اللغة والسياسة: أنماط التداخل(محمد نافع العشيري)
يمكن التمييز بين مصطلحين يحدث بينهما خلط والتباس هما مصطلح السياسية اللغوية Language policy ومصطلح التخطيط اللغوي Language planning. إذ تعرف السياسة اللغوية بأنها مجموع الإجراءات القانونية والتنظيمية التي تقوم بها دولة أو منظمة أو هيئة تجاه لغة أو لغات معينة على المستوى الداخلي والخارجي. ويقصد بالمستوى الداخلي، معيرة اللغة وضبط نسقها الصواتي والصرفي والتركيبي والدلالي والمعجمي.بينما يقصد بالمستوى الخارجي، تحديد وضعها القانوني ومجالات استعمالها. ويعرفها جيمس.و.طوليفصن بأنها:” كل الجهود الواعية الرامية إلى التأثير في بنية التنويعات اللغوية أو في وظيفتها.”[1]
أما مصطلح التهيئة اللغوية أو التخطيط اللغوي، فيشمل مجموع الإجراءات العملية والقانونية لتنفيذ السياسات اللغوية. بعبارة أخرى،تحدد السياسة اللغوية الأهداف العامة، ويتدخل فيها السياسي بالدرجة الأولى، بينما يهتم التخطيط اللغوي بالأهداف الإجرائية، ويتدخل فيه المتخصصون في اللسانيات وعلوم التربية وعلوم الإعلام والمجامع اللغوية والهيئات الأكاديمية والجامعات….
وتختلف الدول في سياساتها اللغوية، لكنها لا تخرج عن النماذج التسع التي حددها اللساني الكندي جاك لوكلير Jacques Leclerc، وهي:
سياسة الاستيعاب: وهي تقوم على تحويل مجموعة لغوية إلى أقلية، أو تصفية بعض الأقليات اللغوية. وتتمثل أهم وسائل التدخل في المنع والإقصاء والتهميش الاجتماعي، وقد تلجأ في حالات قصوى إلى القمع والإبادة الجماعية. وهناك حوالي 26 دولة تطبق هذه السياسة منها: أفغانستان و باكستان والبرازيل وتيمور الشرقية والتايلاند و مولدافيا و تركمانستان و الفيتنام …
سياسة عدم التدخل: وتقوم على مقولة “دعه يعمل”؛ حيث تتجاهل المشاكل اللغوية القائمة، وتترك علاقات القوى الموجودة لتتطور بشكل طبيعي. لكن في الواقع يكون هناك دائما تخطيط لصالح اللغة المهيمنة. وتكون هذه السياسات غير مكتوبة ولامرسّمة، لكنها تستدعي مبادئ الاختيار الحر والتسامح وقبول الاختلاف. وتوجد هذه السياسة في حوالي 78 دولة منها؛ ألمانيا وأندونسيا والأرجنتين وبوركنافاسو والشيلي والسينغال واليابان وولاية أوهايو وفنزويلا…
سياسة الأحادية اللغوية: وتعتمد هذه السياسة على دعم لغة واحدة التي يمكن أن تكون هي لغة غالبية الشعب، أو لغة أجنبية أو لغة المستعمر. ويمكن تصنيف الدول التي تطبق هذه السياسة إلى صنفين:
اعتماد لغة رسمية وطنية: هناك 53 دولة منها مصر ولبنان و كولومبيا و كاليفورنيا و ايطاليا والمكسيك ورومانيا…
اعتماد لغة رسمية أجنبية أو استعمارية: هناك 28 دولة تطبق هذه السياسة ومنها أنغولا والباهاماس وموزنبيق وأوغندا وكورسيكا….
سياسات لغوية قطاعية: وهي خاصة بقطاعات معينة، حيث تقوم الدولة بوضع قواعد تشريعية في قطاع معين أو أكثر. ويبدو أن قطاع التربية هو القطاع الذي يحظى بالامتياز في هذه السياسة. بينما يتجاوز ذلك في بعض الدول إلى أسماء المحلات والأماكن والمستشفيات. وتطبق حوالي 58 دولة هذه السياسة منها: استراليا والنمسا والدانمارك وفرنسا وولاية لويزيانا والبرتغال واليونان.
