في إشكالية تطور الدولة في المغرب: (محمد شقير)_3_
ثانيا : النظرة الايديولوجية
رغم تجاوز حركات للمنظور التقليدي في تحديد بداية التاريخ السياسي للمغرب ، فقد بقي متشبثا بخلفية إيديولوجية ضمنية حافظت على الربط بين نشأة الدولة في المغرب و ظهور الأدارسة. ويظهر هذا واضحا من خلال مسألتين أساسيتين :
_ المسألة الأولى : اعتبار ” الممالك البربرية” التي سبقت الفتح العربي-الإسلامي – للمغرب أشكال سـيـاسـيـة بـدائـيـة لـم ترق إلى ” دولة ” ؛ بل بقيت عبارة عن “ممالك” تخضع للاحتلال الأجنبي قرطاجة أو الرومان) . وهكذا يشير حركات إلى بعض الملوك المغاربة دون التركيز عليهم ؛ أو يذكرهم ضمن ملوك الشمال الافريقي . و في هذا الاطار يلمح إلى باخوس الأول و يوغورطا حيث يقول : ” و في سـنـة 105 م كان المغرب يخضع لحكم ملك بربري هو باخوس الأول الذي كان يستقر بطنجة و فـي هـذا الـعـهـد ظـهـرت شـخـصـيـة يــوغــورطـا الـنـومـيدي الذي كان صهرا لباخوس الأول و ملكا على نوميديا .” (1)
_ الـمسألة الـثانـية : اعـتـبـار أن كـل الإمـارات الـمـغـربـيـة ( كـبني مدرار ، برغواطة، النكور…) عبارة عن ” دويلات” فقط لا تضاهي حكم الأدارسة(2) . في الوقت الذي يقر حركات” أن المغرب لم يخلص كله للأدارسة، فلئن استطاعوا أن يمدوا نفوذهم شرقا إلى تلمسان ، فقد كانت ناحية تامسنا خارجة عن ملكهم يتحكم في شؤونها البرغواطيون … وبقي أكثر الغماريين مخلصين لدويلة بني صالح الذين تعاقبوا على نكور أزيد من مائتي سنة … و أما بنو عصام فهم بربر استقلوا بسبتة منذ سنة 123 هـ و بقيت بأيديهم إلى أن استولى عليها الناصري الأموي بعد قرنين ونيف … (3) ”
ورغم اعتراف حركات بأن الأدارسة لم يستطيعوا السيطرة على أجزاء مهمة من المغرب كسجلماسة و حتى فاس في الغالب ، ويئـسـوا مـن الـقضاء على المـذاهـب الـمناوئة لهم ، و لم يكن لديهم حكومة وجيش قويين(4) فإنه مع ذلك يحاول وصف نـظـام الـحـكـم و الإدارة فـي عهد الأدارسة ، الشيء الذي لم يتوقف عنده و هو بصدد التحدث عن باقي الامارات المغربية ؛ مما يوضح النظرة الايديولوجية التي تحكمت في المنهجية التاريخية للمؤلف .
ثالثا : الإرث الخلدوني
صـنـف حـركات الفـتـرات الـسـيـاسـيـة الـتي مــرت بـها كـل الـدول الـتي تـعـاقـبـت عـلـى حـكـم الـمغرب إلى المراحل التالية :
– نـشـأة الـدولة
– دور الـعـظـمـة
– دور الـضـعـف
وهذا التصنيف يحيلنا بالطبع إلى ” الدورة الخلدونية” ونظرية الأجيال الـثلاثـة في تحديد تطور الدول . وهكذا نجد أن حركات قد اسـخدم المنظور الخلدوني ، رغم انـتـقـاده له (2)، في تـحديد المراحل الـتي مـرت بـها كـل الدول أو الأسر الحاكمة بالمغرب ؛ سواء تعلق الأمر بالأدارسة ، المرابطين ، الموحدين ، المرينيين ، السعديين . بل إن الجزء الثالث من كتاب المؤلف و المخصص للدولة العلوية اتخذ هو أيضا هذه “المسحة الخلـدونية” بدليل الـفـتـرة السياسية التي تكلم عـنـها الـمؤلـف و الـتي حـصـرها بـقيـام الـدولة العـلـويـة إلـى فرض نظام الحماية على المغرب . (3)
ولعل هـذا الـمـنـظور هـو الـذي جــعل الـمؤلف يقبع تحليله لتطور الدولة بالمغرب في إطار سيرورة سياسية جامدة ، لم تراع التحولات التي عرفـتهـا البنى السـياسيـة الـمغربـية و لا الـتـغـيرات التي شملت أجهزة الحكم و الإدارة . و حــتـى الـمـحاولات التي قام بها المؤلف لوصف المنجزات السياسية التي قامت بها كل دولة، وكذا وصفه لبعض المظاهر الإدارية و الاقـتصادية و الـعمرانية الـتي ميزت كل واحدة منها ، لم تفض في آخر المطاف إلى تخلص المؤلف من التصور الخلدوني . فالدول في نظر حركات تولد و تعيش لتموت. و مما يؤكد ذلك العبارات الكثيرة التي وردت في مؤلف حركات . فعلى سبيل المثال ركز المؤلف و هو بصدد تحليله للأحداث السياسية التي عاشتها الدولة الوطاسية على فترة قيام هذه الدولة مشيرا إلى مايلي : “كان الغزو الأجنبي أعظم خطر هدد الوطاسيين منذ نشأة دولتهم” (1) ليخلص إلى أنه ” لم يحاول الوطاسيون أن يلجأوا إلى عون خارجي إلا في آخر لحظة من حياة دولتهم . ” (2)
نستنتج مما سبق أن الـمقاربة التاريخية بشقـيها ( الاخباري و الوصفي ) لم تـتـجـاوز حدود المنظور الخلدوني و تصوراته لتطورات الدولة(3) بشكل عام و الدولة المغربية بشكل خاص . فرغم تأكيد هذه المقاربة على استمرارية الكيان السياسي بالمغرب ؛ إلا أن هذا الكيان السياسي سرعان مايختفي ليحل محله كيان سياسي آخر(4) .
كما ركز متبنوا هذه المقاربة دائما على حياة و منجزات الملوك و الأمراء و السلاطين أو على تعاقب الأسر الحاكمة المغربية أكثر مما يركزون على تطور الدولة ككيان مـسـتـقـل(5) . وهذا النوع من التناول يفضي إلى تغييب ظاهرة الدولة و عدم تحديد ميكانيزمات تطورها عبر التاريخ نظرا لأن التاريخ العام للدولة بالمغرب قد جزأ إلى تواريخ جزئية(6)تنصب على التأريخ لأحداث سياسية متقطـعة أو لفـترات سياسية محددة . وقد توصل ليفي بروفنصال إلى هذه الخلاصة من خلال قوله : ” في نهاية الأمر ، إن كتب تاريخ المغرب ، سواء اتخذت شكل حوليات أو وصفا لحياة الأمراء بدون أدنى تحليل تاريخي ، أو شـكـل أشعار للمدح ؛ و سواء اتسمت بالمحاباة أو الموضوعية ، تقع في نفس الخطأ يتجسد في أن داخل الدولة لا يوجد إلا الحكم الملكي ” (1)
و يرجع هذا الخطأ إلى أن المؤرخين سواء القدامى أو المعاصرين مازالوا لم يتخلصوا بعد من النظرة التجزيئية لـتـاريـخ الـمـغـرب و كـذا مـن الارث الـخـلـدوني (2)؛ و لم يبلوروا لحد الآن منظارا جديدا يهتم بالقضايا الأشمل ، و عـلـى رأس هـذه القـضـايـا بالطبع إشكالية تطور الدولة بالمغرب . إذ ما الفائدة من مراكمة التواريخ و تحليل الأحداث السياسية إذ لم يكن لكل ذلك “غائية سياسية” تتمحور حول الدولة المغربية و تطورها .