دور الحوار والتفاوض والحجاج في إدارة العلاقات الدولية(أبو بكر العزاوي)_1_
مقدمة: تحديد المفاهيم:
عندما يتعلق الأمر بموضوع العلاقات الدولية، فإننا نستعمل مفاهيم ومصطلحات عديدة من قبيل الدول والمنظمات الدولية والمجتمع الدولي والعلاقات الدولية والدبلوماسية والتفاوض والنظام الدولي والسياسة الدولية وغيرها.
فما هي العلاقات الدولية؟ وماهي الدبلوماسية؟ و ما هو التفاوض؟
مفهوم العلاقات الدولية قدمت له تعريفات عديدة، يمكن ان نذكر بعضها على سبيل التمثيل لا الحصر، فهناك من قال إنها تفاعلات تتميز بأن أطرافها او وحداتها السلوكية هي وحدات دولية، ولا يعني هذا اقتصار الفاعلين الدوليين على الدول، وهي الصورة التقليدية النمطية التي كانت سائدة في العقود السابقة. فقد، يكون الفاعلون الدوليون دولا، أوغير ذلك. ويرى آخرون ان العلاقات الدولية هي العلاقات بين الدول. وهذا العلم يهيم بالبحث عن انواع الدول، وانماط العلاقات بينها، ودور الجماعات والافراد في صنع السياسة الخارجية، واتخاذ القرار في هذه الدول، وهناك تعريفات أخرى.
وعلى العموم، فإن العلاقات الدولية مفهوم واسع وشاسع، لا ينحصر في العلاقات الرسمية بين الدول، ومن ثم في علاقات القوى بين الوحدات السياسية في العالم، وإنما يشمل أنماطا عديدة ومتنوعة من العلاقات القائمة بين الدول، بل بين كل الجماعات التي تهم المجتمع الدولي، ومن ثم، فإنه يشمل العلاقات السياسية والدبلوماسية والتجارية والثقافية وغيرها، السياسية وغير السياسية، الرسمية وغير الرسمية. ونشير بهذا الصدد إلى أن مفهوم العلاقات الدولية أعم وأشمل من مفهوم السياسة الدولية، فالمفهوم الأول مجاله واسع، إنه يشمل كل صور العلاقات بين الدول والمجتمعات والأمم والشعوب والجماعات الحاضرة والموجودة في الساحة الدولية، أو التي يضمها المجتمع الدولي.
موضوع العلاقات الدولية، موضوع بالغ الأهمية، ولهذا السبب، اقترح الباحثون والدارسون والمهتمون بهذا العلم، نظريات عديدة، منها النظرية المعيارية، والنظرية الأبستمولوجية (الوضعية وما بعد الوضعية)، وغيرها.
أما مصطلح “الدبلوماسية”، فهو مصطلح مرتبط بشكل كبير بمصطلح “العلاقات الدولية”. وقد قدمت تعريفات عديدة لهذا المصطلح، يهمنا ان نذكر البعض منها هنا، وخاصة التي لها صلة قوية بموضوع هذا البحث. الدبلوماسية، حسب بعض المصادر والوثائق الفرنسية التي ظهرت في القرن التاسع عشر، هي: “أن تفاوض، أو على الأقل أن تبقى على الوضع الراهن، وبعبارة اخرى، أن تقوم بين الدول علاقات ليست من قبيل المجاملة والبروتوكول، ولكنها تتمتع بالإيجابية والنشاط، هذا هو دور الدبلوماسية.
لقد كان مصطلح الدبلوماسية، ممتزجا بمصطلح المفاوضة أو التفاوض، في عهد الثورة الفرنسية، حتى اصبح لفظ دبلوماسية يعني التفاوض، ولفظ الدبلوماسي يعني المفاوض. ومعلوم أن مصطلح “الدبلوماسية” لا ينحصر معناه في التفاوض، وإنما يشمل أمورا عديدة. نعم التفاوض، جانب أساسي ومهم، من عمل الدبلوماسي، وهو أيضا ابرز معاني ودلالات مصطلح الدبلوماسية. ويمكن أن نذكر، بهذا الصدد، تعريفا مشهورا لموضوع الدبلوماسية، وهو التعريف الذي قدمه برادييه فودريه، إذ يقول: “الدبلوماسية هي فن تمثيل الحكومة، ومصالح الدولة قبل الحكومات والبلاد الاجنبية، ومراقبة حقوق الوطن، ومصالحه وكرامته حتى لا تمس في الخارج، وكذلك إدارة الشؤون الدولية، وإدارة المفاوضات الدبلوماسية، أو تتبعها وفقا للتعليمات الصادرة بشأنها.
و واضح أن هذا التعريف واسع وشامل، فهو يشمل مفهوم التفاوض، ويشمل معاني ودلالات أخرى.
ومصطلح الدبلوماسية له معان كثيرة:
معنى المهمة، أي الانتماء إلى السلك الدبلوماسي.
معنى الدهاء واللباقة والكياسة، فيقال: “فلان دبلوماسي”
معنى التفاوض، فإذا قلنا: إننا سنحل مشكلا، أو نزاعا معينا، بالوسائل والطرق الدبلوماسية، فإن الذهن ينصرف عادة، إلى مسالة التفاوض أو المفاوضات (les négociations)، التي يقوم بها الممثلون الدبلوماسيون، دون غيرها من الوسائل السياسية السلمية والودية التي يلجأ إليها لفض المنازعات، مثل الوساطة والتوفيق والمساعي الحميدة وغيرها.
د. معنى السياسة الخارجية: ( الدبلوماسية المغربية، الدبلوماسية الفرنسية..).
من خلال هذا الجرد لمعاني ودلالات مصطلح “الدبلوماسية”، نلاحظ الترابط الوثيق الموجود بين مصطلحي التفاوض والدبلوماسية، فبينهما نوع من الترادف، وبينهما نوع من التعاوض (l’interchangeabilité) في بعض السياقات. و يتجلى هذا الترابط والتفاعل والتكامل كالتالي: فإذا كانت الدبلوماسية تمثل إحدى أدوات السياسة الخارجية (وأيضا العلاقات الدولية)، فإن التفاوض، يشكل هو الآخر، أحد الوسائل والأدوات المهمة التي تقوم عليها الدبلوماسية. فنجاح الدبلوماسي في عمله، وفي المهام الموكولة إليه، رهين بإتقانه لعلم، أو فن التفاوض، وإلمامه بقواعده وضوابطه وآدابه، ولا يعني هذا، أن التفاوض، هو الآلية والوسيلة الوحيدة التي يلجا إليها الدبلوماسي، ولكنه بالنسبة إلينا هي الوسيلة الأفضل التي ينبغي أن يعتمدها أعضاء السلك الدبلوماسي. ويرى عز الدين فودة: “أن هناك وسائل وعناصر أخرى للدبلوماسية بخلاف المفاوضة، منها الضغط والتهديد، وشن حملات التأثير والدعاية في الداخل والخارج، ومنها تحسس نقاط الضعف في الخصوم، ودعوتهم وإرغامهم أو إغرائهم بالجلوس إلى مائدة المفاوضات لإملاء المخطط السياسي المرسوم عليهم من مركز القوة، ومنها تكوين الأحلاف العسكرية والسياسية، وعقد المؤتمرات والاشتراك فيها، فضلا عن جمع المعلومات الدقيقة، واستخدام وسائل التخابر السرية من أجل دراسة المواقف وتحليلها ووزنها، والحكم عليها كجزء من المخطط السياسي للدولة”.
ويبدو أن وسيلة التفاوض، بما يعنيه هذا من اعتماد الحوار والنقاش والتواصل والإقناع، وإبداء الراي، والبحث عن إمكانيات التفاهم والأخذ والعطاء، للوصول إلى الاتفاق، ولإيجاد الحلول المثلى أو الوسطى على الأقل، لمختلف المشاكل والأزمات والنزاعات القائمة، ليست هي الغالبية، وليست هي المنتشرة. إن الدبلوماسيين وخاصة المنتمون منهم إلى الدول العظمى، غالبا ما يهملون مسألة التفاوض، ويلجؤون بالمقابل إلى الوسائل الأخرى التي ذكرناها آنفا، إن الدبلوماسية كما يذهب إلى ذلك مؤلف كتاب: ” ما الدبلوماسية؟ ” : { قد أصبحت نسبيا، أسلوبا من أساليب الإملاء والإرغام dikataduress ، الأمر الذي لا يولد استقرارا في العلاقات الدولية، و إنما يسبب قلقا وامتعاضا يتيح للطرف المضاد الانتقاض على خصمه لدى أي بادرة تسنح بذلك، فبينما يصبح استخدام المفاوضة التي لا تضع الخصم في مركز يستطيع التراجع عنه بمثابة استخدام أسلوب الدبلوماسية الناجحة، قد يصبح استخدام الاساليب الأخرى سببا من أسباب قطع المفاوضات، أو نقض الاتفاق، فهذه الأخيرة قد يتهيأ لها استخدام أسباب التأثير، ولكنها قد تفشل في تحقيق عناصر الإقناع والاستقرار}.
فالتفاوض، بما يقوم عليه من تواصل وحوار ونقاش يؤدي إلى الإقناع والاقتناع، وهذا يؤدي بدوره إلى السلم والاستقرار، أما الوسائل الأخرى، فتؤدي إلى التأثير والإذعان والاستسلام، والتأثير هنا مرادف للإرغام و الإملاء والإلزام.
لقد حاولنا فيما سبق، إظهار العلاقة القائمة بين التفاوض والدبلوماسية والسياسة الخارجية والعلاقات الدولية، وهي علاقة قائمة على الترابط والتكامل والتراتبية والتبعية، وبعبارة أخرى فإن التفاوض يعد أهم الوسائل والآليات التي تقوم عليها الدبلوماسية الماهرة والناجحة، وتعد الدبلوماسية من أهم أدوات ووسائل السياسة الخارجية، والعلاقات الدولية وسنركز فيما يلي على أهمية اللجوء إلى التفاوض أو المفاوضات بمختلف أشكالها وأنماطها ونبين مختلف الوسائل والآليات التي يمكن بواسطتها ومن خلالها تطوير عملية التفاوض ونقصد هنا الآليات والقواعد الحوارية، والتقنيات والوسائل الإقناعية و الحجاجية.