العلماء في أدبيات حركة التوحيد والإصلاح:(عبد الرحمن منظور الشعيري)
تدرج أدبيات حركة التوحيد والإصلاح العلماء ضمن مكونات الجبهة الدينية التي تتكون حسب وثيقة الرؤية السياسية للحركة الصادرة سنة 2002 من “كل العاملين في ساحة العمل الإسلامي من جمعيات وجماعات إسلامية ومتدينين وعلماء ومؤسسات دينية رسمية أو شعبية بالإضافة إلى مختلف مظاهر التدين في المؤسسات والقوانين والعادات والتقاليد الاجتماعية”.[1]
وتحدد حركة التوحيد والإصلاح صلتها بالعلماء انطلاقا مما يجمعها بباقي مكونات الجبهة الدينية المغربية من علاقات مرجعية مؤسسة على مبدأي الولاء، والنصرة، حرصا على لم” شتات هذه الجبهة وتضامن مكوناتها ومحاولة تنسيق جهودها وطاقاتها في دعم مظاهر التدين في المجتمع ومواجهة مظاهر الانحلال والعلمنة”[2].
ومن ثم يستحضر الخطاب السياسي للتوحيد والإصلاح العلماء باعتبارهم نخبة دينية أساسية في صون المرجعية الدينية للمجتمع والدولة بالمغرب، ولذلك نجد في أدبيات الحركة على غرار معظم الجماعات الإسلامية تأكيدا لضرورة “تفعيل دور العلماء وتعزيز مكانتهم الدينية والعلمية في الحقلين الديني والسياسي، على اعتبار أن الحركة على حد تعبير مولاي عمر بن حماد نائب رئيسها السابق “… تعبر في رؤيتها بأنها عمل إسلامي تجديدي لإقامة الدين وإصلاح المجتمع” وهذا يعني أنها لا يمكن أن تفعل شيئا في تنزيل هذه الرؤية” من غير اهتمام بالمسألة العلمية، فلا سبيل للتجديد إلا بإعادة الاعتبار للعلم والعلماء.[3]
وانسجاما مع مطلبها التاريخي الدائم بتعزيز مكانة العلماء في المجتمع والدولة وضعت حركة التوحيد والإصلاح ضمن أهدافها الاستراتيجية في مجالات التربية والدعوة والتكوين، “تكوين علماء مجتهدين “واعتبرته بلسان نائب رئيسها السابق مولاي عمر بن حماد بمثابة ورش “ما يزال مفتوحا” … ومن الهياكل المعتمدة في الحركة “اللجنة العلمية” التي من مهامها الاستجابة بمختلف الإشكالات العلمية التي يستدعيها انخراط الحركة في قضايا المجتمع.[4]
كما يتبلور حضور العلماء في أدبيات حركة التوحيد والإصلاح بالإضافة إلى طرحه فكريا وتنظيريا كما سنبين في هذه الفقرة، في اهتمام تنظيمي وتكويني يسعى “لصناعة علماء مجتهدين” عبر الاهتمام بالطلبة الباحثين في العلوم الشرعية وتوجيههم بشكل منهجي ومنظم من قبل علماء الحركة ورموزها الفقهية المنتظمين في “اللجنة العلمية” بقيادة كل من أحمد الريسوني ومولاي عمر بن حماد ومحمد بولوز وآخرين …. إذ تحتاج النهضة الحضارية المنشودة في الفكر الإصلاحي[5] بحسب عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح امحمد الطلابي إلى: “علماء القرآن” الذين يمثلون صفوة مثقفة إسلامية تمتلك العلم الإسلامي في أبوابه الثلاثة الكبرى:
- العلم الشرعي بتشعباته؛
- العلم الإنساني بتشعباته؛
- العلم المادي بتشعباته.[6]
كما يحوزون كذلك صفة علماء الإسلام الطليعيين، علماء القرآن بالتزامهم أمام الله وأمام أمتهم على تنزيل ما أسماه الطلابي: “المشروع الثقافي للنهوض الحضاري الإسلامي الثاني” على الواقع الحي، مهما تطلب الأمر من صبر وتضحية في سبيل الله.[7]
كما حدّد الطلابي القادم من التنظيم اليساري السابق “منظمة العمل الديمقراطي الشعبي” إلى قيادة “التوحيد والإصلاح”، خمس سمات لعلماء القرآن: فهم “علماء بفقه النص الشرعي أولا، علماء بفقه الواقع ثانيا، ذوو عزم فولاذي في رد ما أضحى طالحا، وإن لم أقل فاسدا اليوم، من المدونات الفقهية القديمة. ثالثا، علماء ذوو عزم فولاذي في أخذ ما هو صالح لمشروعنا الحضاري من المنتج الحضاري الغربي، وبالخصوص التأصيل للمشروع الديمقراطي كآلية للحكم ببلاد المسلمين، والميزة الخامسة والأخيرة لعلماء القرآن اليوم أن يكونوا على إدراك تام أن ينتجوا فقها عمرانيا لأمة مغلوبة حضاريا اليوم”.[8]
