المقالات

سيناريوهات الرد الإيراني على اغتيال هنية(محمود البازي)

بعد حادثة اغتيال قاسم سليماني، في يناير/كانون الثاني 2020، حاولت طهران تطوير نسخة جديدة مما يسمى “محور المقاومة” عبر التحول نحو نموذج أقل مركزية وهرمية، ولذلك فقد تم منح الفصائل المنضوية تحت هذا المسمى، حرية أكبر في اتخاذ القرار وتعزيز القدرات العسكرية والاقتصادية. وعلى الرغم من نجاح هذا النموذج في تطوير القدرات العسكرية وتوسيع نفوذ هذه الفصائل في المساحات المحلية التي تنتشر فيها، إلا أن عملية طوفان الأقصى وما تبعها من تعويل إسرائيلي على استهداف القيادات الإيرانية وقيادات حزب الله وضرب القنصلية الإيرانية والاغتيال الجريء الأخير لإسماعيل هنية في قلب طهران، أظهر محدودية فاعلية هذه الإستراتيجية في نطاقها الواسع وأظهر كذلك الحاجة إلى تعديل في العقيدة العسكرية الإيرانية لفرض مزيد من الردع على إسرائيل.

وكشكل مواز لمحاولات تطبيع إسرائيل عمليات الاغتيال عاملًا عسكريًّا مستقبليًّا في صراعها مع إيران ومحور المقاومة، مع الحفاظ على عدم الانخراط بحرب مفتوحة، فإن إيران تعمل في ذات الوقت على تطبيع التحول من ضرب الساحات الرمادية والجانبية لإسرائيل إلى استهداف المدن الإسرائيلية بشكل مباشر وأيضًا من دون الانخراط بحرب كلاسيكية. وتشير هذه المرحلة الجديدة في صراع الطرفين إلى تصعيد خطير؛ حيث يعمل كل جانب على تكييف إستراتيجياته للتغلب على الآخر في لعبة جيوسياسية عالية المخاطر وقريبة من حافة الهاوية.

رايات الانتقام

في 31 يوليو/تموز 2024، أعلن الحرس الثوري الإيراني اغتيال الشهيد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. وبحسب وكالة فارس للأنباء، فإن اغتيال إسماعيل هنية حدث حوالي الساعة الثانية منتصف الليل إثر مقذوف أُطلق من الجو استهدف محل إقامته في أحد المساكن الخاصة بقدامى المحاربين شمالي العاصمة طهران(1). ووقعت عملية الاغتيال بعد مشاركة هنية في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد،​​​​ مسعود بزشكيان. ولم يفصح الحرس الثوري عن تفاصيل عملية الاغتيال أو طريقة تنفيذها.

في مصلى جامعة طهران، وهو المكان المخصص لصلاة الجمعة وتشييع القيادات العسكرية الإيرانية، أقام المرشد الإيراني صلاة الجنازة على إسماعيل هنية، وسط هتافات متكررة من المشاركين في الصلاة الذين رددوا شعارات: “الموت لأمريكا” و”الموت لإسرائيل”. وبعد ذلك تم تشييع هنية في شارع الثورة انتهاء بميدان الحرية الذي له دلالات إيرانية تشير إلى شعارات الثورة الأولى وانتصارها.

استنكر أغلب القيادات العسكرية والسياسية الإيرانية حادثة الاغتيال وتوعدوا بالرد القاسي، ونشر المرشد الإيراني علي خامنئي بيان تعزية باستشهاد إسماعيل هنية. وبحسب البيان، فقد اعتبر خامنئي أن الحادثة تعد انتهاكًا للأراضي الإيرانية وعدَّ الانتقام له واجبًا إيرانيًّا، كما أكد خامنئي: “أن النظام الصهيوني المجرم والإرهابي بهذه العملية قد وفَّر الأرضية لعقابه بشكل حازم”(2). وأشار الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، إلى أن إيران تنعى شريكها في الأحزان والأفراح، رفيق درب المقاومة الدائم وقائد المقاومة الفلسطينية الشجاع، شهيد القدس، الحاج إسماعيل هنية.

وبعد انتهاء صلاة الجنازة، بدأت إيران في صياغة ردها على عملية الاغتيال التي يعتبرها الكثير من المحللين الإيرانيين عملية انتهاك كبيرة للأراضي الإيرانية قد تفوق في حجمها عملية اغتيال قاسم سليماني حتى، ولذلك لا تظهر بوادر تردد أبدًا في عملية الرد القادم.

عقب اغتيال إسماعيل هنية، رُفعت الراية الحمراء والتي كُتب عليها “يالثارات الحسين”، فوق قبة مسجد جمكران في مدينة قم الإيرانية، هذه الراية تشير إلى مطالبات شعبية ودينية واسعة في إيران بالرد الحازم على عملية الاغتيال هذه(3).

ورُفعت هذه الراية لأول مرة فوق قبة هذا المسجد بعد اغتيال قاسم سليماني في العراق، في يناير/كانون الثاني 2020، وبعد ذلك رُفعت كذلك بعد ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق، في أبريل/نيسان 2024.

أميركيًّا، وعلى عكس حادثة اغتيال فؤاد شكر، القائد العسكري في حزب الله والتي أشارت الولايات المتحدة بشكل مباشر إلى إعلام إسرائيل لها بالعملية قبل تنفيذها، أنكرت واشنطن بسرعة أي علم مسبق بعملية اغتيال إسماعيل هنية في طهران(4). وكان هذا النفي إستراتيجيًّا؛ حيث هدفت واشنطن إلى الحفاظ على قناة دبلوماسية مع طهران، سعيًا إلى تهدئة الانتقام الإيراني المحتمل ضد إسرائيل. ويوضح النهج الأميركي في هذا السيناريو توازنًا دقيقًا بين دعم حليفتها إسرائيل ومحاولة منع تطور الأحداث إلى حرب مفتوحة قد تنجرُّ لها الولايات المتحدة، وذلك من خلال ممارسة تدخلات دبلوماسية عبر وسطاء بين طهران وواشنطن. وكانت هذه الطريقة في إدارة الحوادث الدولية واضحة أيضًا في أعقاب استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق؛ حيث نأت الولايات المتحدة بنفسها مرة أخرى عن المعرفة المسبقة بالهجوم.

سيناريوهات الرد الإيراني

في ظل اغتيال إسماعيل هنية، الشخصية المهمة والمحورية لإيران والمقربة من مرشدها الأعلى علي خامنئي الذي عدَّ نفسه صاحب الدم وصاحب الانتقام؛ وفي ظل اعتبار إيران بجميع مكوناتها الشعبية والعسكرية والسياسية ما حدث انتهاكًا للسيادة والأراضي الإيرانية، فمن المستبعد بشكل كامل الحديث عن سيناريوهات الرد الضعيف أو الرد السيبراني أو حتى الرد في المساحات الجانبية الأخرى غير الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبناء على ذلك، فإن خيارات إيران الانتقامية تضيق إلى سيناريوهين رئيسيين لا ثالث لهما:

الاستهداف العسكري المباشر والمنفرد

قد يكون العمل العسكري المباشر المنفرد أكثر السيناريوهات المحتملة في رد إيران على إسرائيل. فقد ورد أن المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، دعا إلى توجيه ضربة مباشرة إلى إسرائيل تستهدف كلًّا من تل أبيب وحيفا. ويبدو أن خامنئي طلب من قادة الجيش والحرس الثوري إعداد خطط هجومية ودفاعية لضرب أهداف إسرائيلية عسكرية والتحضر لمواجهة أي عمليات انتقامية(5).

“صحيفة كيهان” الإيرانية المتشددة والمقربة من مراكز صنع القرار، طالبت برد مباشر وسريع لا يستهدف فقط إسرائيل بل يستهدف كذلك القواعد العسكرية الأميركية(6). إلا أن السوابق التاريخية تشير إلى أن إيران لن تتجه إلى توسيع الصراع في اللحظات الأولى بل ستتركز ضرباتها نحو القواعد العسكرية الإسرائيلية فقط.

