في الحاجة إلى الأدب (نادية لوطفي)_2_
- أثر الأدب في تهذيب الطبع وسمو الفكر:
إن الأدب يكسب المرء خصالا وطبائع تتسم باللين فتزول الخشونة من الشخص مادام يدأب على قراءة النصوص الأدبية والإطلاع على ثقافات القوم عبر كتاباتهم، كما ذهب إلى ذلك ابن خلدون أن النفس إذا كانت على الفطرة الأولى كانت متهيأةً لقَبول ما يرد عليها وينطبع فيها من خير أو شر، وبقدر ما سبق إليها من أحد الخُلُقين تبعد عن الآخر، ويصعب عليها اكتسابه. فصاحب الخير إذا سبقت إلى نفسه عوائد الخير، وحَصَلَتْ لها ملكته؛ بَعُدَ عن الشر، وصَعُبَ عليه طريقه، وكذا صاحب الشر إذا سبقت إليه عوائده” [1]والأدب يعلم القيم الرفيعة ويسموا بالطباع نحو الرقي والجمال والكمال، وقد كان السلف من العلماء يهتمون بالقراءات الأدبية ويعمدون إليها ثم ينصحون طلبتهم الإهتمام بها، فتجد في أعمالهم بالإضافة إلى كتاباتهم المتخصصة تجد لهم كتابات أدبية ورقائق وعضية، فقهاء على مر العصور برعوا في التصنيفات الفقهية وعلى تصنيفاتهم تأسست علوم أساسية وإلى جانب تلك التصنيفات برعوا في الجانب الأدبي بل وظفوا الأدب في التعبير عن مواقفهم وعلومهم.
إن إدراج الأدب في التكوين العلمي يورث الذكاء والفطنة ويذهب الغباء والبلادة والسذاجة، بحيث يحدث الأدب بكل أنواعه أثرا في النفوس، وقد تعددت أجناسه بتطوره عبر الزمن، فالعرب كانت قدريما تتقن فنون اللغة عن سليقة، ويعتبر الشعر أشهر فنون الأدب التي عرف بها العرب وبرعوا فيها أكثر من غيرهم، ويعثبر التراث الشعري الظخم خير شاهد على ذلك، إذ بلغ الشعر العربي درجة من الرقي والجمال والكمال ما لم يبله غيره، وذلك مرتبط بطبيعة اللغة العربية وقوتها ومكانتها، فاللغة العربية هي خير ما اشتهر به العرب وبه عرفت حضارتهم وثقافتهم وتاريخهم.
- أثر الأدب في جودة الخطاب وقوة الإقناع\ بعض النماذج :
لطالما كانت الحاجة ماسة إلى الحوار والتواصل، وجودة الخطابات، وقد ازدادت هذه الحاجة لما يحتاجه واقعنا المعاصر من جهود لأجل التقارب والتعاون الدولي في يمختلف الميادين، وتبقى اللغة أحد أهم عناصر الحوار والتواصل بين الشعوب والأمم والمجتمعات، ولذلك كلما كانت اللغة ذات قوة تعبيرية وإقناعية كانت أقدر على الحوار وأجدر به، فكلما كان لسان المرء غنيا كان أقدر على الكلام البليغ العبارة السلسة التعبير، مما يجعل خطابه يصل المتلقي دون عناء منهما معا، فلا المخاطب يجد صعوبة في التعبير عن أفكاره ولا المتلقي يجد غبشا في المعنى الدي يقصد إليه، ثم إن من يمتلك خطابا واضحا يمتلك سلطة، فلطال ما كان للخطابات سلط، لذلك تجد غالبية الزعماء يهتمون بالخطابات شكلا ومضمونا لكونها وسيلة إيصال لرسائلهم.
واللغة العربية غنية بالأساليب التي تمكنها من ذلك ومن أهمها فن المناظرة.
- فن المناضرة والجدل :
المناضرة فن من الفنون التعبيرة الحوارية التواصلية، وشكل من أشكال الخطاب ، ولها عدة أدوار ووظائف إذ تساعد على تعزيز القدرات الفكرية لذى الطلبة مما يمكنهم من بناء وتنظيم الأفكار. كما تسهم في تطوير مهارات التفكير واستدعاء الذكاءات المختلفة للطالب ومهارات التفكير النقدي. وتنمي مهارات التحليل والبحث العلمي وتدوين الملاحظات لدى وتطوير قدرات المتعلمين على حسن استخدام الحجج والأدلة وبناء الأساس المنطقي في تفكيرهم لذلك فالعملية التعلمية لاينبغي أن تغفل مكانة المناضرة في برامجها التعليمية، لما لها من دور في استيعاب الخطابات التأثيرية خاصة ونحن في عصر تتداعى فيه الخطابات لدرجة يشكل على المتلقي كشف الحق من الباطل “فللمناظرة دور ٌ بارز ِ في تفعيل دور الكلمة في المجتمع ….لقد أصبح سلاح الكلمة اليوم أقوى تأثري ً وأكثر نفاذا في عقول أجيالنا، ٌ وتطور فن الكتابة واإلعالم، إىل درجة يوهم معها أن الحق باطل ٌّ والباطل حق .[2]
إن المناظرة ترتكز على محاور أساسية تضمن سلامتها، وتماسك أجزائها، وترابط مكوناهتا، وهذه المحاور هي:كما صنفها أحد الباحثين “محتوى الخطاب، ونعني به: جمل الحجج والأدلة والبراهن التي يقدمها المتحدث بغية إقناع المستمعين والتأثير في، . الإسرتاتيجية التي يتبناها الفريق في الناظرة وتكمن في بنية خطاب المتحدث وتركيبته، وتنظيم الأفكار وترتيبها، والعناية بجودة األسلوب وطريقة األداء، وتوافر أسلوب الطرح، ومهارات العرض والإلقاء عند عرض الخطاب، ويشمل ذلك لغة الجسد وتناغم الصوت والإتصال الجماهيري والثقة بالنفس.. .[3]
- الخطابة \ نموذج الخطابات السياسية.
الخطابة لغة: الكلام النثور المسجوع، واصطالحا: فن مشافهة الجمهور وإقناعه واستمالته والتأثر عليه، ولعل التعريف العام للخطابة هنا فن مخاطبة الجماهير بطريقة إلقائية تشتمل على إقناع المستمع واستمالته وجذب انتباهه، وهكذا يبين أن الخطابة نمط من أنامط الفنون النثرية، ويتخذ صيغة إلقاء كلام شفوي منثور، وهو بذلك فن مشافهة جماهيري بطريقة إلقائية تعتمد على إقناع واستمالة وإثارة محاس الجمهور. وبعبارة أخرى فاخطابة فن إقناع واستمالة مما يعني أنها تتوخى استخدام العقل والمنطق، مع تركيزها على عامل العاطفة بشكل أقرب. كما أنها اتصال في اتجاه احد يقوم به الخطيب لتوصيل معلومات أو مفاهيم معينة لجمهور المسمعين بدلا من الكلمة المقروءة، فالكلمة المسموعة أقوى أثرا، والخطيب البارع يستغل خطابه في ما يريد ويوجهه إلى ما يخدم فكرته وهدفه المراد ، مع ضرورة تدعيم كل ذلك بالحجج والبراهين الدالة التي تثبت صدق دعواه، وتقوي موقفه، وتدعمه في ما يقصد ويريد .[4]
والخطابات السياسية هي من اكثر الخطابات التي تعتني بالأساليب وتوجه قوتها، لما يخذم رسالتها وأهدافها، لذلك نجد غند أغلب الرؤساء الزعماء من يعتني بخطاباتهم من حيت اللغة والأساليب التعبيرية. ومن المعروف أن السفسطائية قد وقفت عند سلطة الخطاب عندما اكتشفت الإمكانيات التي تحملها اللغة كالمغالطة والقدرة على التمويه وإيقاع الخصم في الخطأ ودور الخطابة في تغيير الرأي والموقف، ومنذ ذلك التاريخ على الأقل، طرحت مسالة العلاقة بين اللغة والسلطة فهل للغة سلطة ذاتية أم أنها تستمدها من شيء خارج عنها كالسلطة السياسية والدينية وغيرها، وفي هذا السياق من الطرح العام للمسالة ظهرت تحليلات ميشيل فوكو في اللغة والخطاب وخاصة في ثلاثة كتب أساسية هي “L’archéologie du savoir” و “L’ordre du discours” و “La volonté de savoir”، فما هي وجهة نظره في هذا الموضوع؟ يقول في “أركيولوجيا المعرفة” [5]
[1] ابن خلدون ، المقدمة ص 123 .
[2] عبد اللطيف سلامي، المدخل إلى فن المناضرة ط 1 ، 2014 مؤسسة قطر \ الدوحة ص 11.
[3] عبد اللطيف سلامي، المدخل إلى فن المناضرة مرجع سابق ص 11.
[4] عبد اللطيف سلامي، المدخل إلى فن المناضرة مرجع سابق ص 23.
[5] الزواوي بغورة، بين اللغة والخطاب والمجتمع، مقاربة فلسفية اجتماعية، إنسانيات، المجلة الجزائرية في الأنثروبولوجيا والعلوم الإجتماعية العدد 17_18