المناطق الحرة أو معسكرات العبودية الجديدة:(عبد السلام ديرار)
حسب François Bost دائما، فإن هناك اليوم 2260 منطقة حرة عبر العالم، و هي التي كان عددها هو 1735 عام 2010 حين نشر “أطلس المناطق الحرة” (Atlas des zones franches)، بمعنى 75 منطقة حرة إضافية كل عام، أو واحدة كل خمسة أيام ! ([1]).
و لجعلنا نكوّن صورة واضحة عن هذا الذي يسمى “مناطق حرة”، يدعونا François Bost لمرافقته إلى واحدة منها، تمكّن من زيارتها ! [فالزيارة ليست حرة!]، هي المنطقة الحرة لطنجة المغربية. يقول: “نحن في المنطقة الحرة لطنجة ( (TFZ(la Tanger Free Zone)، واحدة من ست مناطق حرة تم إحداثها حول ميناء طنجة، حر هو الآخر. وفي ظرف عشر سنوات، تم خلق 65000 منصب شغل. و بالمصنع الذي تمكّنت من زيارته بالمنطقة يتقاضى العمال 16 درهما للساعة، أي 1.40أورو، أو 260أورو شهريا تقريبا (ما يعادل 2700درهم). و بالمغرب ليست هناك مناطق حرة معفية من القواعد الاجتماعية الجاري بها العمل، و النقابات مسموح لها بالعمل، هناك ممثلون للأجراء، منتخبون و لكنهم غير مُنَقَّبين، و فجأة، تبقى النقابات في باب الدخول!([2])، و بلغة غير مجازية، فإن العمل النقابي داخل هذه “المناطق الحرة” ممنوع، و الذي بداخلها شي آخر!.
و عن سؤال لمديرة مصنع لصناعة قطع غيار لصناعة السيارات موجهة للتصدير إلى أوربا، حول سبب الاستقرار بطنجة ، تجيب: ” العملة تابثة، لا ضرائب على الأرباح خلال خمس سنوات، و 8.75% خلال العشرين سنة اللاحقة، علاقة جيدة مع السلطات المغربية و القرب من أوربا”.
ثم تضيف: “نحن سعداء بتواجدنا بالمغرب، لأننا على يقين أن المغرب لن يكون أبدا عضوا في الاتحاد الأوربي، و لن يكون – بناء على ذلك – خاضعا للضغط على الاجتماعي”([3]). و معنى ذلك أن اليد العاملة هنا تنتج خارج أبسط قوانين الشغل، أو بتعبير صريح ضمن شروط استعباد مقنّع (قادم من الغرب)، و يكفي استحضار كون ثمن أبسط بيت للكراء يستجيب لأبسط مقتضيات الحياة الآدمية بالمدينة التي نحن بصدد الحديث عنها (طنجة) هو 150أورو وأجر العامل بهذه “المنطقة الحرة” هو 260 أورو!… قد تبدو المعادلة مستحيلة الحل على غرار تربيع الدائرة أو تثليث المكعب في الرياضيات! إلا أنها بالمغرب عكس ذلك تماما، إذ نتيجة تاريخ طويل للمغاربة مع أحوالهم بالنسبة للخيرات، اكتسبوا استعدادات و “كفايات” للتكيف مع أكثر الشروط غرائبية. بل إن المدير العام (المغربي) لميناء طنجة المتوسط فؤاد بريني، يضيف إلى ما قالته مديرة المصنع، و بثقة فظيعة أن “السيارات التي يتم إنتاجها بالمغرب هي سيارات “الثمن المنخفض (low cost)! و لا يمكن إنتاجها أبدا بفرنسا”! ([4]). وهو محقّ في ذلك!، لأن فرنسا (و معها كل عواصم الغرب) التي تشهد عودة “نبلاء جدد” مصرّين على تدمير الطبقة العاملة و التراجع على كل ما تحقق لها من مكاسب، و إعطاء الحرية لأرباب العمل لتسريح “مستخدميهم”، و تفكيك قيم التضامن بين العمال و الطبقة المتوسطة، لا يمكنها أن تكون مسرحا لعبودية تنتج سيارات بكل هذا الثمن الزهيد!.
و في وصفه لشروط العمل ضمن هذه المسماة “مناطق حرة”، بأمريكا اللاتينية، تتواتر عبارات “الأجور الجد منخفضة” و الاحتقار المعلن للحقوق الأولية للعمال و أغلبيتهم
نساء” و “القمع المنهجي بتآمر مع السلطات المحلية” و “التسهيلات الفاحشة ل”السادة” (المستثمرين) القادمين من أمريكا الشمالية و إسبانيا…”، و “العمل لأربعة عشر ساعة” و “غياب الضمان الاجتماعي” و “عدم التعويض عن الساعات الإضافية” و التحرش الجنسي”…، عند الباحث Pedro Ortega Mendez ([5])، بالشكل الذي يؤشر- بشكل واضح- على عبودية حقيقية، يستمرّ الباحثون الاقتصاديون في توصيفها بكونها نتاج “النيوليبرالية” أو عولمة الاقتصاد”. و ب”استنطاق” هذه المفاهيم الاقتصادية و إجبارها على قول “الاجتماعي “فيها، نقول أنها لحظة اندفاع للبورجوازية بالغرب (ضمن موازين القوى القائمة، و التي هي لصالحها) لضرب الطبقة العاملة في أوطانها، و معها الطبقة المتوسطة التي تعتبر واحدة من أهم ركائز النموذج الاجتماعي البورجوازي، و الانحدار (هو عكس ذلك في تصورها)باتجاه السلوك و الفعل على طريقة ملاكي العبيد الأكثر قدما ب”العالم الثالث”.
و اجتماعيا، أصبحت هذه المناطق “مناطق حرة للتصدير”؟، “مناطق حرة للتجارة”!! أو ما شابه ذلك من التسميات، عنوانا لاستغلال عشرات الملايين من العمال عبر العالم، إذ فرضت الشركات الاحتكارية “معسكرات للعمل” بنفس شروط المجتمع العبودي، لتوفر أرباحا طائلة لهذه الشركات. و تمتد هذه المناطق من مكسيكو إلى طنجة، نكوك (الغابون)، دبي، السويس، العقبة، شنغن (الصين)، سنغافورة، أنشيون (كوريا الجنوبية)، بيبانغ (ماليزيا)، باتانغ (الفلبين)… و عددها اليوم عبر العالم، يناهز 2300 منطقة حرة([6]).
و في بعض هذه ال”معسكرات للعمل”، كما الحال في مصانع النسيج بالبانغلاديش، إلى ما دون شروط العمل العبودي الأكثر قدما، كما يرد في تقارير الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH ) ([7])، إذ “القطن أبعد بكثير من أن يكون أبيض”،!!، فعمال و عاملات النسيج يعملون في ظروف لا إنسانية تماما، بمصانع تغيب فيها أدنى شروط السلامة، يموتون و هم يشتغلون، و يحترقون بالجملة في حرائق متكررة، يهانون و يضربون، و يسرحون بالآلاف، و كل حركة منهم تقابل بقمع شرس للسلطات، ضمن
تآمر مكشوف مع أرباب العمل الأمريكيين و الكوريين الجنوبيين و الانجليز (و حتى الإماراتيين و الماليزيين)… و أما أجورهم فمتوسطها 50 دولارا شهريا! ([8]). إنها رياح الاستعباد القادمة من الغرب و هو في حال نكوص، أو بالتعبير الصريح، و هو في حال عودة “نبلاء جدد”.
[1] -Marie Viennot: op . cit.
[2] -Marie Viennot: op . cit.
[3] -Marie Viennot: op . cit
[4] -Marie Viennot: op . cit.
[5] -Pedro Ortega Mendez: Nicaragua: L’esclavage moderne: Les
Zones franches- Traduction DIAL-in www.globalnet.org.
[6] -Marie Viennot: op . cit.
[7] -www.FIDH.org
[8] -www.FIDH.org – op . cit.