تقديم كتاب جماعي :فكر الأنسنة في الثقافة الإسلامية المعاصرة(هشام لعشوش)
الحمد لله والصلاة على رسول الله
يعتبر الحديث عن الأنسنة حديثا مباشرا تقتضيهِ وضعيةُ الكلام عن الديمقراطية والحرية والعقلانية والمساوة وإذا كانت فكرة الأنسنة جاءت في سياقٍ نقدي لتاريخ من الهيمنة باسم المقدس المسيحي، وجاءت ثورةً على لحظة طويلة من الانسداد التاريخي والانغلاق الفكري، ومن هيمنة الفكر اللاهوتي والطائفي في الغرب، فهي بلا شكٍ تحتاج من داخل المنطقِ النقدي نفسهِ لممارسة النقد على النقد، حتى تَسلمَ من تهديد حتمية تحوّلها بنفسها إلى دوغما(DOGME) وأَيديولوجيةٍ تأخذ مكان الأيديولوجيا اللاهوتية القديمة.
يجبُ أن لا ننسى أن الأنسنة لم تكن تيارا إلحاديا، كما أنها لم تكن يوما تصورا علميا تأسس على قواعد محددة، بل تيارا اجتهاديا دينيا يسعى لإعادة الاعتبارِ للإنسان في الرؤيةِ الوجوديةِ للحياة لكنَّ هذا التيار نفسه يحتاج الى نقد؛ ونقدُ الأنسنةِ هو عودةٌ لممارسة الانسانِ لفاعليته باعتباره المحور الذي يُفتش باستمرارٍ عما يحقق مصالحَه في الحياة، من غيرِ أنْ يقطعَ شرايينَ وجودِه عن المطلق واللانهائي، لأنه بذلك ينتقل بالإنسان من هجر المطلق الديني، إلى التشبث بمطلق أشد قداسة، مستبدلا الإله بالعقل، متمردا على القيم الأسمائية، متحررا من كل ارتباط بسلطة الغيب، غير منقاد لها، ومستشرفا حياة يكون فيها الإنسان هو السيد والمهيمن والمقرر لنزوعاته…
لقد ظل خطاب الأنسنة لزمنٍ طويل، مكبلا بخلفياتٍ نظريةٍ تقفُ من الأديان موقفا سلبيا في غالب الأحيان، بل اعتبرها عاملا من عوامل التفريقِ بينَ بني الإنسان، لأنه خرج عن أصل استعمالاته اللغوية إلى استخدامات اصطلاحية مناقضة لها حد العداء، متأثرا بما سمي في النسق التداولي الغربي ب”حتمية الصراع الفلسفي مع الدين”.
إن البحث في مفهوم الأنسنة في النسق التداولي الإسلامي، وامتحان أبعاده الفلسفية في حقبة الحداثة وما بعدها، يبدأ بإقامة مساحات للتأمل فيما يحمله المصطلح من دلالات، وكذا ما يعبر عنه من انشغالات واهتمامات، كما ينطلق من إزاحة العوائق التي أحالته وسيلة أخرى لمحاربة المعتقد والهوية، وآلية لتكريس ممارسة القهر والتسط من زوايا أخلاقية إنسانية..
فأينَ يتقاطع خطاب الأنسنةِ مع الخطابِ الإسلاميِ بوصفهِ خطابا للإنسانِ من حيث هو إنسان؟
وإلى أي حدٍ استطاعَ الخطاب الإسلاميُّ المعاصرُ إثبات أصالةِ النزوع الإنسانيِّ في الخطاب القرآني؟
ثم كيف ساهمت الموروثات الثقافية الفلسفية والأيدولوجية والفقهية والمذهبية في حجبِ الجوهرِ الإنساني الأصيلِ للإسلام؟
وهل من سبيل لإنقاذ هذا الأصلِ المغيَّبِ بإعادةِ قراءةِ القراءات المتعددةِ للدين انطلاقا من المطابقةِ بين الدين وبعده الإنساني…؟
هذا الكتاب؛ فرصة للتداول، وسعي حثيث لإيجاد مواطن اللقاء والتفاهم والحوار، في إطار الوحدة الإنسانية ووحدة مصيرها، مع الإقرار بأصل الاختلاف والمغايرة، في أفق إعادة بناء المشترك الإنساني، بعيدا عن خطاب الكراهية والعنصرية والإقصاء والتفرقة.
هو خلاصة مطارحات فكرية تقدم بها لفيف من الأساتذة الباحثين والمتخصصين من أطراف العالم الإسلامي، ضمن الندوة الدولية التي نظمها الصالون الثقافي لمركز ابنِ غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، والتي خصصت لمناقشة موضوعٍ على جانب كبيرٍ من الأهميةِ والحساسية بعنوان: ” فكر الأنسنة في الثقافة الإسلاميةِ المعاصرة…رؤى نقدية”.
والذين أتقدم إليهم بجزيل الشكر وجميل العرفان على مساهماتهم العلمية المميزة، وعلى إسهاماتهم الفعالة والإيجابية في إنجاح أشغال هذه الندوة، وهم: الدكتور أحمد الفراك، والدكتور عبد الله إدالكوس، والدكتور عبد المالك بومنجل، والدكتور البشير لسيود، والأستاذ معتز أبو قاسم، والدكتور توفيق فائزي، والدكتور عبد الحفيظ الريح، والدكتور معاوية مملوك.
كما لا يفوتني كذلك شكر أعضاء الهيئة العليمة والاستشارية، وكذا القائمين على أعمال المركز وعلى أنشطته الثقافية
والحمد لله رب العالمين