لماذا يعشق قادة الأمة المهرجانات العاطفية؟ في الحاجة إلى بناء الذكاء العاطفي في الأمة(إدريس أوهلال)
ليس العيب أن تكون عاطفياً جداً، ولكن العيب ألا تعرف كيف تتحكم في مشاعرك وتضعها جانباً عندما يحين وقت اتخاذ قرار أو حل مشكلة. وليس العيب أن تربي على المحبة، ولكن العيب هو أن تربي على المحبة فقط، وألا تربي على شراء العبد والعصا معه. إن الحياة بطبيعتها معقدة ولا يمكن للقلب، الطيب بطبعه، أن يقود معاركها بمفرده. القلب يجعلك غير قادر على رؤية الحل الذي أمام عينيك، وفي عالم تحكمه المصالح الأنانية نحتاج إلى الحفاظ على إنسانيتنا بكل تأكيد، لكن دون التمذهب للطيبة القاتلة؛ التمذهب للطيبة والمحبة مجرد غباء لا أكثر.
أولا: في الحاجة إلى فقه العواطف والمشاعر
مقاتل شجاع ومبادر وفعّال وسريع ودقيق متى أُحسنت تربيته، أو متخاذل ومستسلم ومهادن ومتكاسل ومسالم وجبان متى أسيئت أو أهملت تربيته.
العواطف والمشاعر هي ردود فعل فيزيولوجية أو نفسية تجاه مثير خارجي، تدفع في اتجاه تحطيم هذا المثير الخارجي أو الابتعاد عنه أو تجاوزه أو تعويضه أو التوقف برهة لاستكشافه أو الحصول عليه مجدداً أو المحافظة عليه أو السعي إلى المزيد منه.
تحتل العواطف والمشاعر مكانة مهمة بل خطيرة في حياتنا، فهي تقع في نقطة تقاطع الذات من جهة والآخر والعالم والعمل من جهة أخرى؛ إنها تجارب ذاتية أمام مثيرات الآخر والعالم ومتطلبات الفهم والإرادة. إنها عامل النجاح والفشل الأول.
لكن ما الفرق بين العواطف والمشاعر؟
العواطف تجارب ذاتية تنطوي على الإثارة الفيسيولوجية والتقييم المعرفي؛ فهي ردود فعل داخلية (فيزيولوجية) بمظاهر خارجية (جسدية) أمام حدث خارجي، وهي لا تدوم لأكثر من بضع دقائق، ووظيفتها إعادة التوازن للجسد بعد تفريغ شحنته العاطفية، ولا يصح الحكم عليها بالإيجاب أو السلب لأنها محايدة. أما المشاعر فهي بناء واعي للذهن، ومن طبيعة نفسية لا فيزيولوجية، وهي نوعان: مشاعر إيجابية ومشاعر سلبية.
الشخصيات القوية تملك القدرة الذاتية على بناء المشاعر الإيجابية وعلى تقاسمها مع الآخرين وعلى تجاوز المشاعر السلبية بسرعة، والشخصيات الضعيفة تقضي فترات طويلة لتجاوز مشاعرها السلبية. ولأهمية وخطورة العواطف والمشاعر والحاجة إلى فهمهما والتحكم فيهما اخترع العلم البشري والخبرة الإنسانية “الذكاء العاطفي”.
ثانيا: في الحاجة إلى المحبة المصحوبة بالحذر من التمذهب للمحبة
عاطفة إنسانية سامية تُستثار بالعطاء والخير والجمال وتدفع المُحب والمحبوب للسعي نحو المزيد منها أو المحافظة عليها. الإنسان بدون مشاعر المحبة ليس إنساناً وإنما جثّة تريد قبرًا. لكن المحبة عندما تُرفع شعاراً مطلقاً يجعل الناس ترى الوجود بأكمله من خلالها تصير نشوة مخدرة وغيبوبة سعيدة ينتشي بها الطيبون الذين يختزلون الوجود بأكمله في المحبة ولا شيء غير المحبة.
التمذهب للمحبة غيبوبة وغباء، يعطي النشوة المخدرة لكنه لا يعطي الفعالية والنجاعة، إنه نوع من السم القاتل، يكفي منه كأس واحد لتفقد حياتك، والمُحب بإطلاق ودون شروط هو كتلة من المشاعر المجنّحة التي يسهل التلاعب بها.
من السهل أن تحب على كل أحوالك، أو تنفض يديك من المحبة ومخاطرها كليا وترتاح، لكن من الصعب أن تحب وعقلك حاضر، أو تتصرف بصرامة مع شخص تحبه. الحب الموقفي هو أن تحب حين يكون الحب مطلباً حتى لو كان نمطك عقلانيا، وأن تمتنع عن تشغيل مشاعرك حين يكون الموقف العقلاني مطلباً حتى لو كان نمطك عاطفيا. الحب الموقفي هو أن تحب الشخص المناسب، في الوقت المناسب، للموضوع المناسب، بالأسلوب المناسب. كن على النمط الذي يناسبك، لكن أحبب دائما في حدود ما يقتضيه الموقف والمآل.
هذا الحب الموقفي، أما الحب المطلق الذي لا مظروفية له فمذهب الطيبين وسفراء النوايا الحسنة في الحياة. ماذا يتعلم الطيبون من الحياة؟ المحبة. وماذا يُعَلِّم الطيبون في الحياة؟ المحبة. وبم يحمي الطيبون أنفسهم من قساوة الحياة؟ بالمحبة. وما هو سلاح الماكرين الناعم للمزيد من الهيمنة على الطيبين؟ نشر المزيد من المحبة!
ثالثا: في الحاجة إلى الذكاء العاطفي
الذكاء العاطفي هو فن وعلم إدارة المشاعر. مهاراته عشرة: أفهم مشاعري، وأفهم مشاعر الآخر، وأعبر بشكل مناسب عن مشاعري، وأعزز التعبير عن المشاعر عند الآخر، وأتحكم في مشاعري، وأتحكم بقصد إيجابي في مشاعر الآخر، والتحفيز الذاتي، وتحفيز الآخر، وتقدير الذات، وتقدير الآخر. ولكي نطور ذكاءنا العاطفي نحتاج إلى تطوير قدرتنا على ملاحظة حركة الانفعالات الداخلية في الذات وعند الآخر، مع تعبيراتها الخارجية في لغة الجسد والخطاب والمواقف.
الذكاء العاطفي هو القدرة على التأني وتبين نوع السائل الموجود في المسبح هل هو ماء أم بنزين قبل القفز فيه عندما تكون النار مشتعلة في جسدك، ومن الناحية الإجرائية يتم تطويره من خلال مهاراته الأساسية.
رابعا: في الحاجة إلى التربية العاطفية
هدف هذه التربية تطوير الذكاء العاطفي. توجد حاجة ملحة لتربية الناس على التعرف على مشاعرهم، وعلى مشاعر اﻵخرين، والتعبير المناسب عنها، والتحكم فيها، والثقة بالذات، وتقدير الذات واﻵخر. التربية العاطفية تربينا على رجولة محاولة الفهم بدل فسولة السخرية أو التعاطف الغبي، وتربينا على الانضباط وإعداد الفعل بدل الانخراط الغبي في ردود اﻷفعال.
إن الذكاء العاطفي يمنحنا وعيا يذكرنا في كل موقف بألا “نشتر العبد إلا والعصا معه”؛ فالعاطفة المجنحة دون نضج عاطفي خبال يعطي النشوة المخدرة لكنه لا يعطي الفعالية والنجاعة.. تم إن الذكاء العاطفي يمنحنا القدرة على تحقيق أهدافنا دون مواجهة.
إن كنت من سكان اﻷجمة يمنحك الذكاء العاطفي إحساسا بأنك محروم من القيم السامية لهذا الكون مثل المحبة والعطاء، وإن كنت من سكان المدينة الفاضلة يمنحك الذكاء العاطفي وعيا بخطورة السياقة بسرعة عالية دون تحكم.. إن الذكاء العاطفي يعطيك توازنا.