المقالات

في إشكالية تطور الدولة في المغرب: (محمد شقير)_6_

ثانيا : تكون الدولة التراصفية

يعتبر الباحث أن إدخال المؤسسات الاستعمارية يشكل منعطفا هاما في تاريخ الدولة بالمغرب. فتلاقي شكلين لـلـدولـة ، و مـنـطـقـين سـياسيـين ونوعـين مـن الهـيكلة السيـاسية يـشكـل مايطـلـق علـيه الـباحـث عـمـلـيـة ”  ترصيف سياسي” . أوما سماه الباحث بالدولة التراصفية  (Etat sédimental)  (1). وقـد تـكـونـت هذه الدولة

 – في نظر الباحث – انطلاقا من 1912 ؛ حيث أنه في الوقت الذي كانت فيه الدولة السلطانية في مرحلة احتضار، تسرب الحكم الاسـتـعـمـاري، لالـكـي يـقـضي عـلـى  هـذه الـدولـة ، بـل لـكي يـحافـظ عـلــيـها مـن خـلال مـنـحـهـا وظائـف خاصة في سير النظام التراصفي (système sédimental )  . (2)

وقد تم إرساء هذه الدولة من خلال ثلاث مراحل أساسية :

         1 – فرض الحماية على المغرب

يعتبر الباحث أن الـحـمـايـة الـتي فـرضـت عـلـى المغرب ترتبط بالأساس، وبشكل وثيق، بالجنرال ليوطي. فهذا الأخير هو الذي أعطى لهذا المفهوم  ”  معنى مغربيا بحتا “(3) .

بالاضافة إلى الجـوانـب الـقـانـونـيـة التي يتضمنها هذا المفهوم و الانعكاسات السياسية الداخلية و الخارجية التي ترتبت عنها ؛ فالحماية شكلت مرحلة لتطبيق أفكار ليوطي التي أثرت بشكل كبير في التاريخ الاستعماري للمغرب(4) و ذلك للأسباب التالية :

        – السبب الأول  : يتجلى في أن ليوطي يعتبر أول من أدخل الإصلاحات على المجال المؤسسي بالمغرب.

        – السبب الثاني : يـتـلـخـص  فـي  أن  لـيـوطـي  قـد كـون جـيلا من الرجال الذين استمروا في التأثير على الميكانيزمات المؤسسية في المغرب.

– السـبـب الـثالث : يـكـمـن في أن “الليوطية ” شكلت مرجعا سياسيا لكل من خلفوا ليوطي على رأس  الاقامة العامة. (1)

ومن الملاحظ أن كل أفكار ليوطي ترتكز في آخر المطاف على مفهوم الحماية؛ حيث يشكل هذا المفهوم مبدأ محوريا في أفكاره السياسية. فالحماية ترتبط في نظره بالالتزامات الخارجية لفرنسا و في نفس الوقت كوسيلة لاستعمار المغرب بأقل التكاليف.

كما تشكل أيضا أفضل السبل لإضفاء الشرعية على المشروع الاستعماري بالمغرب.

         2 – الإصلاحات الاستعمارية

إن الإصلاحات التي قامت بها السلطات الاستعمارية تنطلق من منطق جديد لتكتسح كل المجالات المغربية : الاقتصادية و الاجتماعية و الايديولوجية و المؤسسية .

وهـكـذا تـعرض الـمجال المؤسـسي لـعملـية ترصيف نموذجين سياسيين ينتميان إلى عصرين و مجالين يختلفان تماما . وهذه العملية، إذا كانت قد قامت على إخضاع الحكم السلطاني للحكم الاستعماري، فإنها قد أفرزت ازدواجية على مختلف المستويات . (2)

وقد تم إدخال النموذج الاستعماري في إطار المؤسسات المحلية بمقتضى مبدأ الإصلاحات. فمبدأ الإصلاحات شكل حجر الأساس للخطاب المؤسسي الاستعماري سواء قبل و بعد 1912 . (3)

أما الهدف الرئيسي من هذه الاصلاحات فكان هو إرساء نظام سياسي مستمد من نموذج الدولة الغربية ويتحكم فيه منطق استعماري . (4)

وقد تمثلت المرامي السياسية التي كانت وراء إرساء هذا النظام في استخدام الاصلاحات كوسيلة لتحويل  الحكم  الفعلي إلى السلطات الاستعمارية.

وقد مر مسلسل هذه الإصلاحات من مراحل ستة :

      – 1914-1912 و التي تميزت بتحويل سلطة القرار من القصر إلى  الإقامة العامة ومركزة المخزن بالرباط(1)

     – 1920 – 1917 و التي تميزت بإنشاء مديريات تقنية كمديرية الأشغال العمومية و مديرية الفلاحة. (2)

      – 1927 – 1926 و التي تميزت بتوسيع المشاركة في مجلس الحكومة.

      – 1947 – 1944 و التي تميزت بخلق مجلس للوزراء

       – 1953 – 1952  و التي تيمزت بإدخال عدة تعديلات على الجوانب التشريعية و التقريرية لمجلس الوزراء و تقوية صلاحيته .

          3 – التحكم في المجال القبلي

بالاضـافـة إلـى هـذا، شـكـلـت الإصـلاحـات أداة لـتـقـويـة الـدولة في مواجهة المجتمع القبلي ؛ بحيث لجأت هذه الأخيرة إلى عدة أساليب لتفكيك البنية القبلية من أهمها :

         أولا : الأساليب الردعية و تتمثل في :

              – استخدام العنف أو ماكانت تسميه الأدبيات الاستعمارية بعمليات التهدئة .

              – الاستخبار عن القبائل المتمردة و ذلك من خلال القيام بدراسات ومونوغرافيات سوسيولوجية واقتصادية و جغرافية حولها .

              – اللجوء إلى الحصار لخنق القبائل اقتصاديا و إجبارها على التسليم و الطاعة.

         ثانيا : الأساليب الإدارية و تتجسد في :

              – التأطير الإداري

               – التطبيب

               – بناء الطرق و المدارس.

وبهذه الوسائـل اسـتـطـاعـت  الدولة أن تقتحم المجال القبلي و تسيطر عليه؛ لتشرع بعد ذلك في تقطيعه إداريا. وقد تجلت فعالية التأطير الإداري الاستعماري في ضبط المجال القبلي و التحكم فيه نتيجة لاعتماده على نظام مركزي صارم يقوم بالأساس على ضرب الأسس التنظيمية للقبائل و التي تتمثل في الجماعة، وكذا التكريس القانوني لنظام القايدية (1)

وباستخدام مختلف هذه الأساليب استطاعت الدولة التراصفية أن تقيم في قلب المجتمع القبلي المغربي و أن تحطم قواه التنظيمية التـقـليـدية. (2) . وبالتالي داوم الحكم الاستعماري على فرض رقابة على المجتمع المستعمر و تأطير مجاله ومتابعة تحركاته (3)

لذا فقد تميزت الـدولـة الـتـراصـفـيـة بـخـاصية انفردت بها عن الدول المركزية الأخرى، وتتمثل هذه الخاصية في “الحرص الدائم على التقسيم في بحثها المستمر عن التوحيد “(4)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق