الصوم والأنانية والدولة والحرية(مبارك الموسوي)
في رمضان توزع أرزاق الصفاء كرامة من الله، واعظمها ان يدرك الصائم حجم قذارة “الانانية”، التي هي أهم مصادر آلام الإنسانية، خاصة زمن هذه الهيمنة الرأسمالية بكل عفوناتها الاخلاقية.ليست الأنانية اليوم ظاهرة نفسية فردية بل مع هذه القيم الرأسمالية نظاما حاكما جاثما على العالم والناس والإنسانية خاصة مع تحالفه المصيري مع الصهيونية القابضة على أنفاس الخلق.لذلك يحتل الصوم في نظام شعب الإيمان واسطة العقد من خلال احتلاله قلب خصلة التؤدة من حيث هي صمام امان ومضمون طريق الحرية الفردية والجماعة للأمة والإنسانية.لو كان الصوم مجرد شعبة فردية لما احتل المكانة العظمي حيث نسبه الله تعالى له جل جلاله.الصوم أرضية شاملة لتحرير وتحرر الإنسانية من هذه الأنانية الاستكبار ية المنظمة في نظام عالمي مفروض عليها فرضا.لذلك عرف قدره اهل الله فكان غذاءهم وقوتهم وعظيم زادهم.زمن الانكسار غلبت علينا المعاني الفردية في العبادة والعبودية، لكن سطوة الانانية اليوم عبر نظام عالمي اناني بنعومة أنانية ماكرة يفرض علينا نقل المعاني الفردية الي أصلها الجماعي الذي ينبع من قلب فرد صفى حتى فنى في خدمة الغير، وهو كل الإنسانية، من أجل الحرية.هذه الحرية هي التي اصفها بالتاريخية، وهي ثمرة تكامل السلوك على نظام الخصال العشر لتتأهل الأمة للقيام برسالتها تجاه الخلق، كل الخلق، فيتحرر الكون من فساد ورجس هذه الانانية الاستكبار ية الطاغية اليوم.من يدرك هذا يفهم ان قواعد الاشتباك اليومي مع أصول ومظاهر هذه الانانية في الواقع ليست عمليات سطحية وتنشيطا فكريا او حركات على مسرح الأحداث او “كليشيهات” وراء الكامرات، إنها قلب جوهري لكل معادلات التدافع ابتدا من الذات وانتهاء بالكون مرورا بكل حقول الحياة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وماليا وقبله ومعه نفسيا واخلافيا وفكريا. والخطر العظيم امام هذه الحركة الجذربة مهما كانت سامية القيم والأخلاق هو فخ الدولة الحديثة من حيث هي أخطبوط معقد البنية وطاغي السطوة.يتبث التاريخ الحديث ان جميع الحركات التي حملت لواء هذه الحركة التاريخية اما اكلتها الدولة قبل الحضور في هياكلها أو اكلتها بعد هذا الحضور. واسأل عن جميع الثورات والحركات خلال هذا التاريخ.فحينما نجعل الصيام بتلك المكانة العظمي عند الله تعالى فاولا لما يكرم به المولى الصائم عند لقاء ربه فيفرح بالصيام، وثانيا لانه كان بذلك عاملا من عوامل تحرير تلك الحركة من أن يبطل مفعولها الرسالي عند تصديها لقضايا الحرية. اي من أن تتيه في متاهات تنظيمات وأنظمة الدولة التي صارت باستكبارها وانانينها مصدر التسلط والظلم بكل أنواعه.فبنقل الصيام من القيمة الفردية الي القيمة الجماعية قياما لله واحتسابا في سبيل الله نقف على الموقف النبوي للفعل في التاريخ دون أن يضمحل معنى مكارم الأخلاق الى مجرد منظومة أخلاقية مغلقة لا تفيد الا من حيث هي مسكن نفسي وفكري في مرحلة من الآلام الحادة الجماعية والفردبة في جسم الإنسانية.المنظومات الاخلاقية المغلقة مهما كانت تعبيراتها السياسية ليست الا متنفسا في لحظة الضيق الشديد، لذلك تفتح “معرفة المنهاج النبوي” افقا تحرريا فرديا وجماعيا إنسانيا لا يجليه الا الصوم من حيث هو سياحة عميقة في الوجود لارتباطه بقيمة الصفاء الذي تنتفي معه الانانية داخليا باعتباره تقويضا للنفس وخارجيا باعتباره حركة مقوضة للاستكبار وانظمته في النفس والفكر والحركة والدولة.ومما ينغي الانتباه اليه هنا انه كلما اقتربت الحركات التي تحمل مطالب الحرية من الحكم، اي من الدولة، وهي لا تتعدى منظومات أخلاقية مغلقة لن تلبت ان تصير جزء من ماهية الدولة بمعناها السائد فتنتهي تاريخيا مهما كان عجاج يومياتها في اللحظة.الصوم بما هو سياحة عميقة ومنظمة في النفس والآفاق حماية عظمى ربانية، لانه نقل للقصد والفعل من مستوى الأخلاق إلى مستوى مكارم الأخلاق التي جاء سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله لاتمامها؛ اي لبيان كمالها وتبليغه كاملا لكل الخلق.