النخبة الدينية المغربية، المكونات والخصائص(عبد الرحمن الشعيري منظور)
شكلت النخبة الدينية المغربية طيلة التاريخ السياسي للبلاد، فئة محورية واستراتيجية في البناء الهرمي للدولة، وفي تنظيم وتمثيل المجتمع، وقد شملت النخبة الدينية: العلماء والصلحاء أوشيوخ الزوايا الصوفية الذين عرفوا في الوجدان العام للمغاربة بالأولياء، ثم السلطان المستمد مشروعيته في الحكم من الاستناد إلى الدين وبالانتماء للنسب النبوي الشريف.
كما ضمت النخبة الدينية المغربية تاريخيا القضاة الذين كان يتم اختيارهم من فئات العلماء في الحواضر الكبرى أو الفقهاء في البوادي والقرى. ثم الأحبار كممثلين لليهود المغاربة أمام الدولة السلطانية، ومسؤولين على تنظيم شؤونهم الدينية وأحوالهم الشخصية.[1]
تفيدنا القراءة التاريخية، أن النخبة الدينية الإسلامية بجميع مكوناتها- خاصة العلماء والصلحاء وشيوخ الزوايا- كانت لها مواقف محورية في التعبير عن تطلعات المجتمع المغربي السياسية والثقافية والاجتماعية، وقد قامت بتلكم الأدوار بسلوكها الأخلاقي وإنتاجها العلمي، ومن خلال امتلاكها لناصية تفسير النصوص الشرعية، وبإسهامها الوفير في الحفاظ على الوحدة العقدية والمذهبية للمغاربة، وتوطيد قيم التكافل الاجتماعي خاصة في أوقات الأزمات والمجاعات[2]، وكذا بمشاركتها في المجال السياسي عن طريق آليتي البيعة والنصيحة، الأمر الذي جعل من النخبة الدينية دوما فاعلا مهما ضمن أهل الحل والعقد المساهمين في صنع القرارات المخزن، والمؤثرين في توجيهها وتنفيذها، أو معارضين لها أحيانا إذا دعت إلى ذلك المواقف والظروف السياسية.
وبتميزها بالرأسمال الرمزي القائم على المكانة الدينية والشرف والعلم، كانت النخبة الدينية وما زالت من أهم مكونات النخبة المغربية المؤثرة في توجهات المجتمع المغربي، فقد كانت النخبة الدينية على سبيل الذكر من أبرز مكونات النخبة السياسية والاجتماعية في مغرب القرن التاسع عشر الميلادي، التي كانت تشمل الفئات التالية:
- الشرفاء.
- العلماء.
- الأولياء والصلحاء والشيوخ.
- قواد الجيش والقبائل، ومن على شاكلتهم من الأرستقراطيين والعسكريين مركزيا ومحليا.
- كبار التجار وأرباب الحرف.[3]
وتعرضت النخبة الدينية بعد الاستقلال وتطور بناء الدولة الوطنية بالمغرب، لتحولات عميقة في بنية مكوناتها، مسَت أيضا مركزيها الاجتماعي والسياسي، اللذين عرفا مخاضا عسيرا أعاق استمراريتها في ريادة المجتمع، وأضعف تأثيرها في قرارات السلطة السياسية.
وقد ساهم في هذا التحول الذي مسَ بناء النخبة الدينية المغربية، بروز نخب سياسية ونقابية وإدارية حديثة تتكون من خريجي المعاهد العصرية والمدرسة العمومية، أضحوا منافسين أقوياء للنخبة الدينية بجميع عناصرها في احتكار تمثيل المجتمع وتوجيهه؛ وفي تزويد الدولة بالأطر اللازمة لتسيير دواليب المؤسسات والإدارة، وقد كان من تداعيات هذه التحولات السياسية والاجتماعية والإدارية لمغرب ما بعد الاستقلال على بنية النخبة الدينية، هو فقدانها لإحدى مكوناتها المهمة المتمثلة في القضاة الذين أصبحوا يشكلون نخبة إدارية متفردة بنظامها التكويني والتراتبي المستمد من الترسانة القانونية الحديثة.
كما شهدت النخبة الدينية المغربية ميلاد جيل جديد من رحمها منذ أوائل سبيعنيات القرن العشرين تضم: الإسلامين والمثقفين الدينيين، والخطباء المنبريين ذوي الشعبية، المؤثرين في الشباب والطبقات الاجتماعية المختلفة خاصة في المدن الكبرى كالدار البيضاء، طنجة، فاس، وجدة ومراكش، وقد ساهم هذا الجيل الحديث من النخبة الدينية بتفاعل لفعله الديني مع مكوناتها التقليدية وخاصة منهم العلماء، والملك/أمير المؤمنين والزوايا، في رسم فسيفساء متعددة للنخبة الدينية المغربية طيلة الحقبة السياسية الراهنة.
وفي خضم هذه التحولات البنيوية المؤثرة في مركز الفاعل الديني، يمكن تحديد مكونات النخبة الدينية المغربية، مع استحضار سياق نشأتها وموقعها المجتمعي وخصائصها السوسيوسياسية، وتأثيرها في النسق السياسي فيما يلي:
- النخبة الدينية التقليدية: بالإضافة إلى العلماء تتكون من الملك/ أمير المؤمنين ومستشاريه في الشؤون الدينية ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، وشيوخ الزوايا، والشرفاء، الفقهاء، والخطباء، طلبة العلوم الشرعية (الطُلبة).
- النخبة الدينية الحديثة: تضم زعماء التنظيمات والتيارات الإسلامية، وقيادات الحركة النسائية الإسلامية والعالمات والمرشدات(الواعظات)والمثقفين الدينيين.
ولرفع اللبس المنهجي عن دواعي هذا التصنيف للنخبة الدينية المغربية، فإننا جعلنا المحدد التاريخي معيارا للتقسيم والتصنيف، وبمقتضاه جعلنا الفاعلين الدينيين التاريخيين في الحقل الديني – السياسي ضمن النخبة الدينية التقليدية، وحددنا الفاعل الديني لمغرب ما بعد الاستقلال في فئات النخبة الدينية الحديثة.
[1] – مازالت النخبة الدينية اليهودية المغربية تمارس مهامها في المغرب من خلال الإشراف على طقوس ذبح الأضاحي في المدن الكبرى كالدار البيضاء وتنظيم المواسم اليهودية. كما يقضي لليهود المغاربة في مجال الأحوال الشخصية قضاة يهود مختصين لهم مكاتب خاصة في كل من المحاكم الابتدائية بالدار البيضاء، طنجة ومراكش، يصدرون أحكامهم باللغة العبرية وباسم الملك، ويترأس الطائفة اليهودية بالدار البيضاء كأكبر تجمع ديني لليهود المغاربة “موريس طوليدانو”. انظر: اليهود المغاربة، ضمن تقرير الحالة الدينية في المغرب 2007-2008، المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة. طوب بريس. الطبعة الأولى أكتوبر 2009 ص ص 421 – 430.
[2] – في هذا المضمار قام الصلحاء والأولياء كمكون رئيس ضمن النخبة الدينية المغربية بجهود متميزة دينيا وعسكريا واجتماعيا في التاريخ المغربي خاصة في الحفاظ على الخصوصية المغربية في السلوك الديني المؤسس على الأشعرية في العقيدة والمالكية في الفقه والتصوف السني في التزكية، كما كانت لهم أدوار عسكرية في مراحل الجهاد وأثناء تأمين المسالك التجارية، بالاضافة إلى ما قاموا به من وظائف مجتمعية تمثلت في ترسيخ التكافل الاجتماعي بين المغاربة، انظر، إبراهيم بوتشيش وآخرون، التصوف السني في تاريخ المغرب، نسق نموذجي للوسطية والإعتدال. منشورات الزمن، سلسلة شرفات عدد : 27، 2010– ص ص 141- 246.
[3] – سعيد جفري، النخبة وسؤال الإصلاح في مغرب القرن 19، ضمن كتاب النخب المغاربية الخلفيات، المسارات والتأثير. منشورات مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية. جامعة الحسن الثاني. الدار البيضاء، مطبعة سوماكرام، 2012 ص 47.