تهافُت الفلاسفة: تفكيك أوهام صراع المفاهيم(كمال القصير)
يرى الكاتب المغربي د. كمال القصير، أن الكثير من الصراعات بين المفاهيم، المؤثرة في الثقافة العربية والإسلامية مجرّد أوهام في حاجة إلى تفكيك، وهي تشير إلى التمزّق الحاصل في الوعي العربي. ذلك أن الصراع الوهمي بين ثنائيات الدين والعقل، والماضي والحاضر، والتراث والحداثة، والروح والجسد، والإنسان والمادة، وغيرها، بات عبئا ثقيلا على العقل العربي المعاصر، لأن أفكارنا كما هي الآن، لم تعد كلها قادرة على السيطرة على عالم الأشياء، الذي يعيد صياغة عالم الأفكار والمفاهيم. لكن ثقافتنا، وبكل جرأة، قادرة على الإجابة على تحولات الفكر الإنساني، بإرث أبي حامد الغزالي، وروح ابن تيمية، ونقدية البيروني وابن الهيثم، وأشعار جلال الدين الرومي، لأن المعنى والرؤية في كلّ هذا لم يغب يوما. إن هذه الثقافة تحتاج إلى الأفكار الصريحة التي تمكّنها من التخلّص من أوهام عديدة.
تراثنا المفاهيمي يصنعنا ونصنعه، والماضي ليس هو ما مضى، فإننا لا نكاد نمسك بلحظة الحاضر، حتى تنفلت من بين أصابعنا لتصبح ماضيا، لقد أصبح جزء من التراث المفاهيمي بالنسبة للبعض مثل” حائط المبكى” تسكب على جداره دموع الخيبات، إن هذا التراث في ذاته لا يمنح أمة من الأمم تقدما على غيرها، كما لا يمثل في ذاته عائقا لتطورها، فإن أمما تمتلك تراثا كبيرا، لكنها تمتلك أيضا حظا وافرا من غياب الفاعلية، التي تبدو هي الكلمة المفتاح في تفسير أسباب التقدم والتأخر. إن الصراع حول التراث المتراكم من المفاهيم على مستوى النخبة العربية أحد وجوه أزمة الإنسان في ثقافتنا، فقضية هذا التراث لا تقبل الاحتكار من طرف النخب، وهو احتكار قد طال أمده. ومن أكثر المفاهيم القاتلة، الاعتقاد بأن الانتصار للتراث أو رفضه وتجاوزه، نقاش نخبوي خاص بالمثقفين. ذلك أن مفاهيمنا الموروثة قضية المجتمع بكل أطيافه، لقد باتت النخب في معركة التراث تمارس حقّا، لم يُمنح لها صكّ احتكار النقاش حوله. التراث ملك للمثقف والعامل والفلاح وإمام المسجد والناس العاديين، وهو ليس فكرا أو فلسفة فحسب، لكنه تربية وقيم وسلوك وحضارة وعمران. والدفاع عليه من حق الجميع.
إن اختزال التراث ووضعه في مقابل الحداثة أمر قبيح، وجعل التراث في مقابل الحداثة وهم كبير، مثل جعل الشمس في مقابل جرم صغير، أو جعل الكلّ في مقابل الجزء. وأي قيم يمكن السماح بالتفاوض عليها، قبولا أو رفضا؟ فالأمم لا تتفاوض على تراثها. إن رفض إعطاء الماضي حق الوجود في الحاضر، وعدم منحه الاستمرارية في الواقع، هي الصيغة الأساس للصراع الوهمي. يتناول الكتاب بالتحليل قضية الوهم باعتبارها محركا أساسيا في تفسير كثير من الصراعات بين المفاهيم، فنحن في محاولتنا تعريف معنى وحدود الوهم، لا نأمن على عقولنا من الوقوع ضحايا لوهم تعريف الوهم، لشدة التباسه وقدرته على النفاذ إلى عمق النفس والعقل، وارتداء زيّ الحقيقة. يتكون الكتاب من عدة فصول تتناول بالتحليل الثنائيات المسبطرة على الثقافة العرببة الإسلامية. والآثار الواضحة في الصراع حول معنى الإنسان كما تعكسه مباحث داخل فصول الكتاب، مثل مبحث الشذوذ الجنسي وامتدادات هذا الموضوع بين الثقافتين العربية الإسلامية والغربية. ويتحدث الكتاب عن مشكلة الوهم في تصور المفاهيم الأساسية في ثقافتنا، في العلاقة مع الله والطبيعة والنفس والآخر المختلف. ويتناول بالتحليل الأدوات الأساسية للصراع المفاهيمي في الثقافة العربية.