أما على المستوى السياسي فتعترف أدبيات التوحيد والإصلاح بالأدوار الكبيرة للعلماء المغاربة في دعم المشروعية الدينية للنظام الملكي، فقد اعتبر أحمد الريسوني بصفته القيادية في الحركة في حوار له مع أسبوعية الأيام سنة 2004 – بعد عام ونصف من استقالته من رئاسة الحركة على إثر تصريح صحفي حول إمارة المؤمنين لجريدة Aujourd’hui Le Maroc يوم 12 ماي سنة 2003- على “أن علماء المغرب كانوا دائما سندا قويا للنظام المغربي، وكانوا مصدر الاستقرار والدعم، يوم كان الحسن الثاني يتصارع مع اليسار في الستينيات، وفي كل يوم كان الناس يتساءلون: هل وقع انقلاب أم لا؟ هل وقعت الثورة أم لا؟ كان العلماء أمثال عبد الله كنون وعلال الفاسي والمكي الناصري وغيرهم هم السند للنظام ولإستقرار والأمن”.[9]
إبراز دور علماء الدين المغاربة في دعم الاستقرار السياسي بحسب الريسوني في مرحلة المواجهة المباشرة بين القصر والقوى اليسارية في ستينيات القرن الماضي، يقتضي دعم استمرارية فعلهم الدعوي والسياسي بالمجتمع، ومن هذا المنطلق يعيب الفقيه المقاصدي في الكثير من خرجاته الإعلامية ومكتوباته العلمية ومقالاته الصحفية على العلماء طول غيابهم عن الساحة الفكرية والسياسية وضعف فعاليتهم وتأثيرهم المجتمعي والسياسي، ونقتطف من إحدى مقالاته المثيرة المعنونة بـ “البحث عن متغيبين: أينكم يا علماء المغرب؟ هذا الانتقاد الشديد لغياب العلماء عن الفضاء العام: “مرت بمغربنا وبأمتنا أحداث ومناسبات وتطورات، وعرف مجتمعنا نقاشات حامية ومعارك مصيرية، تتعلق بدينه وبوحدته وباستقراره ومستقبلية …، وكان الناس يتساءلون مرة بعد أخرى: أين علماء المغرب؟ ما كلمتهم؟ ما موقفهم؟ … يا علماءنا الأجلاء: إن هناك من يغيظهم وجودكم وأداؤكم لرسالتكم، ويعملون ليل نهار لتغييبكم وإلغائكم، فلا تساعدوهم بذلك ولا تساعدوهم عليه”.[10]
تتبع منهجية انتقاد غياب فعالية العلماء في الحقلين الديني والسياسي في أدبيات حركة التوحيد والإصلاح، وفي خطاب قادتها ومقالاتهم المنشورة في جريدة الحركة السابقة “التجديد” دعوتهم (أي العلماء) إلى القيام بأدوارهم الدينية والعلمية في المساجد والوعظ والاهتمام بقضايا الشأن العام الوطني والعربي والإسلامي أي “قضايا الأمة” بلغة الحركات الإسلامية المعاصرة، فبعد شهرين من تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم، كتب محمد بولوز القيادي والعالم الحركي في تنظيم التوحيد والإصلاح عن ذلك “… وينبغي للعلماء أن يعودوا بقوة كذلك إلى عرينهم الأصلي في المساجد لإحيائها بالعلم النافع والموعظة البليغة المؤثرة، إذ ما يؤسف له حقا أن كثيرا من العلماء والوعاظ يسجلون أسماءهم في عدد من المساجد ولا يحضرون إليها إلا لماما، مما يضيع على الناس التفقه في الدين، وكذا إيلاء خطبة الجمعة ما يستحق من العناية في الشكل والمضمون ومعانقة هموم جماهير المسلمين وقضايا الأمة”[11] وبحسب كاتب المقال دائما فمكانة العلماء ترقىفي المجتمع بقدر ما يزداد انتشار الالتزام الديني بين أفراده”فكلما اتسعت دائرة المؤمنين المستقيمين على الدين إلا وترسخت مكانة العلماء وكبر شأنهم في أعين الناس، وكلما ساد الفساد وكثر الفساق إلا ونال العلماء نصيبهم من التهميش والازدراء تماما كحال مصحف في بيت زنديق”.[12]
وتبقى هذه القناعة التي عبر عنها محمد بولوز مشتركة وسائدة لدى جميع الفاعلين الدينيين سواء التقليديين كالعلماء وشيوخ الزوايا أو المعاصرين مثل قيادات الجماعات الإسلامية، إذ أن المتدينين داخل المجتمع بحكم إيمانهم بمركزية توجيه العلماء لشؤونهم الفقهية والشرعية، يعتبرون أقرب الناس إلى قبول وإدراك الخطاب الديني الصادر عن علماء الشريعة.
ولهيمنة المرجعية الدينية في خطاب حركة التوحيد والإصلاح، فإنها تستثمر كلما سنحت الفرصة السياسية للمطالبة بتفعيل دور العلماء في الفضاء العام، ففي سياق تقييم أحداث مخيم إكديم إزيك بالصحراء سنة 2010 أصدر المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح بلاغا يدعو إلى تبني إشراك نخبة العلماء بما لهم من ثقل ديني في عملية إقناع وتأطير المواطنين بقيم الوحدة الوطنية والإسهام من مقاربة شرعية في محاصرة نزوعات الإنفصال، فجاء في نص البلاغ “… ينادي (أي المكتب التنفيذي للحركة) جميع العلماء والمفكرين وقادة الرأي إلى الانخراط في عمل منهجي ومقاربة مندمجة في تأطير الناشئة والشباب على المساواة في المواطنة الحقة، والتربية على قيم وحدة الأمة ومواجهات مخططات التجزئة والتصدي للهوى الإنفصالي”.[13]
كما ثمنت حركة التوحيد والإصلاح في نفس السياق مشروع الدولة في تجديد هيكلة الحقل الديني في بلاغ لها يوم 01 يوليوز سنة 2005 لتبنيه مبادرات وآليات، اعتبرتها الحركة ستسهم في تفعيل دور العالم المغربي في المجتمع، فقد ورد في نفس البلاغ عن دعم المكتب التنفيذي للتوحيد والإصلاح “للخطوات المتخذة في مجال إصلاح الشأن الديني ومن ضمنه تفعيل دور المجلس العلمي الأعلى في مجال النوازل وتفعيل الاجتهاد اعتمادا على أصول المذهب المالكي، ودور المجالس العلمية في حركة الإصلاح الشامل وتفعيل دور العلماء والعالمات في الإصغاء عن قرب للمواطنين ومشاغلهم الدينية ولاسيما الشباب منهم”.[14]
وانسجاما مع توجهها العام المنخرط في المشاركة السياسية ضمن المؤسسات الدستورية والسياسية الرسمية[15] بخلاف السلوك السياسي المقاطع لدستور يوليوز سنة 2011 المنتهج من قبل جماعة العدل والإحسان والحركة من أجل الأمة، قدمت حركة التوحيد والإصلاح مذكرة دستورية اقتراحية للجنة الملكية الاستشارية المكلفة بإعداد الدستور التي عرفت إعلاميا إبان الحراك السياسي لحركة 20 فبراير “بلجنة المانوني”. وقد انصبت معظم توجهات ومقترحات هذه المذكرة على تدعيم المرجعية الإسلامية للدولة والمجتمع، كما تضمنت في موضوع تفعيل وتقوية حضور نخبة العلماء في مؤسسات الدولة ثلاثة اقتراحات وهي:
- دسترة مؤسسة المجلس العلمي الأعلى[16] والحرص على استقلاليته العلمية.
- تعديل الفصل 21 من الدستور باستبدال عضوية رئيس المجلس العلمي الإقليمي لمدينتي الرباط وسلا بمجلس الوصاية برئيس المجلس العلمي الأعلى.[17]
- التصريح بشمولية رقابة المجلس الدستوري على القوانين للنظر في عدم تعارضها مع الأحكام القطعية للإسلام، مع توسيع عدد أعضاء المجلس ليضم ممثلين عن المجلس العلمي الأعلى.[18]
وباستقراء عام للخطاب الديني والسياسي الصادر عن حركة التوحيد والإصلاح وبالأخص منه المصرف إعلاميا في جريدة التجديد، نلحظ ارتكازه بشكل كبير في اهتماماته ومطالبه على دعم العلماء المغاربة بمختلف توجهاتهم الفكرية والفقهية، وكذا توفيره التغطية الإعلامية المستمرة لأنشطة المجالس العلمية الرسمية؛ مما يجعل المتتبع للشأن الديني المغربي يقر بالالتقاء الموضوعي في الرهانات الثقافية والرمزية بين إسلاميي التوحيد والإصلاح والنخبة الرسمية للعلماء في مواجهة الأطروحات الفكرية والسياسية لبعض قوى ورموز التيار الحداثي المتبني والمدافع بشكل مطلق عن الحريات الفردية والتعبيرات الاجتماعية والثقافية الممتحة فلسفيا وسلوكيا من مرجعية المواثيق الدولية، وممارستها في التجربة الغربية.
كما نلحظ أن الخطاب الديني لحركة التوحيد والإصلاح يقارب موضوع العلماء بتمايز إيديولوجي جلي عن المقاربة النظرية لجماعة العدل والإحسان المتناولة باستغراق لمركزية “علماء الأمة” في نظرية الدولة الإسلامية القطرية والخلافة الثانية الراشدة، إذ يطغى على الإنتاج الفكري لحركة التوحيد والإصلاح سؤال “الراهن” في تدبير ملف العلماء من خلال تأكيده على ضرورة تفعيل مؤسساتهم التمثيلية في تحصين الحقل الديني المغربي وتطويره تحت سقف ورعاية مؤسسة إمارة المؤمنين.
[1] – حركة التوحيد والإصلاح، الرؤية السياسية طوب بريس. الطبعة الأولى 2002، الرباط ص 50 .
[2] – نفس المرجع .
[3] – حوار مع مولاي عمر بن حماد نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح في الموقع الإلكتروني الرسمي لحركة التوحيد والإصلاح www.alislah.ma بتاريخ13 يوليوز 2010.
[4] – نفس المرجع.
[5] – نقصد به في هذا السياق فكر وأدبيات حركة التوحيد والإصلاح.
[6] – امحمد الطلابي، بعلماء القرآن يتجدد فقه السلطان، مجلة الفرقان العدد: 52 سنة 2005 .
[7] – نفس المرجع .
[8] – نفس المرجع.
[9] – حوار مع أحمد الريسوني، جريدة الأيام عدد: 143، 15 – 22 يوليوز 2004.
[10] – أحمد الريسوني، البحث عن متغيبين: أينكم يا علماء المغرب؟ مقال نشر بجريدة التجديد يوم 19 ماي 205 مذكور في كتاب، ما قل ودل ومضات ونبضات للدكتور أحمد الريسوني، إعداد وتقديم الحسن السرات. طوب بريس، شتنبر 2006 الرباط ص ص 137 – 139.
[11] – محمد بولوز، رابطة علماء المغرب والدور المطلوب، مقال منشور بجريدة التجديد عدد: 36. ليوم 29 شتنبر 1999
[12] – نفس المرجع.
[13] – بلاغ المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح الصادر عن اجتماعه العادي يوم السبت 11 دجنبر سنة 2010 انظر، بيانات وبلاغات الحركة في موقعها الإلكتروني الرسمي www.alislah.ma.
[14] – انظر نص البلاغ كاملا في الكتاب الجماعي، عشر سنوات من التوحيد والإصلاح، تنسيق محمد يتيم، طوب بريس الرباط الطبعة الأولى 2006 ص ص 153.
[15] – حول تأصيل حركة التوحيد والإصلاح لمشاركتها السياسية وتطور فعلها السياسي في إطار حزب العدالة والتنمية، انظر حميد بحاك، الإسلاميون المغاربة بين الدعوة والدولة. حركة التوحيد والإصلاح نموذجا، منشورات دفاتر سياسية، مطبعة النجلح الجديدة الدار البيضاء 2009.
[16] – وقد تمت الاستجابة لهذا المطلب الذي اقترحته حركة التوحيد والإصلاح والهيئات المقربة منها كحزب العدالة والتنمية ومنظمة التجديد الطلابي من خلال دسترة ترأس الملك بصفته أميرا للمؤمنين للمجلس العلمي الأعلى في الفصل 41 من دستور يوليوز 2011.
[17] – ورد ذلك في نص وثيقة حركة التوحيد والإصلاح حول التعديل الدستوري المعنونة بـ “مذكرة بشأن الإصلاح الدستوري” المنشورة في موقعها الإلكتروني الرسمي، والواردة كذلك في ملحق وثائق مجلة الفرقان التابعة للحركة عدد: 67 لسنة 2011 الخاص حول ملف الإصلاح الدستوري بالمغرب إلى أين؟ مع العلم أن رئيس المجلس العلمي الأعلى هو الملك، ومن ثم نستشف من سياق الاقتراح أن مذكرة التوحيد والإصلاح قصدت التنصيص على عضوية الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى المعين من قبل الملك، في مجلس الوصاية عوض رئيس المجلس العلمي الإقليمي لمدينتي الرباط وسلا.
[18] – وثيقة: مذكرة بشأن الإصلاح الدستوري الصادر عن حركة التوحيد والإصلاح، نفس المرجع، ص 5.