المقالات

“للذكر مثل حظ الأنثيين” بين الحكمة الربانية والأهواء الإنسانية(خالد المطالسي)_3_

الأمر الخامس: أخطاء وغفلة

من الأخطاء التي يرتكبها كثير من المسلمين في قضية التفاضل بين أولاد المتوفى في الميراث:

1-إساءة توظيفهم واستشهادهم بقوله تعالى “للذكر مثل حظ الأنثيين”، في قضايا ومواقف بعيدة كل البعد عن سياق الآية وموضوعها والغاية التي أنزلت من أجلها.

2-أن بعض الجهلة يستغل فضل الرجل على المرأة في الميراث[1] ليهينها ويزدري منزلتها، وكم أسيء إلى ديننا من أولئك الجاهلين[2].

3-يعمد بعض الناس إلى حرمان البنات من الإرث بطرق وحيل قانونية ما أنزل الله بها من سلطان، كما يقوم البعض الآخر بأخذ نصيب أخواته إما لصغرهن أو لحيائهن أو لعجزهن عن الدفاع عن حقهن، مما يدفع المتاجرين بقضية المرأة إلى اتهام الإسلام والاستدلال بفساد هؤلاء على فساد نظام الإرث. يقول محمد عقلة: إن إساءة استعمال الحق ليست دليلا على فساد النظام، بل على مرض القلوب، وانحراف الأفراد الذين يطبقونه، فالنقد ينبغي أن ينصب عليهم، والعلاج ينبغي أن يتوجه إليهم[3].

4-من الخطأ البين اختصار قضية المرأة كلها في قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين، بعيدا عن الأحكام الشرعية الأخرى في إطار منهج استيعاب الوحي لا تبعيضه.

ختاما يبقى السؤال المشروع والمحير، لماذا كل هذا الاهتمام والهوس والدفاع المستميت عن حق المرأة المسلمة في المساواة في الإرث مع أخيها، ودعوتها إلى التمرد على أحكام دينها القطعية؟ هل كل هذا التعاطف نابع من الإيمان “بقضيتها ومظلوميتها” في اعتقادهم؟ أم أن هناك أمرا آخر وغاية أخرى لا يملكون الجرأة للإفصاح عنها؟.

لماذا لا نسمع صياحهم وانتقادهم للوضع الذي تعيشه المرأة اليهودية في موضوع الإرث ونحن نعلم أن الأم اليهودية محرومة من الإرث في ولدها وابنتها بصفة دائمة وليست معدودة من الورثة أصلا … وأن الابن البكر يعطى ضعفي الابن الثاني والثالث…[4]، وأن الإناث لا يرثن إلا عند فقد الذكور…ومعنى ذلك أن البنات يحرمن من الميراث إذا كان  للميت ابن، إلا ما كان يتبرع لها به أبوها في حياته،  فإن لم يكن له ابن  ورثت البنت بشرط ألا تزوج في غير سبطها، لئلا يخرج المال عن سبطها، وحين تحرم البنت من الميراث لوجود أخ لها ذكر، يثبت لها على أخيها النفقة والمهر عند الزواج، وإذا كان الأب قد ترك عقارا فيعطيها العقار، أما إذا ترك مالا منقولا فلا شيء لها من النفقة والمهر، ولو ترك القناطير المقنطرة، وليس للزوجة ميراث  من زوجها. وإذا آل الميراث إلى البنت لعدم وجود أخ لها، لم يجز لها أن تتزوج من سبط آخر، ولا يحق لها أن تنقل ميراثها إلى غير سبطها، أي تكون راعية له فقط وليست مالكة له[5].

رغم التفاوت الصارخ والضيم الجلي والجور البين لا نسمع أحدا يدافع عن النساء اليهوديات أو يهاجم نظامهن أو يدعو إلى المساواة بين ذكورهم وإناثهم في الإرث أو يثير قضيتهم… وفي هذا الإطار يتساءل العلامة محمد التاويل عن سر سكوتهم وصمتهم المريب بقوله:

1-ما السر وراء التعاطف مع المرأة المسلمة في المطالبة بالمساواة في الإرث وتحريضها على التمرد على دينها وشريعتها بكل الوسائل مع السكوت المطلق والصمت المريب عن قضية المرأة اليهودية ومعاناتها؟

2-هل لأن نظام الإرث اليهودي أعدل وأنصف للمرأة من نظام الإرث الإسلامي؟

3-أم أن المسؤولين في الدولة اليهودية يقفون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه المس بمقدساتهم الدينية ولا يسمحون لأحد بانتقادها وإثارة الفتنة بين أهلها، والمسؤولين في الدول الإسلامية لا يحترمون مقدساتهم، ويغضون الطرف عن العابثين بها والطاعنين فيها باسم حرية الرأي؟

4-أم أن الهدف الأساسي من هذه الدعوة والضجة  هو النيل من الإسلام وشريعته وإثارة الفتنة بين أفراد مجتمعاته؟

ثم يجيب في النهاية عن هذه الأسئلة وغيرها بقوله: وكيفما كان الجواب فإن المرأة المسلمة مدعوة إلى أن تبرهن على وعيها وعقلها ودينها وأن تفكر كثيرا في هذه المقارنة بين وضعها ووضع غيرها، من جهة، وبين هجوم أعداء الإسلام وخصومه على نظام الإرث الإسلامي رغم ما حققه من توازن للذكر والأنثى بين الحقوق والواجبات والغنم والغرم، والمداخل والمصارف حتى لا يصاب أحد  منهما باختلال في ميزانيته،  وبين سكوتهم ومسالمتهم لنظام آخر تتعرض فيه المرأة للحرمان التام من الإرث  وإعطائه لأخرى  أو لآخر  في درجتها دون مبرر[6].

خاتمة

إن الدعوة إلى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في الإرث، دعوة منكرة مخالفة للنص الصحيح “للذكر مثل حظ الأنثيين”، والعقل الصريح ” التسوية بين المختلفات في الحقوق والواجبات ظلم”، والفطرة السليمة “الاستعداد الفطري لكل من الرجل والمرأة لتحمل التكاليف والأعباء”، والقصد السديد “تكريم المرأة وصونها عن الابتذال”.

إن التسوية المطلقة التي ينادي بها تجار وسماسرة “مظلومية المرأة” هي عين الظلم والجور الذي ترفضه الشريعة، لأنها تقتضي التسوية في الواجبات أيضا، في الصداق والنفقة والسكنى، وتكاليف علاج الأولاد ومتعة الطلاق والحضانة…وهذا يتطلب من المرأة بالضرورة البحث عن العمل بغض النظر عن طبيعته وبيئته وشروطه وإكراهاته… ودون النظر إلى حالها ومشاعرها واستعدادها النفسي، وحاجتها إلى الاستقرار وطبيعة وظيفتها ورسالتها في الحياة.

دعوة تدل على جهل أصحابها المركب بالوظائف المنوطة بكل جنس في الأسرة والمجتمع والحياة.

دعوة تستهدف القضاء على الخصوصية، ونقل الرجل والمرأة من التكامل المطلوب في الحياة، إلى التزاحم والنزاع المذموم حول الوظيفة والحقوق والواجبات.


[1] -أشرنا سابقا إلى اعتبارات التفاضل كما أشرنا  إلى أن التفاضل ليس قاعدة مطردة بل هو خاص بأربع حالات.

[2] – مائة سؤال عن الإسلام، محمد الغزالي، نهضة مصر، ط 4-2005، ص389.

[3] – نظام الأسرة في الإسلام، م س، ج2-3، ص146.

[4] -لا ذكورية في الفقه، م س، ص95.

[5] -إنسانية المرأة بين الإسلام والأديان الأخرى، علاء أبو بكر، منقول بالواسطة من موسوعة بيان الإسلام ، م س، المجلد 11، ج 18، ص250.

[6] -لا ذكورية في الفقه، م س، ص 95 وما بعدها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق