المقالات

تصعيد وخوف: الوجه المخفي لإسرائيل(عبد اللطيف العسلة)

أمام سياق دولي متقلب تزداد تداعيات القضية الفلسطينية يوما بعد يوم تكشف بكل اللغات والقنوات أن المنتظم الدولي يعيش تحت ضغط الصهيونية العابرة للقارات والمؤسسات حتى أصبحت روحا تسري في كيان المؤسسات الدولية لاستصدار قرارات من الامم المتحدة والنظام العالمي كما يمكن أن نقرأ في كتاب (أمريكا المختطفة: اللوبي الإسرائيلي وسياسة الولايات المتحدة الأمريكية ) لجون جي ميرشايمر وستفن إم والت، لكل ذلك لمواجهة المقاومة الفلسطينية وشق فصائلها والعمل على عزلها وإضعاف مفعولها.

كانت فزاعة الإرهاب دائما هي المبرر الذي تقدمه إسرائيل ومن ورائها الغرب برمته لإطلاق حملات التقتيل التي تشنها دولة الاحتلال على الفلسطينيين، نتذكر كيف أن إدوارد سعيد في كتابه “الثقافة والمقاومة” تحدث عن الإرهاب بما هو قناع كانت تضعه الدول الإمبريالية تاريخيا لتبرير تدخلاتها في العالم الإسلامي ولإنتاج خطاب التحقير والتهميش الذي تلصقه بالفلسطينيين، وهكذا استعانت القوى الصهيونية بكل الأدوات الإعلامية وبكل علاقات الجوار والتحالف من أجل إجهاض كل حركات المقاومة وعزلها وفك ارتباطها منذ بداية الاحتلال، لكن المقاومة فيما يبدو لا تزداد إلا قوة واصرارا من خلال استراتيجية تشبيك العلاقات الديبلوماسية و مد جسور الانفتاح السياسي، فرغم العزلة الجغرافية والحصار الذي يفرض على غزة منذ مدة، استطاعت حماس التي تدير شؤون القطاع المحاصر منذ عام 2007، الابداع في مد جسور العلاقات الدبلوماسية مع دول مختلفة في العالم.

كما استطاعت وفي أعقاب معركة “سيف القدس” الأخيرة التي سمتها إسرائيل عملية حارس الأسوار، اتباع استراتيجية جديدة تتمثّل في كسر الحصار وتشتيت التركيز لدى المحتل وحقنه بمزيد من كبسولات الخوف، في الوقت الذي دشنت فيه خطة إعلامية متواصلة همت الانفتاح على أكبر عدد من الدول لطرح دفوعاتها حول خيار المقاومة لوقف العزلة السياسية وإجهاض استراتيجية دولة الاحتلال في الاستفراد بها.

بعد الغارة المفاجئة التي شنتها طائرات الاحتلال فجر الثلاثاء العاشر من مايو2023 على بيوت قادة سرايا القدس والتي أسفرت عن استشهاد ثلاثة عشر من الفلسطينيين وإصابة حوالي عشرين جريحا، وقد جاء هذا الاستهداف بعد رشقات صاروخية بين فصائل المقاومة وجيش الاحتلال، والتي أبانت عن عجز القبة الحديدية أمام إبداع المقاومة في توجيه ضرباتها إلى حدود تل أبيب، العجز الذي تحول إلى موضوع للسخرية كما يقول المحلل العسكري الإسرائيلي رؤوفين بيداتسور.

وفي سياق آخر أخفقت محاولة إسرائيل في السيناريوهات التي حددتها لهذه الغارة بعد اعتقادها وتباهيها بأن ضربتها لقادة الجهاد الاسلامي كانت ناجحة وقد حققت أهدافها لتتفاجأ بإجماع فصائل المقاومة على الرد القوي من خلال الغرفة المشتركة، مما يؤكد من جهة أخرى إخفاق حكومة الاحتلال في عزل الفصائل عن بعضها من خلال سياسة الاغتيالات، وبالمقابل تتفق فصائل المقاومة على استراتيجية عسكرية جديدة تضعف من قوة الجيش الاسرائيلي وتهدد المحتل في عمق تل أبيب مما يزيد من معدلات الرعب داخل قيادة الاحتلال، وقد بدا ذلك جليا من خلال ما يبثه الاعلام الاسرائيلي من استنجاد الحكومة الاسرائيلية بالأمم المتحدة والدولة المصرية خوفا من التصعيد الفلسطيني وإخلاء عدد من المستشفيات وتحويلها الى مناطق محصنة بالملاجئ، كما كشفت السلطات المحلية في حدود غزة أن الاف الاشخاص غادروا البلدات الحدودية في غلاف غزة تحت رعب صواريخ المقاومة الفلسطينية .

إن المقاومة الفلسطينية ما تزال تؤكد مع مرور الأيام واستمرار الاحتلال أن خيار المواجهة المتحدة هو السبيل الممكن لتحرير الأرض من قبضة الاحتلال بشعارها الدائم (لا سلام مع وجود الاحتلال والاغتيال) ، كما تؤكد أن شعارها النوعي(وإن عدتم عدنا) في الواقع الاستراتيجي شعار سحري يؤرق الغرف المغلقة لعمليات الاحتلال ويجعل منها عُلبا حديدية لا ينفصل فيها التصعيد عن الخوف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق