تقلبات السياسة الضريبية في تاريخ المغرب(محمد شقير)
أشار أحد الباحثين إلى أنه ” إذا كانت الغنيمة منبع مداخيل الدولة عشوائية، و تدفق الأموال الآتية من التجارة مــطــبـوع بـتـغـيـيـر الـظـروف . فـالـضريـبة على الانـتـاج – الـرعـوي و الـحـرفـي تمثل أساس المداخيل المنظمة و الثابتة .
و في الحقيقة ظهر عكس ذلك ، إذ أن هذا النوع الأخير من الواردات المالية لم يمون بصورة ثابتة صناديق دول المغرب العربي . “ (1)
و هذه الملاحظة تصدق بشكل كبير على الدولة المغربية ؛ بحيث أن الضريبة المفروضة على السكان لم تشكل موردا ثابتا و قارا لميزانية الدولة . و يرجع ذلك إلى الأسباب التالية :
– عدم انسجام النسيج الضربيي:
إن اختلاف النسيج القبلي في الـمـغـرب مـن جراء النمط المعيشي ( رحل و مستقرون) أو اختلاف المجال البيئي ( سكان جبال أو صحاري أو سهول) أدى إلى خضوع شرائح قبلية باستمرار للضرائب في الوقت الذي كانت تـتـهـرب فـيـه شـرائـح أخـرى مـن أداء هذه الـضـرائـب . فـسـكـان الـجـبال أو الصحاري ، و هم في غالبيتهم بدو و رحل ،غالبا ما يتهربون مـن أداء الـضرائب نظرا لـقـدرتهم على الهروب من أجهزة السلطة المركزية و في بعض الأحيان التصدي لمقاومتها (2) . في حين بقي سكان السهول ، سواء في الحواضر أو القرى ، يخضعون لأداء الضرائب باستمرار .
بالاضـافـة إلى ذلك؛ فقد كان الاقتطاع الضريبي يخضع دائما لاعتبارات سياسية تتمثل في منح إعفاءات ضريبية لمختلف القبائل التي تتحالف مع السلطة القائمة ؛ كما كان يتم إعفاء مختلف الأشخاص الذين يكونون الجهاز المـخـزنـي مـن و زراء و كـتاب وحجاب و خدم و قواد و شيوخ و مقدمين … ومن يدور في فلكهم كأفراد أسرهم أو قبائلهم … الشيء الذي يؤدي إلى وجود شريحة اجتماعية مهمة لم تكن تخضع لأداء الضرائب.
كما لعبت الاعتبارات الديـنـية دورا كبيرا في إعفاء شرائح اجتماعية من أداء الضرائب كالصلحاء و أرباب الزوايا و الطرق و الأشراف و من يدور في فلكهم أو يوجد تحت حمايتهم .
– تقلبات السياسية الضريبية
اتخذت الـضـريـبـة فـي المغرب طابعا سياسيا؛ و ككل ضريبة سياسية بقيت تتأرجح بين احتياجات الدولة (1) و تكريس شرعية السلطة. فالمرابطون حاربوا خصومهم على أساس فرضهم لضرائب غير شرعية. و هكذا أشار الناصري إلى أن عـبد الله بـن يـاسـين دخـل سـجـلـمـاسـة >> و قـتل من وجدبها من مغراوة … و أزال المكوس و أسقط المغارم المخزنية و محاما أوجب الكتاب و السنة محوه . <<. (2)
وتابع المرابطون هذه السياسية في فتح باقي الأقاليم المغربية . وهكذا لما >> فتحوا معاقل السوس وخضع لهم قبائله ، فـرق عـبـد الله بن ياسين عماله بنواحيه و أمرهم بإقامة العمل و إظهار السنة و أخذ الزكوات و الأعشار و إسقاط ماسوى ذلك من المغارم المحدثة . (3) <<
لكن إذا استطاع المرابطون التقيد بحدود هذه السياسة الضريبية الشرعية نظرا لتقلص احتياجات الدولة و توفر الموارد الـخـارجـيـة . (4)، فـإن توسع الدولة فرض المزيد من الأعباء أي مزيدا من المصاريف التي كانت تستمد من الضرائب الداخلية . وقد ظهر ذلك جليا خصوصا في بداية القرن 16 م و ذلك نتيجة لعدة عوامل :
– تضاؤل الموارد الجهادية نظرا لاسترداد الأندلس و سيطرة الأتراك على منطقة الشمال الافريقي .
– تحول طرق التجارة الدولية و فقدان المغرب لدوره كوسيط تجاري في المنطقة .
– تمركز الدولة و توسع احتياجاتها المالية .
و هكذا تركز اهـتـمـام السـلـطـة الـقـائمة على استخلاص الضرائب من السكان و التي تجاوزت الاطار الشرعي من زكوات و أعشار إلى الإطار القهري من نائبة و مونة ومكوس وغير ذلك من المغارم المخزنية .
وقـد أدى ذلـك إلى إثـقـال كاهـل الـسكان (1)و تـمـرد القـبـائل ، الشيء الذي كان يؤثر بشكل كبير على شرعية السلطة القائمة .
لـذا فـغـالـبـا مـا كـاـنت تـتـأرجـح الـسـياسة الضريبية للأسر الحاكمة بين إلغاء الضرائب غير الشرعية في بداية حكمها ؛ لـكـن سـرعـان مـايـتـغـلـب مـنـطـق الدولة فيتم الرجوع إلى إعادة فرض المكوس و المغارم المخزنية التي تتنافى و الأحكام الشرعية . (2)
– عدم فعالية الجهاز الضرائبي:
إن الجهاز الضرائبي للدولة المغربية اكتسى – رغم تطوراته- خاصيتين رئيسيتين :
– الخاصية الأولى تتمثل في الطابع السياسي للضريبة حيث أشار ميشوبيلار بهذا الصدد إلى أن النظام الضريبي الذي يعتبر الجهاد المغذي للمؤسسات السياسية ، بقي يكتسي مظهرا سياسيا ؛ بحيث أن الضريبة اعتبرت دائما ضريبة حرب تؤدى للمخزن(3) . ولعل ما يؤكد ذلك المنظور الفقهي الذي اعتمدته الأسر الحاكمة في فرض الضرائب على السكان و ذلك منذ بداية الموحدين . (4)
– الخاصية الثانية و تتمثل في أن حصول الدولة على الخراج و الضرائب الأخرى كان يتم دائما من خلال وسائط سواء كانوا وسطاء قرويين ( شيوخ أو قواد) أو وسطاء حضريين ( تجار أو أمناء) . (1)
وهاتـين الـخـاصيتين أثرتا على فعالية الجهاز الضريبي ، بحيث أن الدولة لم تكن تتوصل بمجموع الضرائب التي تقتطع من السكان نتيجة لتعدد الوسطاء و كثرة الاعفاءات و تمرد القبائل .