دور الحوار والتفاوض والحجاج في إدارة العلاقات الدولية(أبو بكر العزاوي)_3_
والتفاوض هو نمط من أنماط الحوار، يسعى من ورائه المفاوض، إلى إقناع الطرف الآخر، والتأثير فيه، ولذا يلجأ إلى آليات الحجاج، وتقنيات الإقناع والاستدلال، وبدون اعتماد الآليات الحجاجية والإقناعية، والقواعد والضوابط الحوارية والتأدبية، فإنه لن ينجح في مهمته ولن يحقق الهدف المنشود.
لقد أفرزت اللسانيات الحديثة، واللسانيات التداولية بالخصوص، نظريات حوارية، ونظريات حجاجية مهمة ومفيدة، تضبط عملية إجراء الحوار والنقاش والتفاوض، وتعمل على إنجاح عملية الحجاج والاستدلال والإقناع، وتمكننا أيضا من تدبير الاختلاف، ورفع الخلاف، وإيجاد الحلول لكل أنماط المشاكل والنزاعات والأزمات الفردية والاجتماعية والدولية.
والدليل على أهمية الحوار، (والتفاوض نمط من أنماط الحوار)؛ وتزايد الاهتمام به في الفترات والعقود الأخيرة، هو كثرة النماذج والنظريات الحوارية التي اقترحها العلماء والباحثون في مجال اللسانيات والفلسفة والإثنوميتودولوجيا والأنثروبولوجيا وعلم اللغة الاجتماعي وغيرها، وكان القصد يتجه إلى استخراج القواعد والضوابط والمبادئ العامة التي تحكم عملية إجراء الحوار، وتضبط تطوره وتناميه، بعض هذه القواعد والمبادئ له طابع لغوي، وبعضها الآخر، له طابع تأدبي أخلاقي.[1]
لقد مر التنظير والتقعيد للحوار بمراحل عديدة. وقد كان أول نموذج اقترح في هذا السياق، هو نموذج بول غريز (P , Grise )، والذي يمثله البحث الذي كتبه بعنوان: ( المنطق والحوار )، سنة 1975. واقترح فيه مبدأ تخاطبيا عاما، سماه: (مبدأ التعاون الحواري)، مضمون هذا المبدأ هو كالتالي: (لتكن مساهمتك في الحوار الذي تشارك فيه، بحسب ما يقتضيه الغرض من الحوار، وعلى الوجه المطلوب). وتتفرع عن هذا المبدأ العام، قواعد فرعية هي: (قاعدة الكم، قاعدة الكيف، قاعدة الورود والمناسبة، قاعدة الجهة). وقد عبرنا عن مبدأ التعاون الحواري بصيغة أخرى، فقلنا: (ما لم يتعاون المتحاوران، أي المتكلم والمخاطب، على إنجاح الحوار، فلن يكون هناك أي حوار). وقد وجهت انتقادات كثيرة إلى النموذج الحواري الذي اقترحه غرايس، لأنه اقتصر على ذكر القواعد اللغوية، وأهمل القواعد التأدبية، وهو ما تكلفت به النماذج الحوارية اللاحقة:
ـ نموذج روبين لايكوف (R. Lokoff) ، الذي أضاف مبدأ حواريا مهما هو: (كن مؤدبا).
ـ نموذج بروان ولفنسن، وهو يقوم على مبدأ التواجه ((la theorie de face à face ، ويعبر عنه بالشكل التالي: (لتضن وجه مخاطبك).
ـ نموذج ليتش (leech)، ويقوم على مبدأ التأدب الأقصى.
وهناك نظريات ونماذج حوارية أخرى، هذه النماذج والنظريات، ساهمت في وضع مبادئ وقواعد حوارية وتخاطبية وتأدبية مهمة ومفيدة، تضبط عملية إجراء الحوار، وتحكم سيره وتطوره وتناميه، بحيث يحقق الهدف المطلوب، والغاية المنشودة.[2]
وإذا عدنا إلى نظريات التفاوض، نجد أنها خصصت هامشا ضيقا لكل ماله علاقة بضوابط وآداب الحوار، ومجالا محدودا لكل ماله صلة بآليات وتقنيات الحجاج والإقناع والاستدلال، وأسهبت في الحديث عن المهارات الأخرى، وأغفلت الجانب الأهم، والأكثر فعالية ومردودية، وهو المتعلق بضوابط الحوار والحجاج والإقناع. إننا نعتقد أن اعتماد النظريات الحوارية والحجاجية، كفيل بتطوير عملية التفاوض، وجعلها أكثر فعالية ومردودية، وتمكينها من تحقيق الغرض المطلوب، والشيء نفسه نقوله عن الحجاج l’argumentation))، وعن الإقناع والاستدلال والاستنتاج والتعليل والتبرير.
