درس انسحاب أمريكا: الفخ الأكبر؟(أبو يعرب المرزوقي)
بعد الحرب العالمية الأولى تقاسمت أكبر امبراطوريات أوروبا ما بقي من دولة الخلافة وفتتوا وحدة الامة ليس في مستوى جغرافيتها فحسب بل وكذلك في مستوى تاريخها لأن الدويلات المحميات صارت تبحث لها عن شرعية تاريخية إما مما سبق الأسلام أو مما تلا التفتيت. وبعد الحرب العالمية الثانية زالت الامبراطوريات الأوروبية كلها بما سمي خداعا زوال الاستعمار وتقرير المصير. لكن المباشر منه عوضه غير المباشر بتوسط عملاء المستعمر الذي كان مباشرا وبحماية القوتين الأعظمين السوفيات وامريكا.
خروج أمريكا من افغانستان شرحت علة اعتباره فخا كبيرا لروسيا وفصلا فعليا بينها وبين الصين لأن فيه بداية تحرير آسيا الوسطى أو الجمهوريات التي احتلتها روسيا وافتكتها من دار الإسلام.
ما أتوقعه هو أن خروج أمريكا من العراق وسيليه من سوريا ومن الخليج سيكون له نفس المفعول بل وأكثر منه ولا يمكن لروسيا ولا لأوروبا تعويض الحضور الامريكي ومن ثم فكل ذلك يعني امرين:
لن تستطيع إيران المحافظة على دورها الحالي في الاقليم
ولن تستطيع إسرائيل المحافظة على دورها الحالي في الأقليم
وستتساقط الأنظمة العميلة في الأقليم وستبدا الموجة الثانية من الربيع وهو ما يعني أن التحرر سينتقل إلى استكمال التحرير وقد بدأ في افريقيا التي بدأت تطرد فرنسا التي ما زالت تماري لحمق مكرون.
وما كانت امريكا تفعل ذلك لو لم تكن يائسة من قدرة أوروبا استئناف الاستعمار المباشر الذي هو الوسيلة الوحيدة لحماية عملائها ولا خاصة على منع الصين وروسيا من الدخول عليها من خلف جبهتها التي ستفتحها معهما.
لذلك فيمكن القول إن درس افغاستان يمثل الدليل القاطع على أن الاستئناف بدأ يتحقق بالفعل من خلال تحقيق المراحل الخمس التي هي ضرورية لحصول انجبار الكسور في جغرافية الإسلام وانبعاث البذور في تربتها وذلك هو التعين العضوي للكيان التاريخي للأمة.
أمريكا اكتشفت استحالة الانتصار على الإسلام بل واكثر من ذلك اكتشفت أنها في حربها عليه ساهما في احياء محركاته التي عاشت قرونا من السبات ثم استفاقت تحت الوخز الذي كان يسعى لاخماذ جذوتها فإذا به يعيد إليها دقات القلب الكوني.
اليوم فهمت أمريكا استحالة منع الاستئناف فارادت أن تستفيد منه:
لذلك فإيران هي بدورها ستتخلص شعوبها من عمالة الملالي ومثلها إسرائيل ستتخلص من عمالة المهاجرين إليها من الغرب فلا يبقى من سكانها إلا اهلها من الثقافةالعربية للاقليم سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهودا.
كل العملاء في كل الأقليم لن يصمدوا أمام حركة الشعوب بمجرد أن يغادر الحامي الأمريكي ولا حامي لهم من بعده لأن:
العملاء العرب تحميهم إما إسرائيل أو إيران أو فرنسا أوروسيا
وهؤلاء الأربعة اعجز من يستطيعوا شيئا ضد ثورة الشعوب
ولعل ابرز مثال هو روسيا: ستغادر روسيا سوريا وليبيا والأبيض المتوسط لأن ما ستعانيه على حدودها الفاصلة بينها وبين الصين بفضل فخ افغانستان لن يبقي على طاقة على ما سواه.
أحمد الله أني عشت حتى أرى بواكير ما توقعته منذ أن كتبت الاجتماع النظري الخلوني سنة خمسة وسبعين من القرن الماضي حول الاستئناف وكيفياته واستراتيجياته اعتمادا على الانثروبولوجيا القرآنية كما فهما ابن خلدون.
وحتى نفهم العلاقة بين الاستئناف وما يرمز إليه الانسحاب الأمريكي من افغانستان انسحابا ليس دالا على العجز بل عن خطة جهنمية تجعل استراتيجييها يتداركون ما خسروه من حربهم على الإسلام.
فلولا فهم أمريكا له لاستحال حصول ذلك مع العلم بأن لباكستان فيه دورا شبيها بدور تركيا في اذريبجان:
عملية التحرير اكتملت لما أصبحت المساعدة من قبل أحد قطبي الإسلام المستأنف غير قابلة للمنع.
ونفس الرمز حصل في اخراج فرنسا من ليبيا ومن مالي وقريبا من الجزائر وتونس ومن بقية دول افريقيا:
ولا ننسى حدثين تاريخيين عمل بهما الغرب الأوروبي لهزيمة المسلمين في بداية الحداثة:
فاسبانيا والبرتغال في حرب الاسترداد كانا يعلمان أن فتح أوروبا من غربها لم يصمد في الاندلس أربعة قرونه الثانية إلا بفضل علاقته بالمغرب الكبير بافريقيا فبدؤوا بعزله عنها ليسهل عليهم محاصرته وضربه وهو ما حاوله شارل الخامس.
وشارل الخامس وكل أوروبا إلى حدود ألمانيا كانت تعلم أن فتح أوروبا من شرقها لم يصمد مثلها إلا بفضل علاقة المشرق الاسلامي بآسيا فبدؤوا بعزله عنها ليسهل عليهم محاصرته وضربه وهو ما حاوله البرتغال وبريطانيا وروسيا.
لكن القضاء على هذين العزلين هو رهان المعارك الحالية: وتحقيق ذلك بات في المتناول لأن
باكستان بهذا الفتح الجديد في افغانستان وما سيترتب عليه في الوصل بين المركز وآسيا كلها
وتركيا بالفتح في اذريبجان وليبيا ما سيترتب عليه من الوصل بالمركز وافريقيا كلها
يحققان جبر الكسور في جغرافية الامة ويحييان التاريخ المشترك بين العرب والأمازيغ والاتراك والاكراد في القلب وما حولهم من آسيا وافريقيا فيعود قلب العالم كله إلى حقيقته الاسلامية
وتلك هي مقدمات الاستئناف التي ثمرتها النهائية هي تكون القطب المعدل لنظام العالم:
قطب امة الوسط الشاهدة على العالمين.
أحمد الله أني عشت إلى رؤية المقدم
وآمل أن أرى بعض التالي في التوالي الحدثي من تاريخ الاستئناف.