القانون الدولي كإرادة خاصة: تفكير في ميتافيزيقا الاستدلال والمعقولية والتركيب(يونس الخمليشي)_2_
2_ لغة القانون الدولي؛ الشكل الأخير لكونه إرادة خاصة:
إن الذهن مركبٌّ من التفكير والتعطُّف كما حاول الفصلان قبلُ التدليل عليه، وعند تشابك الوضعين الفكري والعاطفي الذي يحصل في الذهن وحده بما له من ضجيج وسوء تنظيم؛ يتم الإفصاح عنهما عبر اللغة.
يجب الانتباه إلى اللغة التي تم بها إنتاج القانون الدولي ومبادئه أول الأمر قبل ترجمته إلى لغة أخرى. يحاجج البحث على أن القانون الدولي ومبادءَه شأن خاص جعلت منه اللغة التي أنتجه ملكاً لها، فاللغة كالأرض ما أنجب فيها هو حامل لجنسها وجنسيتها، فهي وطن لتلكم الأفكار، ومهما ترجمت إلى اللغات الأخرى فستظل تابعةً لها مترجمةً لها عن الأصل الذي ولدت به والمتحكم به، فما ولد بلغة من تذهنات وأفكار هو ملك لها. وعليه، فما ولد من مبادئ وقوانين -ويهمني هنا القانون الدولي ومبادؤه- بلغة ما هو تابع لها دوماً. وسيستعين البحث هنا باللسانيات الخاصة Relative Linguistics التي تؤكد أن اللغة هي أفكار خاصة ورؤية معينة إلى العالم. وسيصير توضيح هذا سهلاً إذا علمنا أن القانون الدولي مكتوب بالفرنسية والأنجليزية ومفكَّر فيه أساساً بهما. فلغته كانت في القرون الوسطى تعد اللغة اللاتينية لغة إبرام المعاهدات…ثم اعتمدت الفرنسية في العلاقات الدبلوماسية …والآن صارت الانجليزية هي السائدة نسبياً مع خلو أي قانون يلزم الالتزام بلغة معينة. ومن ثم؛ فالتفسير والتأويل للقانون تابع لتركيب ودلالة هاتين اللغتين.
إن البحث إذن؛ ليس حول مضامين القانون الدولي أو مبادئه بل هو عن بنيته اللسانية العميقة التي تشكله ذهناً؛ تفكيراً وعاطفةً ولغةً.
تستنتج هذه الرُّقعة أن المعقولية والاستدلال وراء القانون الدولي خاصين ومحليين. وهذا يعني بصيغة أخرى تفكيك بعض المسلمات الضمنية في القانون الدولي، وخصوصاً مسلمة الكونية.
إنني أسعى هنا للتنقيب جينالوجياً عن شروط القانون الدولي التي جعلته ممكناً، ومن ثم يتم رصد إخفاقاته ونجاحاته. وسندرسه من وجهة إطارنا النظري المباين لتخصص القانون في ذاته ربما بما هو مختلف عن الدراسات العامة التي تفصله عن إطار غير محايث لتخصص القانون. ونزعم أن رصده من إطارت نظرية مختلفة سوف تقربنا من فهمه بشكل أجلى، ولاسيَّما إذا كان هذا الإطار النظري هو تحليلة داخلية لمساقات القانون وأعماقه.