في فضائل الأزمات (إدريس أوهلال)
الكثير من الحكمة والتوجيه والتحفيز التي نحتاج إلى تفعيلها في ظل الأزمة العالمية الحالية قيلت في السنوات والعقود والقرون الماضية ولن نضيف جديداً مهما قلنا، لكن خصوصية قولها في الظرفية الحالية هي أنها ستقال والناس في حالة تركيز قصوى واستعداد كلي للإنصات والتعلّم. نحن نعرف أن التعليم الفعال يحتاج إلى ذكاء اقتناص اللحظة المناسبة للتعلم. وأنسب لحظة لتعلم مبدأ أرخميدس وقوانين الديناميكا الحرارية هي عندما تبدأ السفينة في الغرق.لقد كان الناس عبر التاريخ، مع كل أزمة تستبطن تهديدا حقيقيا بالموت، يتوقفون عن سباقاتهم المحمومة نحو الأشياء غير الضرورية ويعودون إلى الأساسيات، وهذه أول فضيلة للأزمات التي تحرك رغبتنا القوية في الحياة التي تعيد بدورها ترتيب الأولويات في حياتنا.
إن الرغبة في الحياة التي لا تعلو عليها أي رغبة أخرى كفيلة بإرجاعنا إلى جادة الصواب وإلى الأساسيات والضروريات، بعبارة أخرى جامعة كفيلة بإرجاعنا إلى أفضل حصن ضد الموت، فعندما تحل الأزمة وتستيقظ الرغبة القوية في الحياة وتحتل مكان الصدارة بين كل الرغبات تسترجع الذات في لحظة صفاء أولوياتها وترجع إلى الأساسيات.دعونا بعد هذه المقدمة نتساءل لماذا الأزمة؟ ونبرر “الحاجة إليها”، مادام وعينا الساذج يطلب تبريراً لكل شيء.
– الأزمة صعبة ومُكلفة لكنها مفيدة وضرورية، إنها تؤلم بشدة عند وقوعها، لكن بعد سنوات وعقود تحمل اسم الفرصة عندما يدرك الناس بعد حين فضائلها.
– إن التطور غير ممكن بدون أزمات.
– الأزمات رغم أنها مربكة إلا أنها تزيد من الفرص؛ إن التهديدات العظيمة جداً هي نفسها مصدر الفرص العظيمة جداً.
– لا يخاف من الأزمات إلا من يفتقد إلى الثقة بنفسه.
– الخوف من الأزمة يشل مبادرتك وحركتك؛ فالخائف لا يُبادر ولا يتحرك، ولا شيء أكثر خطرا على الذات من القلق والخوف والرعب.
– عندما لا نتغير بإرادتنا ولهدف ذاتي واضح، نتغير رغما عنا من خلال الأزمات ونحن ننتظر خطأ دوام الحال على ما هو عليه.
– الأزمات قدر الحياة وطبيعتها، ولا خيار لنا أمامها إلا أن نواجهها بحزم وذكاء، أو ستهجم علينا ونحن مدبرون عنها وخائفون منها.
إن أكثر الناس يرون في الأزمات تهديدات ومخاطر فقط، والحقيقة هي أن في الأزمات فرصا؛ الأزمة فرصة ولحظة ضرورية لظهور الأشكال الجديدة للوجود والحياة والوعي. علم الفلك يعلمنا أننا نحتاج إلى انتظار ملايين السنين لنحظى بأزمة/فرصة تُحدِث تغييراً في الكون وتُنْتِج أشكالا جديدة للوجود.
وعلوم الحياة تعلمنا أننا نحتاج إلى انتظار آلاف السنين لنحظى بأزمة/فرصة تُحدِث تغييراً في الطبيعة وتُنْتِج أشكالا جديدة للحياة. ودروس التاريخ تعلمنا أننا نحتاج إلى انتظار مئات السنين لنحظى بأزمة/فرصة تُحدِث تغييراً في حياة الأمم والشعوب وتُنْتِج أشكالا جديدة للوعي.
إن الأزمات هي العلامات الكبرى الدالة على وجود الحياة.. إنها الفرص التي لا يجود الزمن بها إلا مرة واحدة كل مليون سنة أو عشرة آلاف سنة أو مائة سنة.في لحظات الأزمات لا يشم الخائفون إلا رائحة واحدة فقط هي رائحة الموت بأشكاله المختلفة التي تملأ الأماكن كلها. لكن للأسف يقضي الخوّافون وقتا أطول في التركيز على الموت لدرجة أنهم لا ينتبهون للحياة التي ستولد منه. تفاءل فإن الأزمة فرصة لكي تولد من جديد.