ويعرف الحجاج بأنه تقديم مجموعة من الأدلة والحجج التي تخدم نتيجة ما، أو قضية معينة، وهو منطق اللغة، وهو أيضا الاستدلال الخاص باللغة الطبيعية، والخطاب الطبيعي بمختلف أنواعه:(ديني، سياسي، دبلوماسي، قانوني، اقتصادي، فلسفي، أدبي، …الخ).[3]
وقد أنتج الباحثون والدارسون، في الفترة الأخيرة، نماذج ونظريات حجاجية عديدة، وخاصة بعد الانطلاقة الأساسية التي يرجع الفضل فيها إلى الفيلسوف البلجيكي شاييم بيرلمان (Ch. Perlman) ، نذكر من هذه النظريات ما يلي: [4]
ـ نظرية الحجاج البلاغي، أو البلاغة الجديدة لشاييم بيرلمان.
ـ نظرية الحجــــــــاج اللغوي للســـاني الفرنسي أزفالد ديكـــــــــرو (O. Ducrot).
ـ نظرية الحجاج التداولي الجدلي: فان إيميرين.
ـ نظرية الحجاج المنطقي؛ جان بليز غريز J. B) Grise).
ـ نظرية ستيفان تولمين (S. Toulmin)
وقد مكنتنا هذه النظريات والنماذج من الاطلاع على عدد هائل من الآليات والتقنيات الحجاجية، وعلى كم مهم من الأدلة والحجج اللغوية والبلاغية والمنطقية.
ومن الأكيد، أن المفاوض، إذا درس هذه النظريات الحوارية والحجاجية والإقناعية، وألم بكثير من قواعدها ومبادئها وتقنياتها، ووظفها في مفاوضاته السياسية، أو الدبلوماسية، فإنه سينجح في مهمته بشكل كبير، ويحفظ مصالح بلده، ويحقق الهدف المطلوب، ويصل إلى التسوية السليمة، والاتفاق المنشود.
المهارات الأخرى، ونقصد بها، المهارات غير اللغوية، مطلوبة أيضا، ولها أهميتها، ولكننا ندعو إلى الجمع بين المهارات اللغوية (الحوارية والتخاطبية والحجاجية والتداولية)، والمهارات غير اللغوية، ليكون التفاوض ناجحا ومقنعا، ويكون العمل الدبلوماسي ناجحا ومحققا للهدف المنشود.
الحوار والحجاج والاختلاف:
سنحاول في هذا المبحث أن نبين العلاقة القائمة بين الحوار/ التفاوض والحجاج والاختلاف والخلاف. والعلاقة بين هذه المصطلحات والمفاهيم علاقة واضحة، والترابط والتكامل بينها جلي وصريح. وهناك قولة شخصية لكاتب البحث، منشورة في أمكنة عديدة، مفادها ما يلي: ( لولا الاختلاف ما كان الحوار، ولولا الحوار ما كان الحجاج، والحجاج يعمل على إنجاح الحوار، وتدبير الاختلاف، ورفع الخلاف)،[5] فالاختلاف إيجابي، وأمر طبيعي وعادي، أما الخلاف فهو سلبي، ويجب رفعه وإزالته، ندبر الاختلاف، ونرفع الخلاف، ونقصد بالخلاف هنا، النزاعات والصراعات والمشاكل والأزمات بمختلف أنواعها؛ أما الاختلاف فهو أمر طبيعي، الناس مختلفون في كل شيء، في الألسنة والألوان والأجسام، في الأذواق والميول والرغبات، في المصالح والمكتسبات.
إننا نعتقد أن التفاوض بشكل خاص، والحوار بشكل عام، وأيضا الإقناع والحجاج، هو الوسيلة الأفضل، وهو الأداة الفعالة، لحل المشاكل والأزمات الدولية، ورفع الخلافات، ووقف الحروب والصراعات والنزاعات، وخاصة إذا كانت النية صادقة، وكان العزم صادقا وأكيدا.
الدعوة إلى الحوار والتفاوض، والإقناع والحجاج أصبحت ضرورة ماسة وملحة، تفرضها النزاعات والصراعات الحضارية، وتقتضيها الأزمات الدولية، والمشاكل والخلافات العالمية، ولهذا بدأ العلماء والمفكرون والباحثون، بمختلف أنواعهم، يستعملون عبارات وجمل، مثل حوار الحضارات، حوار الثقافات، حوار الأديان، حوار الشمال والجنوب، الحوار الإسلامي المسيحي، الحوار العربي الأوروبي، التواصل الدبلوماسي،الحوار الاجتماعي، وغيرها من التعابير الدالة والمعبرة[6]، وهم يقصدون أن تعوض هذه العبارات جملا وعبارات أخرى وهي: صدام الحضارات، صراع الشمال والجنوب، الحروب الحضارية، النزاعات الدولية وغيرها، فحيث يكون النزاع والصراع والصدام، ينبغي أن يكون التفاوض والحوار والتواصل والنقاش والجدال والحجاج والإقناع، لإيجاد الحلول وتحقيق التوافق. إن الحوار والتفاوض والحجاج، تعد من أهم الوسائل والأساليب الإنسانية والحضارية لوقف الحروب والفتن والصراعات والنزاعات المجتمعية الدولية بمختلق أنماطها، وتحقيق التوافق والتآلف والتراضي والانسجام[7].
لقد طالب الفيلسوف الفرنسي روجي غارودي في كتابه: (حوار الحضارات)، بالاتجاه نحو حوار حضاري حقيقي، يعالج جوانب النقص والقصور والمشاكل والأخطار التي ارتكبتها حضارة الغرب في حق الإنسانية، ويدعو في كتابه هذا، إلى ضرورة إعطاء الحضارات غير الغربية المكانة التي تستحقها، والأهمية المناسبة والملائمة، وهذا على الصعيد الإنساني والعالمي.[8]
وينبغي أن يرتبط التفاوض والحوار والحجاج والإقناع، بقبول الاختلاف، وقبول الآخر، كيف ما كان لونه ومعتقده وفكره، وكيف ما كانت ثقافته ولغته وحضارته وعاداته. ومن المعلوم، أنه عندما يقع الاختلاف، أو الخلاف، في قضية من القضايا الدولية: قضايا سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، ويشتد الصراع والنزاع، ويحتد الاختلاف والخلاف، فإنه عادة ما يلجأ إلى أساليب ثلاثة هي: التفاوض والحوار، أو التعايش، أو الحرب. والتفاوض والحوار والإقناع أفضل هذه الوسائل وأرقاها، فإذا كان التفاوض الأول ناجحا وموفقا، زال الخلاف، وحل محله الوفاق والاتفاق، وإذا لم تنجح المحاولة الأولى، فإننا نكون مضطرين إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى، أي إلى التحاور والتفاوض مرة ثانية وثالثة، إلى أن يزول الخلاف، ويحصل التراضي والاتفاق، وخلال هذه المرحلة التفاوضية، والجولات التحاورية، يحصل نوع من التعايش والسلم، تحصل هدنة مؤقتة، لكن قد يصل الخلاف والنزاع إلى أقصاه، فلا ينفع الحوار ولا يجدي التفاوض، فتقع الحرب بمآسيها وكوارثها وآثارها السيئة على الأفراد والجماعات والدول.[9]
ونقول بهذا الصدد، إنه عندما تكون الرغبة قوية، والنية صادقة، في الحوار والتفاوض، وإيجاد الحلول المرضية للجميع، فإننا نصل في النهاية إلى التراضي والاتفاق، أي تدبير الاختلاف، ورفع الخلاف، ووقف الصدام والنزاع، ووضع حد للصراع.
ونحن نميز بين الاختلاف والخلاف[10]، الاختلاف سنة كونية، وهو طبيعة من طبائع البشر، والناس مختلفون في كل شيء، ومصدره اختلاف المصالح المادية والاقتصادية والاجتماعية، والسياسية، وأيضا اختلاف المرجعيات الفكرية والدينية والحضارية وغيرها، وهذا يؤدي طبعا إلى اختلاف وجهات النظر، واختلاف الرؤية والنظرة العقلية، ويؤدي إلى تباين في التحليل والتفسير والتقدير والتأويل والتعليل.
ولقد وردت كلمة الاختلاف بمشتقاتها أكثر من ثلاثين مرة في القرآن الكريم، وألف العلماء والمفكرون والباحثون الأقدمون والمحدثون، وفي كل المجالات العلمية والفكرية، كتبا ومصنفات عديدة، حول موضوع الاختلاف.[11]
وما يعنينا هنا بالخصوص، وما حاولنا أن نبينه بنوع من التفصيل، هو العلاقة القائمة بين التفاوض والحوار والإقناع والحجاج والاختلاف من جهة، وبين هذه الآليات والمهارات والعمل الدبلوماسي والعلاقات الدولية من جهة أخرى.
وقد بينا في بحث سابق بعنوان: ( سلطة الكلام وقوة الكلمات) [12] مسألة سلطة اللغة، وقوة الكلام، وهو موضوع كتب عنه القدماء والمحدثون، وفي ميادين وحقول فكرية ومعرفية عديدة ومتنوعة، تشمل الفلسفة واللسانيات وعلم الاجتماع والأنتروبولوجيا والإتنولوجيا وغيرها. واعتمدت في هذا البحث على النظريات اللسانية التداولية، وخاصة نظرية الأفعال اللغوية، ونظرية الحجاج في اللغة لمؤسسها أزفالد ديكرو، لأبين القوة التي للكلام، والسلطة التي يمارسها المتكلم على المخاطب من خلال مصطلح: (القوة الإنجازية) (La force illocutoire)، التي درستهــــــــا نظرية الأفعـــــــــال اللـــــغوية، ومصطلح (القوة الحجـــــاجية) (La force argumentative). وموضوع سلطة الكلام تحدث عنه اللسانيون والنقاد والأدباء والفلاسفة وعلماء الاجتماع وغيرهم.[13] وفي هذا السياق، يقول جورج تشامبان: (ما أقوى النفوذ الذي تحدثه الكلمات في مواضعها الصحيحة)، ويقول بيار كلاستريس: (تضمن ممارسة السلطة السيطرة على الكلمات، وحده الملقي يستطيع الكلام. وثمة علاقة وطيدة تربط الكلمة بالسلطة، لدرجة أن إحداها تتحقق في الاستيلاء على الأخرى، وحماية الكلمة مهمة جوهرية للحفاظ على السلطة). وهذا الكلام أكده الناقد الفرنسي رولان بارط بقوله: (إن للغة وظيفة واحدة، هي ممارسة السلطة على الإنسان وليس للتواصل معه، فأن نتكلم، أو بالأحرى أن ننتج خطابا، ليس هو أن نتواصل كما يردد غالبا، بل أن نسود ونسيطر). وهذا يتفق مع ما يقوله أستاذنا أزفالد ديكرو، عالم التداوليات، وصاحب نظرية الحجاج اللغوي: (إننا نتكلم عادة من أجل التأثير).[14]
ولهذا نرى أنه أن الأوان لتطوير مهارة التفاوض بوصفها جوهر العمل الدبلوماسي، وبوصفها تقوم على الحوار والإقناع والحجاج، ونرى أنه ينبغي نستفيد من مكتسبات اللسانيات الحديثة، وخاصة النظريات الحوارية، والنظريات الحجاجية.
