كيف تدافع جامعة بريطانية عن الحرية الأكاديمية؟(محمد الشرقاوي)
احتدم النقاش وتزايدت السّجالات داخل كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية قبل أيام بشأن الجدوى من تأسيس وحدة دراسات جديدة تحت إسم “دراسات الصين” في مجالات الاقتصاد والسياسة والمجتمع. كان من المفترض أن يكون تخصّصا أكاديميا على مستوى البكالوريوس والماجستير ومشروعا بحثيا قائما بذاته بعد أن حاول رجل أعمال من شنغاي إسمه “إيرك لي” إقناع إدارة الكلية بالجدوى العلمية منه، فضلا عن حصولها على هبة مالية ببضعة ملايين دولار. لكن هيئة التدريس في الكلية نظرت بعين الريبة إلى أن وحدة الدراسات الجديدة ستكون تحت إشراف “شخصيات متميّزة من الصين”، فضلا عن أنّ السيد لي من مؤيدي الرئيس الصيني وأحد الذين يبرّرون حملة قمع المتظاهرين في ميدان تيانانمين عام 1989.
أستاذ العلاقات الدولية كريس هيوز، الذي أتذكّرُه منذ سنوات دراستي في هذه الكلية أستاذا متمرّسا وذا مواقف واضحة، شدّد في رسالة احتجاج أرسلها إلى إدارة الكلية على حقيقة أنها “وصلت إلى مرحلة متقدمة في التفاوض على تبّرّع من شخص يفتخر بكونه داعية للنظام السلطوي في الصين، مما يدلّ على أنّ الإجراءات الحالية لحماية قيمنا وسمعتنا الأساسية غير كافية.” وقررت الكلية في المحصلة النهائية إلغاء مشروع “دراسات الصين”.
ينتهي السجال في لندن، ويبدأ السؤال الأكبر عن العِبَرِ المستفادة من هذا الموقف، وعن طبيعة اتخاذ القرارات في جامعاتنا العربية من الخليج إلى المحيط، وهل يتمتع الأستاذ والباحث بأي سلطة معنوية، أو حتى لا نبالغ في القول، إدارية في المساهمة في تحديد المقررات والمناهج التعليمية في رحاب فصولها الدراسية. وكلما استمرت لحظة التأمل، يتضخم ثقل البيروقراطية لصالح وزارات التعليم العالي ليخنق أنفاس هيئات التدريس بمذكرات وزارية، ولوائح تنظيمية، وأوامر ومحظورات متلاحقة، وكأن لا فرق بين تسيير الجامعات وتسيير قطاع التخزين أو النقل أو الضرائب. فيصبح الفكر وابتكار المعرفة في قبضة أي موظف متعنت أو تحت رحمة الوزير المتباهي بنشوة الكرسي الذي قد يرى فيه “سدرة المنتهى”.
مع تلاحق أجيال الطلاب عاما بعد عاما، يزداد السؤال حدّة: من يتمتع حقّا بالأهلية العلمية والحصافة الأكاديمية ليكون وصيّا على مضمون ومنهجية التعليم الجامعي واستشرافات المستقبل؟