حرب غزة وانقسامات أوربا (زياد ماجد)_1_
أحدث العدوان على غزة استقطابات داخل الدول الأوروبية بين قوى سياسية متماهية مع الموقف الإسرائيلي ورأي غربي متعاطف مع الفلسطينيين ويدعو لوقف العدوان، واستقطاب آخر بين الدول الأوروبية نفسها بين حكومات تتعهد بمساندة مطلقة لإسرائيل ودول تدعو لوقف القتال وتنتقد الحكومة الإسرائيلية.
مقدمة
دخلت الحرب الإسرائيلية الشاملة على قطاع غزة شهرها الثاني، وسط عمليات قتل وتدمير وتهجير وتنكيل واجتياح بري لم يسبق لها في العقود والحروب السابقة على القطاع المحاصر أي مثيل.
وبرزت في موازاة هذه الحرب مواقف دولية كثيرة، أظهرت تضادًّا بين معظم حكومات أوروبا وأميركا الشمالية من جهة، ومعظم حكومات أميركا الجنوبية وإفريقيا وآسيا من جهة ثانية.
وإذا كانت بعض المواقف مألوفة أو غير مفاجئة بالنظر لتجارب سابقة، فإن المفاجئ هذه المرة هو التماهي بين التصريحات والمصطلحات السياسية المستخدمة من قبل مسؤولين رسميين وإعلاميين أوروبيين، لاسيما في فرنسا وألمانيا، وتلك المستخدمة من قبل القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين.
يُحيلنا الأمر إلى ضرورة قراءة المتغيرات على الساحة الأوروبية لفهم أسباب التماهي المذكور، وإلزامية التذكير بأن المواقف الحكومية لا تختزل التنوع والاختلاف داخل المجتمعات المعنية، ولا تغيِّب الصدام الحاد القائم أحيانًا بين أحزاب سياسية وحركات اجتماعية ونقابية ترفض الدعم المقدم من حكومات بلدانها لإسرائيل.
على أن ما يجري راهنًا ستكون له آثار وتداعيات كثيرة ستظهر تباعًا على الخريطة السياسية الأوروبية وعلى مواقع بعض الأحزاب وقواعدها الشعبية. وليس من المستبعد انفضاض تحالفات قائمة ونشوء تيارات يقودها أفراد من الجيل الجديد الذي أدخلته الحرب في غزة إلى عالم السياسة وجعلته يبحث عن هوية لا انفصام فيها بين الشعارات والممارسات وعن مواقف تبتعد عن كل ازدواجية في المعايير.
عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول: ما قبلها وما بعدها
شكَّل الهجوم العسكري الواسع الذي شنَّته حركة “حماس”، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في غلاف غزة محطةً جديدة من محطات الصراع مع إسرائيل في القطاع المحاصر والمتعرض للقصف والتنكيل الدوري منذ العام 2007. وشكَّل حجم الخسائر العسكرية والمدنية الإسرائيلية في هذا الهجوم صدمة في معظم الأوساط الغربية، فاقمتها الصدمة المشهدية التي أتاحت متابعة بعض مراحل الهجوم واكتشاف ضخامته.
أدى الأمر إلى تغطية وسائل الإعلام الغربية المرئية للأحداث على نحو جعلها وكأنها جرت وتجري في الغرب نفسه، وإلى سيادة السردية الإسرائيلية لفترة، وما فيها من مقولات تغيِّب ما قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وتُقصي كل ما يتعلق بتاريخ الاحتلال والاستيطان والحصار، أو تساوي بين هجوم “حماس” وبين هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في نيويورك و13 نوفمبر/تشرين الثاني في باريس، مدعية أن الظروف والمؤديات وأيديولوجيا المهاجمين هي نفسها، وأن من “حق إسرائيل الرد والدفاع عن نفسها”(1).
بموازاة ذلك، تسارعت التصريحات والمواقف الصادرة عن المسؤولين في أوروبا وأميركا الشمالية، واعتُمدت فيها مصطلحات ومفردات هي نفسها المُعتمدة من قبل المسؤولين الإسرائيليين، ودعمت الحكومات الغربية نظيرتها الإسرائيلية في قرارها شنَّ الحرب الشاملة على قطاع غزة بغية “القضاء على حماس”(2).
على أن الأمور تبدلت تدريجيًّا وجزئيًّا مع الوقت، وفرضت الأصوات المعارضة للسياسات الداعمة لإسرائيل نفسها بالتزامن مع اتساع التظاهرات والتجمعات المناصرة للفلسطينيين والمطالبة بوقف إطلاق النار وبرفع الحصار عن قطاع غزة في معظم المدن الغربية الكبرى وجامعاتها.
وأسهمت الصور والشهادات والمعلومات الواردة من القطاع، الموثقة للجرائم التي ترتكبها إسرائيل، كما أسهمت تقارير المؤسسات الدولية الإنسانية والصحية والحقوقية، في توسيع أطر الرفض لدعم الحكومات الأوروبية لإسرائيل، وبدأت بعض الانتقادات الرسمية “لممارسات تل أبيب” تظهر في العديد من الأوساط الدبلوماسية، ولو من دون تغيير جدي حتى الآن في المواقف الرسمية(3).
كيف تطورت الأمور والمواقف والضغوط الشعبية في أوروبا؟ وما خريطة القوى السياسية الأوروبية تجاه المسألة الفلسطينية والحرب على غزة؟ وما تبعات كل ذلك في المرحلة المقبلة؟