ولقد أشار كثير من الباحثين إلى تطور العمل الدبلوماسي، بسبب تطور الظروف الاجتماعية والسياسية والدولية، وأيضا تطور مفهوم الدبلوماسية، ولهذا: (كان لابد من ظهور نوع جديد من الدبلوماسية، أصبحت مهمته أكثر وأبعد من مجرد إقامة العلاقات الدبلوماسية الودية التقليدية بين الدول. وهذه المهمة، بلا شك قائمة كعنصر تقليدي من عناصر الوظيفة الدبلوماسية، ولكن الوظيفة الدبلوماسية قد دخلت في طور آخر، يقوم على الإقناع، والعمل على أن يفهم كل طرف الآخر أكثر فأكثر).[15]
وهذا المفهوم الجديد للوظيفة الدبلوماسية، والعمل الدبلوماسي، يفرض على الدبلوماسي المفاوض، الإلمام بالتقنيات والآليات الحوارية والحجاجية والإقناعية، التي توصلت إليها النظريات الحوارية والحجاجية الحديثة، والأدبيات اللسانية والتداولية الجديدة.
أضف إلى ذلك، انتشار ما يعرف بحرب الدعاية السياسية، وانتشارها في الساحة الدولية، واعتمادها من قبل المنظمات الدولية. ويرى عز الدين فودة أنه: (أصبحت لوظيفة الدبلوماسي الخطيب أهميتها من جديد، كما كانت من قبل في عصر اليونان، ليس هذا فحسب، بل أصبح رجل الحجة والمنطق.) [16].
لقد أصبح الكل يدعو الآن إلى تغليب فض النزاعات بالطرق الدبلوماسية، والوسائل السلمية، مثل التفاوض والوساطة والتوفيق والمساعي الحميدة، بل هناك من رأى أن أسلوب التفاوض ينبغي أن يكون الوسيلة الوحيدة لحل المشاكل والنزاعات والأزمات الدولية. والحقيقة أن التفاوض بوصفه أسلوبا يقوم على الحوار والإقناع والحجاج، هو أرقى الوسائل الدبلوماسية، وأفضلها على الإطلاق، فالعنف والإرهاب والإرغام لا يلجأ إليها إلا العاجز، والذي لا يستطيع التحاور والتفاوض، ولا يقدر على الحجاج والإقناع. العنف ترفضه الديانات كلها، وترفض المبادئ والقيم الإنسانية، وترفضه الفطرة البشرية، وترفضه الدول والحضارات والمجتمعات الراقية والمدنية، الإنسان، -كما قلنا في مناسبات عديدة- كائن حواري، كائن حجاجي، يحيا بالحوار، وداخل الحوار، ولا يلجأ إلى السلاح المادي، أي سلاح الدبابات والصواريخ والقنابل، إلا الإنسان العاجز. ينبغي أن نلجأ إلى سلاح اللغة والبيان، وسلطة الإقناع والحجاج، وأسلوب الحوار والتفاوض والنقاش، فمن انتصر عليك بالبيان، وغلبك بالحجة والدليل، فقد انتصر عليك انتصارا مبينا.
لقد بينا خلال هذا البحث، أهمية اللجوء إلى التفاوض والحوار والحجاج، لحل المشاكل والنزاعات والأزمات الدولية، وتدبير السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، وأهمية تطوير مهارات التفاوض، بالاستفادة من منجزات اللسانيات الحديثة.
وبالمناسبة، فإننا ندعو إلى تطوير البحوث والدراسات التي أنجزت حول اللغة الدبلوماسية، والخطاب الدبلوماسي، والتواصل الدبلوماسي، والتواصل السياسي، والتفاوض الدبلوماسي، وغير ذلك. لقد أنجزت بحوث وأعمال عديدة حول هذه المواضيع، وبخاصة حول التواصل السياسي، والخطاب السياسي، ولكنها – في نظرنا – غير كافية، ولا تفي بالمطلوب. إن الوضع الحالي بما يعرفه من أزمات ومشاكل ونزاعات مجتمعية ودولية، وبما نشهده من حروب حضارية وثقافية، يفرض علينا، أكثر من ذي قبل، تطوير هذه البحوث المتعلقة بالتفاوض والدبلوماسية (لغة وخطابا وتواصلا). بالاستفادة مما حققته اللسانيات التداولية، واللسانيات المعرفية، ونظريات التواصل، بمختلف أنواعها وأنماطها، حتى يلجأ الجميع إلى الوسائل السلمية، وفي مقدمها التفاوض، لحل المشاكل والأزمات الدولية، وحتى يعم السلم، ويسود الأمن، وينتشر التراضي والوفاق والاتفاق والانسجام، وما ذلك على الإنسان بعزيز.