سياسات لغات بوضعيات قانونية مختلفة: وتسعى إلى توفير فرص المواءمة بين لغة الأكثرية ولغات الأقلية بواسطة تشريعات توسع من حقوق الأكثرية وتضيق من حقوق الأقليات. فالأقليات تحظى ببعض الامتيازات في قطاعات الدولة الحيوية مثل الخدمات الحكومية والعدالة والتعليم والإعلام. وهناك حوالي23 دولة تتبنى هذه السياسة منها: ألبانيا وبلغاريا والصين و كرواتيا و غواتيمالا والبرغواي ورومانيا والسويد.
سياسة الثنائية والثلاثية اللغوية: وتقوم على اعتراف الدستور والقانون بالمساواة التامة بين لغتين أو أكثر. ويعطي هذا الوضع للمواطنين الحق في استعمال أي من اللغات الرسمية داخل مؤسسات الدولة، وهذا الاختيار يشكل حقا بالنسبة للفرد وواجبا بالنسبة للدولة. و نميز داخل هذه السياسة بين ثلاثة أنواع من الثنائيات:
ثنائية قائمة على حقوق فردية بدون حدود جغرافية (التماهي مع الحق الفردي): وهذا أمر يصدق على جنوب أفريقيا وكندا الفيدرالية وإفريقيا الوسطى وكازاخستان وكينيا وموناكو…
ب- ثنائية قائمة على حقوق لغوية نطاقية: وتنطبق هذه السياسة على أعضاء جماعة لغوية تقيم في منطقة معينة دون غيرها والدول التي تطبق هذه السياسة هي: فلندا و هاواي ونيكاراخوا و الباسك و ايرلندا الشمالية…
ج- ثنائية قائمة على الحقوق الإقليمية (التماهي بين اللغة والأرض): حيث تقوم على أساس أن اللغات المتنافسة في بلد ما منفصلة بواسطة حدود جغرافية. فالحقوق اللغوية تمنح للمواطنين المقيمين في منطقة ما، و أي تغيير في مكان الإقامة قد تحرمه من هذه الحقوق. ومن بين الدول التي تطبق هذه السياسة بلجيكا وكانتونة بورن والكاميرون.
سياسة تعدد لغوي استراتيجي: وتستند على اختيارات براغماتية. فبالرغم من أن لغة الدولة الرسمية تكون واحدة، إلا أنها يمكن أن تلجأ إلى لغتين أو أكثر بسبب قيود مرتبطة بحاجاتها التواصلية، أو بسبب الوضعية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، دون تفضيل لغة على أخرى، بل تعتبر كل لغة قيمة مضافة، وتسعى إلى استثمار كل المصادر اللغوية بطريقة ايجابية. ومن بين الدول التي تطبق هذه السياسة؛ إفريقيا الجنوبية واستراليا وإثيوبيا والنيجر والهند ولبنان…
سياسة التدويل اللغوي: تمارس هذه السياسة في بعض الدول ذات التاريخ الاستعماري، وتمارس سيادة على المستوى اللغوي وراء حدودها الجغرافية، ومن بين هذه الدول؛ فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا والبرتغال واسبانيا.
سياسات لغوية مختلطة:
هذه السياسة خاصة بالدول التي تطبق في نفس الآن سياسات لغوية مختلفة من قبيل:
عدم التدخل والسياسة اللغوية القطاعية (ألمانيا والنمسا وباناما والتشيك وطاجكستان)
ب- عدم التدخل و سياسة الاستيعاب( ايرلندا الشمالية و بوتسوانا)
ج- إنعاش اللغة الرسمية و عدم التدخل
د- إنعاش اللغة الرسمية وسياسة الاستيعاب وسياسة الثنائية الجغرافية ( البوسنة وباكستان)[2]
[1]_طوليفسن.و.جيمس، السياسة اللغوية خلفياتها ومقاصدها، ترجمة محمد خطابي،المغرب/الرباط، مؤسسة الغني للنشر، 2007،ص25.
[2]_ Leclerc Jacques , l’aménagement linguistique dans le monde, http://www.axl.cefan.ulaval.ca/