سوانح إحيائية: من فقه الأمة المُسَوَّمَة: (ميمون النكاز)
[دعوة إلى التحرر من “كَهْفَفَةِ الغرب”، والانبعاث من “مَرَاقِدِ التضليل”][نداء الوحي الشريف إلى نبذ “التَّرَبُّبِ البشري”]
في الوحي الشريف يشمل “العرف الخطابي” الخاص ب(أهل الكتاب) اليهود والنصارى، وفي أحايينَ يُخَصَّانِ بالخطاب الخاص، خاصة في المسائل الخبرية الخاصة بكل طائفة منهم…والجدير بالنباهة أن الوحي الشريف عندما أنبأنا عن “الخلافات البينية” بينهم ذكر كل طائفة بالاسم الخاص لا بالوصف العام الجامع(أهل الكتاب)، كما في قوله تعالى: وَقَالَتِ ٱلیَهُودُ لَیسَتِ ٱلنَّصَـٰرَى عَلَى شَیء وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَى لَیسَتِ ٱلیَهُودُ عَلَى شَیء وَهُم یَتلُونَ ٱلكِتَـٰبَ كَذَ ٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِینَ لَا یَعلمُونَ مِثلَ قَولِهِم فَاللَّهُ یَحكُمُ بَینَهُم یَومَ ٱلقِیَـمةِ فِیمَا كَانُوا فِیهِ یَختَلِفُونَ ١١٣﴾ [البقرة ١١١-١١٣].
هذا صادق على “الخلاف البيني” بينهم، لكن الموقف مختلف عندما يتعلق الأمر بالموقف من المسلمين، نقرأ في الوحي الشريف: ﴿وَدَّ كَثِیرࣱ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ لَوۡ یَرُدُّونَكُم مِّن بَعدِ إِیمَـٰنِكُم كُفَّارًا حَسَدا مِّن عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمُ ٱلحَقُّ فَاعفُوا وَٱصفَحُوا۟ حَتَّى یَأۡتِیَ ٱللَّهُ بِأَمرِهِۦۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَى كُلِّ شَیء قَدِیر}[البقرة١٠٩]كما نقرأ من نفس السياق: ﴿وَقَالُوا۟ لَن یَدۡخُلَ ٱلجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوۡ نَصَـٰرَىٰ تِلكَ أَمَانِیُّهُمۡۗ قُلۡ هَاتُوا۟ بُرۡهَـٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ، بَلَىٰ مَنۡ أَسلَمَ وَجهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحسِن فَلَهُۥۤ أَجرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوفٌ عَلَیهِم وَلَا هُم یَحزَنُونَ}[البقرة ١١١-١١٢]، ومثل ذلك ما في قوله تعالى: {مَّا یَوَدُّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡ أَهلِ ٱلكِتَـٰبِ وَلَا ٱلمُشرِكِینَ أَن یُنَزَّلَ عَلَیكُم مِّنۡ خَیر مِّن رَّبِّكُمۡۚ وَٱللَّهُ یَختَصُّ بِرَحمَتِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلفَضلِ ٱلعَظِیم}[البقرة ١٠٥]…
أما الآية الجامعة لبيان العداء المشترك للمسلمين ففي قوله تعالى: { إِنَّا أَرۡسَلنَـكَ بِالحَقِّ بَشِیرا وَنَذِیراۖ وَلَا تُسـَٔلُ عَنۡ أَصحَـبِ ٱلجَحِیمِ، وَلَن تَرۡضَى عَنكَ ٱلیَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَـٰرَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم قُل إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلهُدَى وَلَئنِ ٱتَّبَعتَ أَهوَاۤءَهُم بَعدَ ٱلَّذِی جَاۤءَكَ مِنَ ٱلعِلمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِیّ وَلَا نَصِیرٍ{[البقرة ١١٩-١٢٠].
رغم “التنافي الوجودي” المتبادل و”الاختلاف الملي الصُّغْرَوي” فيما بينهم، كما تفصح الآية السابقة، فإنهم في مقابلة المسلمين “ملة واحدة” (حتى تتبع ملتهم)، على خلاف تأويلي في مدلول الملة…
من منطلق هذا الواقع الاعتقادي لأهل الكتاب دعاهم القرآن إلى “الكلمة السواء” التي تحاصرهم في “مضيق الحق”:
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) آل عمران64].
الأَشَدُّ إثارة في نص الآية دعوة الوحي الشريف فيها إلى نبذ “التَّرَبُّبِ البشري”، والقادر على تفكيك بنيان الاستكبار والطغيان والإفساد في عالمنا المعاصر يرى كيف يعمل هذا “التَّرَبُّبُ البشري” على تكريس الطغيان والفساد والفوضى والهيمنة والفتن والحروب في العالم…
هذه التقريرات القطعية المستظهرة من الوحي الشريف، والتي يشهد لها الإرث الديني التاريخي لأهل الكتاب -يهودا ونصارى- تنطق بحقانيتها وصدقيتها شواهد التاريخ والسياسة الحديثة، وأمر غزة على ذلك قائم وشهيد، قد عرى المماكرات والمخادعات، وكشف السوءات المرققة والمغلظة…
لذلك أقول لضحايا “التغريب” و”الأحدثة” : استيقظوا من “الكَهْفَفَة”، وعودوا إلى أمتكم، أي إلى “حريتكم”…