كيف يصبح الحصان حمارا؟(محمد الشرقاوي)
تتموّج هندسة الخطاب الرسمي حسب الحاجة في بعض الدول التي تعاني شح الممارسات الديمقراطية، وتروّج لأولويات قد تنقلب مع مرور الوقت إلى مهملات على هامش الحياة اليوميةوالعكس صحيح. وتعتمد في ذلك على أدوات ومنصات الدعاية أو البروباغندا إلى حد التلاعب أحيانا بحقيقة التاريخ ومنظومة القيم، أو “الاستخدام المنطقي للحجج التاريخية والعلمية لتلقين المثقفين والمستنيرين (الجمهور اليقظ والمستنير بلغة العلوم الاجتماعية المعاصرة”، كما أوضح فلاديمير لينين في كتيب “ما العمل؟” (1902).
قديما خلال ازدهار التفكير الفلسفي عند الإغريق، قام بعض الفلاسفة من دعاة الأخلاق مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو بتجميع قواعد البلاغة لتكون حججهم الخاصة وحجج طلابهم أكثر إقناعًا، ولتصميم دعاية مضادة ضد المعارضين، وأيضًا لتعليم طلابهم كيفية القيام بذلك مع الكشف عن المغالطات المنطقية والنداءات العاطفية للغوغائيين. واتضح وقتها الفرق بين الطرح الفلسفي المسؤول والطرح الدعائي لأغراض خاصة تخدم مصلحة الفئة الحاكمة ومن حولها فئة الأثرياء.
وفي بداية القرن العشرين، أكد علم النفس الاجتماعي الصلة بين البروباغندا ودراسة القادة والمروجين (المؤثرين بلغة العصر) والأتباع ضمن أعمال سيغموند فرويد خاصة تحليل الأنا (1922، وكذلك مؤلفات والتر ليبمان ومنها “الرأي العام” (1922) و”الجمهور الوهمي” (1925).عندما يتشبع الخطاب السياسي بالبروباغندا، تختلط الأمور على عامة الناس في التمييز بين التفسير والتأويل، واستخدام العقل والعاطفة، وتأرجح الكفتان بين الوقائع الموضوعية والإسقاطات الذاتية. ومما يزيد في متاهة الوعي المزيف أن يجتهد بعض الأكاديميين باسم الجامعة والبحث العلمي ببعض السرديات والتبريرات المفتعلة، ويمشون خلف الخطاب الرسمي إما بدافع التزلف وقضاء بعض المصالح أو الخشية من مغبة التغريد خارج السرب.
وكلّما ازداد انغماس الخطاب الأكاديمي في أوامر ونواهي الخطاب الرسمي، ضعف دور الجامعة وأصبحت في وضع مجرور تابع لجارِّه في نصبه ورفعه وجرّه.تتقدم المجتمعات بتقدم الجامعات ودورها الفكري المسؤول أخلاقيا. ومتى تم تجويف دورها أو خضعت لأهواء معينة، يكون ذلك مؤشر انكماش للدولة والمجتمع برمته.