و أطروحة عبد القادر برادة حول دولة الرأسمال.
أ – رأسمالية الدولة
يرى الباحث أن أطروحة الحبيب المالكي حول رأسمالية الدولة بالمغرب تقوم بالأساس على ركيزتين رئيستين :
– هيمنة جهاز الدولة
– عدم وجود طبقة برجوازية مغربية بالمفهوم الماركسي
وقد انتقد الباحث هذه الأطروحة مستندا إلى أن المالكي لم يهتم إلا بشكل الدولة (le phenoménale Etatique) و أغفل جوهرها . (1)
ب – دولة الرأسمال
يـرى الـبـاحـث أن أطــروحــة دولـة الــرأســمـال الـتـي أكـد عـلـيـها عـبـد القادر برادة تـسـتـنـد بـدورهـا إلى ركيزتـيـن رئـيـسـيـتـين :
– اعتبار الدولة بنية فوقية
– اعتبار الدولة المغربية دولة تابعة
فحسب برادة ، فإن الدولة بالمغرب هي جهاز للطبقات المهيمنة التي تتحكم فيها انطلاقا من مكانتها داخل عملية الاستغلال الرأسمالي العالمي . ودور الدولة المغربية ينحصر فقط في إعادة إنتاج الرأسمال العالمي . (2)
من هنا، يخلص الباحث إلى أن منطق هذا التحليل يقوم على منظور الرأسمالية المركزية ، و يؤدي أيضا إلى قصور منهجي في تحليله للدولة المغربية يتجلى في :
– الاقتصار على مستوى واحد للدولة يتجسد في تحليل طبيعتها الرأسمالية .
– إغفال الوظائف الأخرى للدولة المغربية و التي لاتنحصر فقط في إعادة إنتاج الرأسمال العالمي. (3)
و مـن خـلال انـتـقــاد هاتـيـن الأطـروحـتـين، يـحـدد الباحث تصورا جديدا في تحليله للدولة المغربية ينطلق من أن خصوصية الدولة بالـمـغـرب تـتـمـثـل فـي أن شـكـل الـدولـة هـو الـذي يـقـوم بـدور هام فـي إعادة الإنـتـاج الاجتماعي (la reproduction sociale) على المستوى الداخلي ؛ و من ثمة في إعادة إنتاج الرأسمال العالمي (1)
وانطلاقا من ذلك يحدد الباحث المعالم الابستمولوجية لهذا التصور في ركيزتين رئيسيتين :
_ أولهما إضفاء ديالكتية خاصة على شكل وجوهر الدولة
_ ثانيهما التمييز الأساسي بين الدولة و النظام السياسي
ولـقـد اعـتـمـد الباحـث فـي تـحـديد الركـيزة الأولى عـلـى مجـموعـة مـن الـمقولات استقاها من مدرسة الاشتقاق (école de dérivation) و كتابات نيكوس بولنتزاس و كتابات هنري لوفيفر حول الدولة. (2) أما بالنسبة للركيزة الثانية ، فيبرز الباحث أهميتها في إضفاء استقلالية نسبية على النظام السياسي . (3)
و استنادا إلى هذا التمييز بين شكل و جوهر الدولة بالمغرب خلص الباحث إلى استنتاجين رئيسين :
– التناقض بين شكل الدولة (أي النظام السياسي) و طبيعتها الرأسمالية
فالنظام السياسي المغربي حافظ على استمراريته التاريخية حتى بعد التدخل الاستعماري ، الذي سمح هو أيضا بهذه الاستمرارية سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي؛ في حين أن ارتباط الدولة بالرأسمال العالمي أدى إلى عدم التطابق بين منطق النظام السياسي الذي يبحث دائما على الشرعنة السياسية و منطق الدولة الذي يقوم بالأساس على تكريس تراكم الرأسمال . (4)
– البحث عن التوافق بين الشرعنة وتراكم الرأسمال
” فتحليل خصوصية رأسمالية الدولة المغربية على مستوى دور السياسة الاقتصادية في إعادة الانـتاج الاجـتماعي و وظـيفـة الـقـطـاع الـعـام في الشرعنة، تبين أن التدخل العام تحركه محاولة إحداث التوافق بين الشرعنة وتراكم الرأسـمال، ولـعـل اسـتمـراريـة الـطابع الـتـقـلـيـدي هـو الـذي يـشكل عائـقا لانـتـشار علاقات الانتاج الرأسمالي في المغرب ، كما أن خصوصية وظيفة التراكم هي التي تترجم الطابع المحدود و الانـتـقـائي لنمط تنمية الرأسمالية بالمغرب . “(1)
وعموما ، فهذه الاطروحة قد ساهمت كثيرا في إغناء النقاش الذي كا دائرا داخل الأوساط الاقـتـصاديـة الـمـغربـية حـول طبـيـعـة الـدولة بالـمغـرب؛ حيث تجلت هذه المساهمة بالأساس في النقطتين التاليتين :
– التأكيد على خصوصية الدولة بالمغرب و دورها في تحديد النمط السائد
– إبراز عدم التطابق بين طـبـيـعـة الـدولـة المغربية و شكلها و تأثير النظام السياسي في السيرورة الاقتصادية الداخلية .
