حول العلم والدين (إدريس الكنبوري)
رغم التقدم في المعرفة وترقي العقل البشري لا زال بعض المثقفين والخاصة يلوكون المقولات القديمة حول الفصل بين الدين والعلم؛ بعد الفصل بين الدين والسياسة؛ وللأسف هذا بين المسلمين؛ وهذه مقولة انتقلت إلينا من الغرب قبل قرنين لكنها لا زالت طرية؛ مع أن للغرب تجربته الخاصة مع دين خاص إلخ إلخ إلخ.
ويسحب هؤلاء الوضع على الإسلام أيضا. ولكن القضية عندي أننا إذا كنا نؤمن بالعلم حقا فقد أثبت العلم الحديث أن ما ورد في القرآن لا يناقض العلم؛ وأن عددا من القضايا التي طرقها أكدها العلم؛ فلماذا لا يكون هذا علما ويكون العلم الذي يشكك في تلك القضايا علما؟ أليس هذا دليلا على أن العلم يعيش صراعا عنيفا بين الإثبات والنفي؛ وأنه مختلط بالايديولوجيا؟.
قد لا يكون الدين في حاجة إلى العلم؛ ولكن العلم في حاجة إلى الدين؛ أي القيم الأخلاقية والموازين؛ والسبب أن العلم يقول لك ما هو نافع لكنه لا يقول لك ما هو خير أو شر. إن لحوم الحيوانات والحشرات مليئة بالفوائد النافعة علميا؛ فلماذا لا يأكل البشر كل شيئ؟ لماذا لا يأكل اليهود والنصارى لحوما بعينها بمن فيهم علماؤهم؟ والعلم يقول إن كل امرأة لديها رحم وكل رحم صالح للإنجاب؛ فلماذا لا يتزوج المرء أخته أو أمه؟ لماذا يدخل معايير أخلاقية في المسألة مع أن القضية مجرد عمل بيولوجي محايد؟.
إن مصطلح “العلوم الحقة” مصطلح خادع تبناه المسلمون؛ فقد نشأ في أوروبا ضد المسيحية لأنها تنص على معطيات علمية غير دقيقة؛ فنقل الإنسان ثقته منها إلى العلم الذي صار علما دقيقا Exacte. وحتى من الناحية العلمية نفسها فإن هذا القول غير علمي؛ لأنه لا توجد نتائج دقيقة دائمة في العلم؛ والعلم مبني على النفي المستمر لحقائقه كما يقول باشلار؛ وعلى القطيعة المستمرة؛ فكيف تكون نتائجه حقة قابلة للثقة الدائمة فيها؟
فما كان علميا قبل قرن لم يعد كذلك اليوم؛ وما كان علميا قبل عشرين عاما صار غير علمي؛ وهكذا؛ ولكن الحقائق العلمية التي جاء بها القرآن لا تزال علمية وستبقى؛ ولا زال العلماء حتى اليوم يعرضون حقائق القرآن على العلم ويتجادلون حوله؛ بينما حسم الأمر بالنسبة للتوراة والإنجيل قبل أكثر من قرنين؛ فلا تجد اليوم أحدا يناقش علميتهما؛ لأنهم طووا هذه الصفحة نهائيا؛ وهذا أحد أدلة أن القرآن صالح لكل زمان ومكان؛ ليس في المساجد والمجتمع فقط بل أيضا في المختبرات؛ فالقرآن حق والعلم نسبي.