دروس جولة طوفان الأقصى وواجبات الأمة(محمد الخواتري)
بالقدر الذي تدمي قلوبنا مشاهد القتل والدمار وجرائم الإبادة التي يمارسها جيش العدو الصهيوني وعصاباته في حق المدنيين العزل من إخواننا وأحبابنا في فلسطين، وبالقدر الذي تتفنن فيه الألة الصهيونية مدعومة بسلاح الغرب ومساندته ومساندة الأنظمة العربية مجتمعة وتأييدها للعدوان الغاشم ماديا ومعنويا سرا وجهرا، بالقدر الذي تنذهل القلوب وتوجل أمام صبر وثبات هذا الشعب المحتسب والذي قدم على مدى ما ينيف عن القرن ملايين الشهداء والأسرى والمعطوبين وغير ذلك من التضحيات الجسام..
معركة طوفان الأقصى هي جولة أخرى من جولات التدافع والصراع مع العدو الغاشم، جولة مختلفة تماما عن الجولات السابقة لا من حيث سياقها والفاعل المتحكم بها، ولا من حيث الضرر الذي ألحقته المقاومة بالمغتصبين عدة وعتادا، ولا من حيث التوازنات الجيو استراتيجية التي حدثت وتحدثت جراء ارتدادات وتداعيات هذه المعركة المباركة.
المعركة في مجملها أعادت رسم خريطة المنطقة وخلطت الأوراق وأربكت الأعداء الذين ظنوا على غرة من التاريخ أن الوضع مستتب، وأن المخططات التهويدية ومعاهدات التطبيع قد أثمرت في خنق القضية ووأدها والاستفراد بالمقاومة واستئصالها.
في خضم الأحداث الجارية تحت عين الله عز وجل وبأمره وقدره لا تشغلننا الصور عن المصور، ولا تقف الأخبار وتسلسلها حائلا أمام استخلاص الدروس والخلاصات من هذه المعركة، دروس تكون هادية لنا ولأجيال الحاضر المستشرفة والباحثة عن مسالك الخلاص من الورطة الحضارية التي تعانيها الأمة منذ زمن بعيد، ومن جملة هذه الدروس المستقاة من هذا الحدث المبارك:
إن طريق المقاومة والمواجهة والتصدي وإعداد القوة والنفير في وجه العدو، هو الطريق الوحيد في سبيل التحرير وتخليص الأرض المقدسة من رجس الصهاينة، تؤكد عملية طوفان الأقصى ذلك ويؤكده الفشل الذريع لمسلسل المفاوضات العبثي الذي ما زاد القضية إلا نكوصا وأخر التحرير لعقود.
إن لم يكن لمعركة طوفان الأقصى من حسنة سوى أنها أعادت القضية الفلسطينية لواجهة الاهتمام لكان ذلك كافيا، فمنذ الربيع العربي المُجهض سعى الاستكبار العالمي ومن وراءه كراكيز الأنظمة العربية لاغتيال القضية في وجدان الشعوب وشَغلِها بقضايا أخرى هامشية.
طوفان الأقصى وما أحدثه من وقائع على الأرض أربك الأوراق وبعثرها وبخاصة فيما يتعلق بملف التطبيع، فللحظة توهم المتوهمون أن الأمر استتب وبأن الشعوب تعايشت مع العدو وقبلت به، فجاء الطوفان ليعيد الأمور للمربع الأول وليذكر الناس بطبيعة العدو وإجرامه.
الطوفان المبارك أجلى وفضح بعض الأنانيات المتأثرة بالروايات والمخططات التضليلية، من قبيل القول بأن فلسطين ليست قضيتي وبكون المقاومة متهورة ومقامرة، مثل هذه العينات هي تجسيد لطغمة النفاق الباقية في الأمة والتي يسهل اقتيادها والتلاعب بمواقفها، فتكون بهذا القضية الفلسطينية هي الفاضحة والمجلية والممايزة للصادق من الكاذب الأشر.
المعركة زادت وبشكل كبير في فضح البقية الباقية من نفاق الأنظمة العربية الإسلامية، وأجلت بالواضح الصريح الولاء المطلق لهذه الأنظمة للعدو الصهيوني وللاستكبار العالمي، وبالتالي وكما لم تعول الأمة يوما على حكامها المستولين على الرقاب قهرا واستبدادا فإنها لن تعول عليها لا اليوم ولا في قابل الأيام.
طوفان الأقصى ربطت القضية وبشكل قوي ببعدها العقدي، فالعمل الدؤوب الذي سعى له العديد من النخب المفكرة من داخل المجال العربي الإسلامي ومن خارجه لفصل القضية عن بعدها الديني وتفسيرها تفسيرا سياسيا أرضا محضا، هذا العمل باء بالفشل وبدأ الجميع يدرك أن الصراع قائما على مقدسات الأمة الإسلامية المراد طمسها وتهويدها.
الأحداث المباركة والتحالف المخزي ومباركة جرائم العدو الصهيوني من قبل الغرب يضرب عرض الحائط كل مزاعم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي يتبجح بها الغرب ودراريه في أوطاننا، لقد تكشفت حقيقة الحضارة الغربية واتضح جليا أن الروح اليهودية المؤسسة على التمركز حول الذات واعتبار الآخرين مجرد عبيد وخدم، هذه الروح سكنت الغرب كله وأصبحت موجها.
أن الداعين لما يسمى بالحوار الحضاري والتقارب الحضاري قد بينت الأحداث الأخيرة تهافت دعواتهم، فالغرب واحد منظومة واحدة تفهم لغة القوة والمواجهة، الغرب المستعد أن يتحالف مع الشيطان لضرب كل ما هو عربي مسلم.
المعركة مستمرة، والمواجهة مع العدو مفتوحة لن تنتهي حتى يأذن الحق عز وجل بالنصر والتمكين وزوال الكيان واندحاره، المواجهة مستمرة ومستمر معها الكشف والفضح ورفع القناع عن الغرب المنافق الذي يعمل اليوم عكس ما رفع ويرفع من شعارات من زمن بعيد. يستمر انفضاح المتآمرين من بني جلدتنا.
أخيرا وليس آخرا وهذا الأهم، المعركة أذكت في قلوبنا يقينا في وعد الله بالنصر والتمكين، الأيام دول جُعلت بين الناس يوم لنا ويوم علينا، صحيح أن الضريبة باهظة والجرح غائر لكن سنة الله في عباده الصالحين أن يمحصهم ويبتليهم ويتخذ منهم شهداء حتى يتحقق الوعد الصادق بالنصر والتمكين للمؤمنين.