غير أن هذه الاطروحة تثير، مع ذلك، بعض الملاحظات تتمثل فيما يلي :
– إن الكثافة التاريخية التي ميزت الدولة بالمغرب، لم يتم تحليلها من طرف الباحث بشكل معمق؛ بحيث تم الاكتفاء فقط بدراسة الدولة السلطانية في حين تم إغفال الأشكال التي سبقت هذه المرحلة . بالاضافة إلى ذلك فاللجوء إلى التاريخ كأداة و منهجية للتحليل تم من خلال البحث في الطروحات التاريخية أكثر من البحث في الأحـداث السـياســية . كـما أنـه إلـى جانب ذلـك اتـخـذ الـباحث من الاستعمار مؤشرا تاريخيا تم من خلاله تحديد كل مراحل تـطـور الدولة. في حين أن الاستعمار لم يكن المنعطف التاريخي الوحيد في تاريخ الدولة بالمغرب ؛ فالبلاد عرفت مـنعطفات تاريخية أخرى كان من المفروض أن تتم دراستها ورصد تطور الدولة من خلالها. ثم ألا يعتبر أن هناك تناقضا صارخا بين الادعاء بأن نشأة الدولة المغربية لم ترتبط بظهور الرأسمالية و تحديد الاستعمار كمؤشر لتصنيف المراحل التاريخية التي مرت من خلالها الدولة بالمغرب ؟؟
– إن تـحـلـيل الـباحث لـلـدولـة الـمـغربية انطلاقا من مستوى طبيعتها و شكلها يجعل المرء يتساءل عـن المـعـايـيـر الـتي تـم مـن خـلالـهـا تـحـديد هذه الثنائية (دولة/نظام سياسي) وماهي الأصول التاريخية لهذه الثنائية ؛ أي هـل كانـت الـدولة المغربـية مـنـذ نـشـأتـها تـقـوم عـلى هذه الـثنائيـة أم أن الأمر يقـتصر فقط على المرحلة الاستعمارية /الرأسمالية ؟.
– إن الباحث ركز فقط على أن النظام السياسي هو الذي يؤثر في طبيعة الدولة، مما يؤدي إلى عدم التطابق بين شكل و طبيعة الدولة؛ لكن ألا يمكن أن يكون هناك تأثير متبادل فتؤثر الطبيعة في الشكل أيضا. ولعل سياسية التقويم التي خضعت لها الدولة المغربية منذ الثمانينات تعطي مثالا على ذلك .
– إن الباحث لم ينتبه إلى أن الاصلاحات الاقتصادية و القانونية التي فرضت على المغرب من طرف الدول الأوربية كانت لها انعكاسات كبـيـرة عـلـى النـظـام الـسـيـاسي بالـمغرب بدليل الإصلاحات السياسية التي تم إدخالها على الـهـيـكـلـة المخزنية منذ عهد الحسن الأول. فالنظام السياسي في المغرب، و على غرار أنظمة ثالثية، رغم تمتعه باستقلالية نسبية و بتحكمه في المجتمع المدني ، يبقى مع ذلك نظاما منفتحا للضغوط الأجنبية بشكل كبير.