الكتاب: الورقي والرقمي: قراءة في آليات التلقي في الرواية العربية
الكاتب: سعيد العمري
دار النشر: ركاز
في عالم اليوم، هناك سعي متسارع وبوتيرة غير مسبوقة للانتساب للعالم الرقمي عبر واجهات متعددة، تسمى شبكات التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية، لكنها تختصر الكثير مما يسميه سيرج بوشاغدون Serge Bouchardon “فرص اللقاء عن بعد” وفرص التأثير والحشد والتغيير على مستويات وأصعدة متباينة.
ولعل من علامات هذه النقلة النوعية في مجال الآداب والفنون، أننا بتنا إزاء إرادة جديدة تتطلع أن تجعل من كينونتنا النوعية حضورا دائما غير منقطع كما يقول جون فرانسوا ماصول Jean-François Massol، أو فوق ذلك حضورا في كل الأماكن والفضاءات التي أتاحها سقوط الجغرافيا التقليدية والحدود السياسية بين الدول والمجتمعات.
لقد أصبح الوجود الأدبي والروائي “التفاعلي” تحديدا في العالم الرقمي جزءا لا يتجزأ من ممارسة الأدب العابر لكل الخطوط ومعه حصلت ثورة في النقد كما فتحنا أعيننا عليه، أتاحها في الوقت الحاضر ظهور أشكال من التفاعلات الشبكية في إطار ما يسمى بـ”النص الترابطي” أو “السيبر نص” او غير ذلك من المفاهيم المستحدثة بفعل ثورة الميديا…ويجمعها كلها عبورها نحو وسيط مختلف هو الحاسوب والشبكة العنكبوتية بدل الورق والكتاب، مما يحتم علينا تعاطيا جديدا في تدريسهما معا: الأدب والنقد في صيغتهما الرقمية.
في هذا العمل الذي نقدمه في مركز ابن غازي للباحث الدكتور سعيد العمري، وهو أحد الباحثين الشباب الجادين والشغوفين بميدان الأدب والنقد من جهة وبميدان أنساق التواصل اللساني والرقمي، وممن لهم خبرة في مجال البيداغوجيا وتدريس الأدب لسنوات طويلة، نقف على رصد للعلاقة بين الأدب الورقي والأدب الرقمي، وعلى التحولات المفاجئة شكلا ومضمونا في “اتجاه التلقي الجديد” داخل الفضاء الرقمي كما تقول كلير بليزل Claire Bélisle.
في هذا الكتاب يجد القارئ مادة علمية مفيدة ونصوصا نقدية بلغة واضحة وسلسة، يميزها طابع التنوع والتكامل، وموجهة برؤية تبحث عن الخيوط الرفيعة بين أطوار الأدب والنقد في رحلتهما من الورقي في اتجاه الرقمي، وما يحصل في الأثناء من تطورات تمس طبيعة الإبداع وفلسفته، محتواه وأشكاله، كما تمس بالتبع الجهود النقدية التي بات مفروضا عليها ومن واجبها الأكاديمي أن تواكب الطفرة السريعة باعتماد آليات للفهم والتفسير تناسب المفاهيم الجديدة للإبداع الجديد.
