كرونا، النقطة التي أفاضت الكأس عالميا(يونس بن علال)
إن البشرية اليوم، سرعان ما أدركت ضآلة حجمها تجاه وباء صغير جدا لا يرى بالعين المجردة، بعدما كانت تتسابق بالأمس القريب نحو غزو الفضاء والتسابق نحو التسلح، ببسط هيمنة السيطرة العسكرية والتكنولوجية، كلها أمور جعلتنا نعيد التفكير في ما أسميناه بالدول العظمى، أمام فيروس أستطاع تركيعها، بل حط أنفها أرضا، ليترك لنا فسحة التأمل من جديد في سُنَن هذا الكون، وما يمتاز به من قوانين خفية قزمت قدرة عِلْمنا عبر انعكاس صورة ضعفنا أمام سفاح صامت، لا نعرف عنه سوى لعبة التخفي والخداع، كل هذه المتغيرات منحتنا فرصة التفكير في معنى الفناء الوجودي بطريقة جعلت الإنسان بين مطرقة الاستخفاف من هول الوباء، وسندان عجلة الموت التي حصدت الآلاف من الأرواح بوعي أو بدون وعي.
إننا نقف الآن أمام مرحلة تاريخية من الحياة البشرية، هي مرحلة الاعتراف بالضعف البشري عبر محاكمة قصور العقل في ظل هذا الانفلات الوبائي العظيم الذي شلّ حركة الحياة، كما قدم درسا في مفهوم ديمقراطية الموت بين جميع الطبقات الاجتماعية، لكن يبقى السؤال المطروح، هل نجحت البشرية حتى الآن في استيعاب درس كرونا؟ أم أنها انشغلت بالداء، وتركت دواء قيم التضامن العالمي الذي من شأنه إعادة تشكيل روح الحياة للمعنى الإنساني؟
يعد هذا الوباء العالمي، اختبارا للإنسانية، بعيدا عن الشعارات الساسوية الزائفة، لأنه قائم على فعل القوة وليس فعل القول، نظرا لانعكاس فلسفته المادية الضاغطة اقتصاديا على الواقع الاجتماعي، عبر جدل إكراه مجابهة الموت بالموت، أي موت تكافؤ الفرص، وموت الضمير الإنساني، وموت نزيف السؤال المكمم بحلول لا ترقى لصد رمق عيش الفئات المسحوقة في جميع بلدان العالم، إنها المعضلة الأنطولوجية التي تبحث عن إقصاء جوهر الوجود دون تحديد ماهيته، هذا ما يدفعنا للقول، إن وباء كرونا ليس هو الموت في ذاته وإنما في غيره من الممارسات التي تحيي الموت وتقتل حياة الأماني الممتدة لدى العديد من الطبقات الاجتماعية الراقية..
لا شك أن كرونا هي النقطة التي أفاضت الكأس، بل هي امتداد للانفجار العظيم، ليس من الرؤية الفزيائية وإنما البيولوجية التي تجاوزت البعد المادي لتقف عند التأملات الفكرية والفلسفية، لفهم معنى الأفول والنهايات، إنها الكائن والممكن وما سيكون…باعتبارها النقطة الفاصلة بين ثنائية الموت والحياة، بين الواقعي الذي ندركه، والمتخيل الذي يقودنا لمسلسل تراجيدي من الأفكار الغامضة تجاه فكرة المصير، في الوقت الذي كنا ننعم فيه بنعمة الاستقرار النفسي رغم دوامة الصراع الخارجي إقليميا ودوليا.
إن التكيُُّف الإديولوجي مع راهنية الوضع، لا يقوم على تبريره، وإنما البحث عن سبل النجاة للحفاظ على هيبة الدول واستقرارها الداخلي، لأن هذا هو المنطلق والرهان الذي يعيد كسب الثقة في العلاقات الخارجية فيما بعد، لتكون بذلك كرونا اختبارا من أجل ولادة بروطوكولات جديدة بين الأنظمة، وأن النظام القوي هو الذي يستطيع امتصاص هذه الجائحة بنوع من الحكمة والتبصر والذكاء، في ظل إقصاء غياب الرؤية العالمية للحد من انتشار الفيروس الذي سيخلق جدل الصراع ما بعد زمن كرونا، بين متهم ومتهوم.
ذلك أن التنبؤات المستقبلية لم تعد تفكر في الوقت الحالي عن كيفية العيش في المريخ، أو تخصيب اليورانيوم أو الحروب الإقليمية.. وإنما بفترة الحجر الصحي الذي ينبغي فهمه من منظور عقلاني قائم على أسر فيزيقية الجسد وتحرير جوهر العقل، لأن هذه الفترة تعتبر مرحلة اختمار للمعرفة الإنسانية في مراجعة الأوراق وترتيبها،عبر إعادة النظر في الرأسمال البشري، لأنه الفاعل في عوامل التغيير المجتمعي نحو الأفضل، بعيدا عن كل الأشكال الانتهازية التي تغلب المصلحة الذاتية على حساب آلام وجراحات المجتمع.