المقالات

الغرب يواجه التمدد الصينى فى إفريقيا(نصر محمد عارف)

مباشرة بعد الأزمة المالية العالمية 2008-2009 التقيت بالدكتور «جاريت والتر جونج» Gerrit W. Gong حين كان يعمل نائبا لرئيس «جامعة بريغهام يونج» Brigham Young University، وهى جامعة تابعة للطائفة المورمونية، وقبلها عمل مساعدا لدونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكى الأسبق، وأحد صقور المحافظين الجدد، والآن هو واحد من الاثنى عشر عضوا الذين يشكلون المجلس العالمى للكنيسة المورمونية. ففى حديث طويل لى معه عن الصين وعلاقتها بالولايات المتحدة؛ أخبرنى أن الصين استغلت غزو بضائعها الرخيصة للأسواق الامريكية، ونجحت فى الاحتفاظ بثلاثة تريليونات من الدولارات فى خزائنها، وحسب قوله حينذاك؛ لا نعرف ما هى خطط الصين لاستخدام هذه النقود الموجودة خارج النظام النقدى العالمى، ولا نستطيع تتبعها، ولا تحديد مسارات انتقالها، خصوصا انها اصبحت الآن تستخدمها بطريقة غير نمطية فى دول افريقيا وامريكا الجنوبية لشراء المواد الخام لفترات زمنية طويلة. وحين سألته كيف حدث هذا؟ وأين كانت أجهزة الولايات المتحدة؟، فكان رده أن دولة خلفها ثلاثة آلاف سنة من الخبرة والحنكة والمهارة تختلف عن دولة عمرها ثلاثمائة سنة. منذ ذلك الحين وأنا اتابع المواجهة بين الصين من جانب وأمريكا وأوروبا من جانب آخر فى إفريقيا، خصوصا بعد القمم الإفريقية الصينية التى جمعت لأول مرة جميع رؤساء الدول الافريقية مع الرئيس الصينى شى جين بينج، وهى المرة الأولى فى التاريخ التى يجمع فيها زعيم دولة غير أوروبية أو أمريكية جميع رؤساء إفريقيا. حينها بدأت امريكا تحديدا فى تطوير استراتيجيات لمواجهة الصين فى إفريقيا بطرق غير تقليدية، وغير دبلوماسية تدرجت حسب السياق التالي:

أولا: السماح بتمدد حركة بوكو حرام فى شمال نيجيريا الى الدول المجاورة، والتسامح مع تسليحها، وتوفير تغطية اعلامية عالمية لنشاطاتها فى الاختطاف، والقتل والهجمات الارهابية مما أدى الى تمددها من شمال نيجيريا الى النيجر والكاميرون وغيرهما، وذلك لتبرير التدخل العسكرى الغربى فى هذه المنطقة لمواجهة الارهاب. ثم بعد ذلك تم نقل القاعدة الى منطقة الساحل، خصوصا فى مالى والنيجر وبوركينا فاسو، ثم بعدها تم نقل داعش ISIS من سوريا والعراق الى نفس المنطقة، وهذا وفر تبريرا لتأسيس قيادة عسكرية امريكية لإفريقيا للمرة الأولى «افريكوم» وهذا وفر للولايات المتحدة وحلفائها فرصة للتدخل العسكرى المباشر فى الدول الافريقية جنوب الصحراء وشمالها من ليبيا الى مالى، والنيجر، بوركينا فاسو إلى غرب إفريقيا. ثانيا: أصبحت العمليات الإرهابية المتتالية التى تقوم بها القاعدة وISIS مبررا للتدخل الامريكى بعد الانسحاب الفرنسى من مالى لزعزعة المجتمعات الإفريقية من جانب ولإرباك النشاطات الاقتصادية الصينية فى المنطقة من جانب آخر، والهدف من كل ذلك منع الصين من التمدد الاقتصادى فى إفريقيا، والمحافظة على هيمنة الدول الغربية على الموارد الطبيعية فى إفريقيا، بحيث تستمر الدول الغربية فى الاستحواذ على الموارد الطبيعية من إفريقيا بأسعار زهيدة من خلال إفساد النخب السياسية، وخلق حالات من عدم الاستقرار تمنع الصين خصوصا من الاستثمار الضخم فى هذه الدول، وقد نجحت هذه الاستراتيجية فى العديد من الحالات وفتحت الباب للعديد من الشركات الغربية فى الاستحواذ على الموارد الطبيعية من موريتانيا الى السودان. ثالثاً: ترتيب الانقلابات العسكرية للتخلص من الرؤساء الذين يتعاونون مع الصين وروسيا، وقد حدث هذا مع الرئيس الغينى الفا كوندى الذى تم الانقلاب عليه يوم 5 سبتمبر 2021 بعد توقيع عقد تصدير طويل الأمد لخام الألمونيوم مع الصين. رابعاً: الإستراتيجية الأمريكية لإنشاء قوات خاصة فى افريقيا شبيهة بقوات «فاجنر» الروسية، وهنا جاء دور محمد حمدان دقلو «حميدتى» فى السودان ضمن خطة امريكية لتكوين قوات خاصة من القبائل العربية فى غرب السودان وتشاد والنيجر ومالى وافريقيا الوسطى تستطيع أن تستولى على الحكم فى السودان، ثم تقوم بعد ذلك بالتعاون مع شركاء محليين لتغيير نظام الحكم فى افريقيا الوسطى وتشاد. فمن المعروف أن الفريق بشارة عيسى جادالله ابن عمة حميدتى عضو المجلس العسكرى الانتقالى فى تشاد والمسئول عن تجنيد شباب القبائل العربية من تشاد والنيجر. وكذلك فإن وزير خارجية تشاد محمد صالح النظيف ينحدر من فرع الماهرية من الرزيقات وهو نفس الفرع الذى جاء منه حميدتى ومستشاره يوسف عزت.

الخلاصة أن هذه الحرب التى تجرى فى السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع جزء من خطة كبيرة لا تقف عند حدود السودان، وانما تشمل كل منطقة الساحل، وافريقيا جنوب الصحراء فى المستعمرات الفرنسية خصوصا، وأن الهدف من ورائها خلق قوات عسكرية غير نظامية تستخدمها الولايات المتحدة لتغيير النظم السياسية التى تخرج عن التبعية لأمريكا، البداية ستكون بدولتى افريقيا الوسطى وتشاد. والهدف الأسمى هو تدشين موجة استعمارية جديدة هدفها الاستحواذ على الذهب، والمعادن النادرة التى تدخل فى الصناعات التكنولوجية الدقيقة التى تحتاجها الولايات المتحدة والدول الصناعية الكبرى فى أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية. وفى سبيل ذلك سيكون تفكيك الدول، وتدمير المجتمعات، واشعال الحروب مجرد أضرار جانبية قليلة الاهمية ينبغى تجاهلها فى سبيل الهدف الأسمى للمصالح الاستعمارية الجديدة. وهنا ينبغى ان يتم فهم نهاية مجموعة «فاجنر» بهذه الصورة السريالية السريعة التى لا تتسق مع منطق الأحداث، وتطورها الطبيعى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق