تقديم كتاب: البيداكتيك:أفكار ملهمة في مناهج التربية والتدريس(عبد الحق دادي)
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه..
أما بعد،
تطلع الإنسان إلى التعلم منذ فجر التاريخ، وحاول أن يراكم معارفه بالتلقين المباشر عبر الحدود الأسرية والقبلية والمجتمعية الصغيرة، الممتدة حسب حركته الوظيفية، فكان هذا التراكم يتزاحم مع مرور الأزمنة وازدياد المعارف وطرق تحصيلها، فألْجأته الحاجة إلى ابتكار مسالك وطرق في سبيل إيصال المعلومة إلى المتعلم. وعلى هذا الأساس برز علم الديداكتيك أو فن التدريس الذي أضحى علما مستقلا بموضوعه ونظرياته ومتميزا بنماذجه عن غيره من علوم التربية.
وتفيد كلمة Didaktikos اليونانية الرغبةَ في التعلم أو فن التعليم وهي بمجموعها تتلخص في العبارة التالية: “فلنتعلم أي يعلم بعضنا بعضا”.
وقد اعتبره A. Lalande فرعا من فروع البيداغوجية موضوعه التدريس، وهو يمتد إلى العملية التعليمية بمحتواها العام، بدءا من المتعلم وانتهاءً إلى مادة التعليم، ومن ثم وجب النظر في البنية السيكولوجية للمتعلم والمحيط السوسيو ثقافي الذي تشكلت فيه هذه البنية والمعطيات المحددة لها كالبيئة الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن المادة المراد تلقينها في بنيتها المغلقة، ومُدخَلاتها ومُخْرَجاتها، ومبادئها ومطالبها، ثم استخلاص الناتج المعرفي المحدد لأغراضها ووظائفها.
لقد كانت هذه الرحلة الملحمية للعملية التعليمية هي التي ألزمت هذا الفرع من المعرفة في مجال التربية العامة أن يمتح من جميع المعارف المتنوعة كعلم النفس المعرفي، والعلوم العصبية المعرفية، وعلوم البرمجة العصبية، وعلم التاريخ التربوي، والبيداغوجيا، وعلم الموسيقى التربوي، والرياضيات الذهنية والتأملية…وغيرها من حقول المعرفة الإنسانية.
وهذا الكتاب الذي نتشرف بتقديمه في مركز ابن غازي يقدم لنا فيه الدكتور عادل الضباغ كل هذه المعارف في مؤلفه المعنون ب “بيداكتيك: أفكار ملهمة في مناهج التربية والتدريس”؛ وهو عبارة عن ترجمة متقنة لعيون المقالات في هذا المجال لمؤلفين مختصين في الديداكتيك والبيداغوجيا، رصد فيه آخر ما توصل إليه النظر عند علماء هذا الشأن ما بين سنتي 2014 و 2018، وتحرّى في مقالاته القيمة العلمية والتخصصات الدقيقة علاوة عن مصدرها المتميز، حيث صدرت في مجالات علمية لها ترقيمها الدولي، وتميزت بالتنوع، ثم هي تمتلك نماذجها التطبيقية الخاصة بها، و تمت داخل مختبرات تربوية أصيلة.
لقد كان المؤلف موفقا في اختياراته عارفا بموضوعه، ومن ثم استطاع أن ينتقي هذه المقالات من بين المئات المطروحة في الطريق، وأمسك بالخيط الرابط بينها، فجمع بين مضامينها دون تنافر أو تعارض؛ حيث أُلهِم المزج بين برنارد شنوولي B. Schnewuwly( المختص في الديداكتيك) وسليفان وانيون S. Wangnon( الرائد في أبحاث في تاريخ التربية)، وفيليب ميروPH. Meirieu( المتخصص في البيداغوجية البديلة)، وأربوا_كلاسA. Arboix_Clas( المختص في الصحة والتربية)، دون إهمال أعمال إيمانويل بريغان E. Brigand في دراسات التعليم والنمو، الذي طرح داخل دائرة الإسقاط سؤال الموسيقى ودورها في العملية التعليمية، ليختتم مؤلفه بمقال جان كليمون مارتان، J. K. Martin حول جدوى المعرفة التاريخية باعتبارها تمثل السجل النفسي والاجتماعي للمتعلم.
وبهذا الجولان النظري اختصر المؤلف على القارئ الطريق، ووفر عليه الجهد والطلب المضني، و وفّر عليه مؤنة الاختيار والتنقيح، فكان بحق موفقا في كل ذلك وكان اختياره لهذه المقالات درسا في الديداكتيك التطبيقية، حيث قام بجميع الأعمال التهييئية والتمهيدية للمتعلم، والمختص على حد سواء، وبسطها بأسلوب تحرى فيه جانب الأمانة العلمية من حيث المضمون والصياغة، ولم يكن حضوره مؤثرا في المعنى أو مغيرا للمغزى، فتميزت هذه الترجمة بالعلمية والحياد.
وفي الأخير نسأل الله عز وجل أن يبارك في جهود الباحث عادل الضباغ ويثيبه على هذا العمل الجاد، و أن يكون بدءا لفيض إن شاء الله.