لابد من الإشارة هنا إلى أن الرد الإيراني سيكون بشكل مؤكد أكبر من عملية الوعد الصادق 1 التي ضربت فيها طهران إسرائيل بنحو 300 صاروخ باليستي وطائرة مسيرة نتيجة قصف القنصلية الإيرانية في دمشق. فقبل أسابيع من حادثة اغتيال هنية، قال الجنرال أمير علي حاجي زاده، قائد القوة الجوية للحرس الثوري الإيراني، في كلمة له: إن إيران تتوق إلى عملية الوعد الصادق 2 والتي سيتجاوز فيها عدد الصواريخ جميع العمليات السابقة ضد إسرائيل والولايات المتحدة(7).

لقد طورت إيران ترسانة هائلة من الصواريخ الباليستية متوسطة وطويلة المدى القادرة على ضرب أهداف في عمق إسرائيل. وتشكل هذه الصواريخ، إلى جانب تكنولوجيا الطائرات بدون طيار المتقدمة، تهديدًا كبيرًا في المنطقة. صاروخ شهاب 3 هو صاروخ متوسط ​​المدى يبلغ مداه حوالي 1300 كيلومتر، وهو أحد الصواريخ الإيرانية الأقدم ولكن الموثوقة، القادرة على حمل حمولات متفجرة كبيرة. ويستخدم صاروخ شهاب 3 محركًا يعمل بالوقود السائل أحادي المرحلة مع مركبة إعادة دخول منفصلة، ​​مما يعزز مداه ودقته. وتمتد النسخة المطورة منه إلى حوالي 1600 كيلومتر. ويبلغ مدى صاروخ عماد الإيراني، مع مخروط أنف مُعاد تصميمه وأنظمة توجيه محسنة، 1700 كيلومتر، مما يجعله قادرًا على ضرب أهداف في جميع أنحاء إسرائيل.

وهناك صاروخ مهم آخر هو صاروخ خرمشهر، الذي اعتمد في تطويره على صاروخ هواسونغ-10 الكوري الشمالي، بمدى يصل إلى 2000 كيلومتر عند حمل رأس حربي يزن 1500 كيلوغرام. ويمكن لصاروخ خرمشهر التهرب من اكتشاف الرادار واختراق الدفاعات الجوية للعدو بسبب بصمته الرادارية المنخفضة، وهو ما يمثل قفزة كبيرة في قدرات الصواريخ الإيرانية. وعلاوة على ذلك، يبلغ مدى أول صاروخ فرط صوتي إيراني، الفاتح، الذي تم الكشف عنه في عام 2023، 1400 كيلومتر ويمكنه التنقل بسرعات تصل إلى 15 ماخ، مع إصدار مطور، الفاتح-2، تم تقديمه في عام 2024 بمدى متزايد يبلغ 1500 كيلومتر.

إن قدرات الطائرات بدون طيار الإيرانية تكمل ترسانتها من الصواريخ الباليستية؛ مما يوفر أداة متعددة الاستخدامات لكل من المراقبة والهجوم. استُخدمت طائرة شاهد-136، وهي طائرة بدون طيار انتحارية بعيدة المدى يبلغ مداها حوالي 2000 كيلومتر، على نطاق واسع وهي معروفة بفعاليتها من حيث التكلفة ومسارات الطيران المبرمجة مسبقًا؛ مما يجعل من الصعب اعتراضها. وتعد طائرة مهاجر-6 مركبة جوية بدون طيار متعددة الأدوار وتستخدم لأغراض المراقبة والهجوم، ومجهزة بذخائر موجهة بدقة وقادرة على القيام بمهام طويلة الأمد. يمكن تزويد طائرة أبابيل-3، المستخدمة في المقام الأول للاستطلاع، بالمتفجرات لمهام انتحارية ولديها مدى وتحمل معتدلان. ويمكن لطائرة القدس مهاجر-10، وهي طائرة بدون طيار أكثر تقدمًا ذات مدى وحمولة ممتدة، إجراء مهام طويلة المدى وتستخدم لأغراض مختلفة، بما في ذلك المراقبة والحرب الإلكترونية والضربات الدقيقة.

في الأشهر الأخيرة، أظهرت إيران قدراتها الصاروخية من خلال اختبارات وتمارين مختلفة. على سبيل المثال، في فبراير/شباط 2024، أطلقت إيران صواريخ باليستية بعيدة المدى من سفينة حربية(8)؛ مما أظهر قدرتها على ضرب أهداف على بعد يصل إلى 1700 كيلومتر. وأكد هذا الاختبار قدرة إيران المتنامية على إطلاق الصواريخ من منصات متنوعة، مما يزيد من تعقيد التدابير الدفاعية للخصوم مثل إسرائيل. ونظرًا لهذه القدرات، فإن رد إيران على الاستفزازات الكبيرة، مثل اغتيال إسماعيل هنية، قد ينطوي على مزيج من هذه الصواريخ المتوسطة والطويلة المدى والطائرات بدون طيار المتقدمة. وتمكِّن هذه الأنظمة إيران من ضرب أهداف استراتيجية داخل إسرائيل؛ مما يشكل تهديدًا كبيرًا للاستقرار الإقليمي.

سيناريو الرد المشترك

إن الرد الإيراني أحادي الجانب والمنضبط قد يحقق فائدة مزدوجة؛ فهو من شأنه أن يساعد في استعادة هيبة إيران ويعمل رادعًا مؤقتًا ضد إسرائيل. إن السوابق التاريخية، مثل هجمات الصواريخ والطائرات بدون طيار، في أبريل/نيسان 2024، تثبت قدرة إيران على معايرة ردود أفعالها لتجنب الصراعات واسعة النطاق مع الاستمرار في إظهار قوتها. لقد تسببت هذه الهجمات في أضرار طفيفة بسبب الدفاعات الإسرائيلية الفعالة والتنسيق الدولي؛ مما يشير إلى أن إيران قادرة على الحفاظ على موقعها الإستراتيجي دون التصعيد إلى حرب واسعة النطاق.

إذا ما قررت طهران الاتجاه نحو التصعيد غير المحسوب وغير المنضبط انتقامًا لهنية فقد تبدأ ردًّا مشتركًا ومنسقًا يشمل حزب الله من لبنان والقوات الإيرانية في سوريا والحوثيين من اليمن. هذا الرد المحتمل قادر على تنفيذ هجمات منسقة على المواقع والمصالح الإسرائيلية؛ مما يرفع بشكل كبير من مخاطر اندلاع حرب إقليمية تضم تحالفات متعددة.

حزب الله، الذي انخرط بالفعل في مناوشات متكررة مع القوات الإسرائيلية على طول الحدود، قد يكثف عملياته وينسقها مع هجمات إيرانية صاروخية متزامنة. وفي سوريا، كانت الميليشيات المدعومة من إيران والحرس الثوري الإسلامي نشطة ويمكن أن تشن هجمات من هذه الجبهة. وفي الوقت نفسه، يتمتع الحوثيون في اليمن، الذين تلقوا دعمًا كبيرًا من إيران، بالقدرة على شن هجمات بالصواريخ والطائرات بدون طيار على المصالح الإسرائيلية. وقد أظهر هجوم الحوثيون الأخير عبر مسيرة يافا قدرتهم على ضرب أهداف بعيدة بدقة كبيرة(9)، وهو ما قد يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى الصراع.

من جانبه، اقترح وزير الدفاع الأميركي السابق، مارك إسبر، أن الرد الإيراني المنسق قد ينطوي على مزيج من الضربات الصاروخية والطائرات بدون طيار ضد المنشآت الإسرائيلية، على غرار الاستجابات الإيرانية السابقة. وقد تطغى إستراتيجية الهجوم متعددة الأوجه هذه على الدفاعات الإسرائيلية وتؤدي إلى تصعيد الصراع بشكل كبير.

خاتمة

إن الإستراتيجية الجيوسياسية الإيرانية تجاه إسرائيل تتسم بالصبر والحساب بدلًا من المواجهة الفورية والمباشرة. وقد صاغ المرشد الأعلى، آية الله خامنئي، رؤية يتوقع فيها زوال إسرائيل في غضون 25 عامًا، ليس من خلال ضربة قاضية واحدة، بل من خلال سلسلة من الانتصارات الإستراتيجية التدريجية. وتتوافق هذه الطريقة مع العقائد السياسية والعسكرية الأوسع في إيران، والتي تفضل الحرب غير المتكافئة والتخطيط طويل الأجل على الاشتباكات الخطرة وغير المتوقعة.

إن القدرات العسكرية الإيرانية متجذرة بعمق في الحرب غير المتكافئة. وهذا ينطوي على الاستفادة من التكتيكات غير التقليدية وحرب العصابات والقوات بالوكالة لتآكل قوة ومعنويات خصم أكثر قوة تقليديًّا وعسكريًّا خصوصًا في مجال التسليح الجوي. ويجسد دعم إيران لجماعات مثل حزب الله وحماس هذه الإستراتيجية؛ مما يمكِّنها من ممارسة الضغط على إسرائيل بشكل غير مباشر ومستمر دون الانخراط في حرب مفتوحة. تهدف هذه التكتيكات إلى استغلال نقاط ضعف إسرائيل بمرور الوقت، مما يخلق صراعًا مطولًا يُضعف موقف إسرائيل إقليميًّا ودوليًّا.

إن إيران، بدلًا من السعي إلى تحقيق انتصارات فورية واسعة النطاق، تركز على تجميع مكاسب أصغر ولكنها مهمة تعمل بشكل جماعي على تحويل ميزان القوى. وقد تشمل هذه الانتصارات النفوذ السياسي في البلدان المجاورة، أو التقدم التكنولوجي، أو العمليات الناجحة بالوكالة. وكل نجاح يبني قوة إيران، يعزز بالضرورة إستراتيجيتها طويلة الأجل لعزل وإضعاف إسرائيل. ويضمن هذا النهج المنهجي أن تظل إيران مرنة وقابلة للتكيف، وتجنب فخاخ الخسائر الكارثية وضرب منشآتها النووية وبنيتها التحتية.

في هذا الإطار الإستراتيجي، يظل تطوير القدرات النووية قضية مثيرة للجدال ومتوترة للغاية. إن النخب الإيرانية، وخاصة بعد الانتكاسات الكبيرة مثل اغتيال شخصيات بارزة مثل إسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية، غالبًا ما تدعو إلى إعادة تقييم السياسة النووية الإيرانية. وتؤكد تصريحات كمال خرازي، مستشار المرشد خامنئي ورئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، حول التحول المحتمل في العقيدة النووية الإيرانية على خطورة التهديدات المتصورة للأمن الوطني. وفي حين يؤطَّر السعي إلى الحصول على القنبلة النووية كإجراء دفاعي، فإنه يعمل أيضًا رادعًا قويًّا، ويوضح لإسرائيل والعالم أن إيران مستعدة للتصعيد إذا كان بقاؤها على المحك.

إن إستراتيجية إيران لها آثار عميقة على استقرار الشرق الأوسط. فمن خلال تجنب المواجهة المباشرة والتركيز على المكاسب التدريجية، تحافظ إيران على حالة مستمرة من الصراع منخفض الشدة مما يعقِّد جهود السلام. كما يضغط هذا النهج على اللاعبين الإقليميين الآخرين للاستجابة، مما يخلق بيئة جيوسياسية ديناميكية ومتقلبة في كثير من الأحيان. ومع ذلك، فإن صبر إيران الإستراتيجي يفتح أيضًا السبل للمفاوضات والدبلوماسية؛ حيث يمكن معالجة أهدافها الطويلة الأجل من خلال الحوار المستدام والتنازلات المتبادلة.

إن النهج الذي تنتهجه إيران في التعامل مع صراعها مع إسرائيل يشبه لعبة شطرنج مطولة؛ حيث تكون كل خطوة مدروسة وتهدف إلى تحقيق هدف بعيد. وتعكس هذه الإستراتيجية، فهمًا عميقًا للديناميكيات الإقليمية ونقاط القوة والضعف التي تتمتع بها إيران. وفي حين يظل التحول المحتمل نحو القدرات النووية يشكل تهديدًا وشيكًا، فإنه يشكِّل جزءًا من استراتيجية معقدة ومتعددة الأوجه تهدف إلى ضمان نفوذ إيران وبقائها في منطقة تزداد اضطرابًا يومًا بعد يوم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق