منطق العلاقات بين الجنسين: داء ودواء في آن(أبو يعرب المرزوقي)
كيف نحدد أصل الصراعات كلها بين البشر وبصورة أدق المرض الذي يغذي جذوتها عندهم جميعا؟ وكيف نحدد علاقته بالمنطق الذي مكن البشرية من حل مشكلة تواصل النوع؟ لا بد من الانطلاق من العلاقة بين الجنسين أو ما يمكن أن نطلق عليه مفهوم الأسرة التي هي أبسط خلية تحقق الشروط الدنيا لتواصل الحياة بالغذاء والتوالد وشروطهما المادية والرمزية. تلك هي الأسئلة التي نريد الجواب عنها بصورة تتجاوز الجدل الزائف الناتج عن أوهام الجناسيين والرادين عليهم في آن: كيف نفهم العلاقة بين الجنسين باعتبار بعدي الإنسان الطبيعي والثقافي المتلازمين حتما تلازما جدليا لا يمكن لأي منهما أن يغني عن الآخر أو أن يكون منه بديلا في جزء من وظائفه.
أولا: وحدة الفرد الإنساني:
خلافا لما هو سائد فإن العلاقة بين الرجل والمرأة ليست علاقة بين فردين بسيطين بل هي علاقة بين جملتين كلتاهما مخمسة الأبعاد: الفرد ليس كائنا بسيطا بل هو كائن مركب. فسواء كان الشخص ذكرا أو أنثى فإنه يتكون من: 1-ذاته معلومها أقل بكثير من مجهولها 2-ووعيه بذاته الذي هو لغز محير 3-وأثر وعيه بذاته في ذاته أثرا لا نفهم كيف يفعل 4-وأثر ذاته في وعيه بذاته لسنا به أعلم منا بالأول 5-ومن ثم فوحدته بنية مركبة من هذه المقومات الأربعة وهي وحدة متعالية عليها نسميها أنا أو ذات تشعر بذاتها في باطنها ويعتبره غيرها كائنا واحدا بالعادة وبالوثائق التي يعرف بها الشخص في الجماعة رغم أن الذات توازن ديناميكي بين هذه العناصر ومن ثم فهي دائمة الحركة طلبا لهذا التوازن مع وحدة ثباتها براني أكثر مما هو جواني.
ثانيا: وحدة العلاقة بين الزوجين:
ليس صحيحا أن العلاقة هي إذن علاقة بين فردين حتى بعد فهمهما بالطريقة التي وصفنا في أولا. ذلك أن هاتين البنيتين الفرديتين غير الجامدتين بل شديدتي الحركة طلبا للتوازن بسبب ما وصفنا فضلا عن الوسط الاجتماعي الذي يجري فيه اللقاء بين الجنسين تقلتقيان إلقتاء ذا مستويين متفاعلين في الاتجاهين ومتحدين مما يجعلهما خاضعين لبنية مماثلة للتي نسبناها إلى الفرد:
1-تلتقيان في الأعيان كما هما موجودتان.
2-وتلتقيان في الأذهان بما هما منشودتان.
3-تأثير اللقاء الأول في اللقاء الثاني.
4-تأثير اللقاء الثاني في اللقاء الأول.
5-الوحدة الدينامية لهذه الأبعاد الأربعة بنية متعالية عليها جميعا.
فالمرأة تلتقي بالرجل عينيا من خلال مثالها عن الرجل ذهنيا. والرجل يلتقي بالمرأة عينيا من خلال مثاله عن المرأة ذهنيا. فيكون اللقاء ليس بين إمرأة ورجل بل بين مسافتين تفصلان وتصلان بين حدين هما الموجود والمنشود من المرأة لدى الرجل ومن الرجل لدى المرأة. ووحدة هذا اللقاء بفضل تفاعلهما في الاتجاهين هو دينامية السعي للتوازن في العلاقة التي هي حركية دائمة لا يوحد بينها إلا أمر جواني في الباطن نسميه حقائق الشعور الموار وأمر براني في الظاهر نسيمه رسوم العادة. وكلا طرفي العلاقة يحرك الطرف الثاني ليزحزحه من وجوده إلى منشوده ما ظل المنشود مثالا وليس عينا بديلة. فإذا كان القصد العيش السعيد تغلب المنشود المثالي في الأذهان وإذا كان القصد تنغيص العيش تحول المنشود المثالي إلى بديل عيني يسمى ضرة بالنسبة إلى المرأة و”ضر” بالنسبة إلى الرجل: وذلك هو مصدر مرض الغيرة غير السوية.
ثالثا: الأساس العضوي للعلاقة بين الجنسين:
ومهما ابتعد الثقافي عن الطبيعي فإن أساس اللقاء بين الجنسين يبقى من طبيعة عضوية حتى في أبعاده الرمزية. ذلك أن الأمر كله يعود إلى شروط العضوي الذي يمكن أن يكون الرمزي من مشجعاته أو من مثبطاته تلازم غريزتي الحياة والموت. فالبقاء الذي يقتضي التجويد المستمر لشروطه الموضوعية التي هي بالأساس عضوية أعني أنها ذات صلة بالموجود الفعلي تجويدها بشروطه الذاتية التي هي بالأساس رمزية أعني أنها ذات صلة بالمنشود أكثر من صلتها بالموجود لأنها تتعلم بقيم الجمال والجلال خاصة. وأهم تجل لهذه الشروط هو عين علل الصراع بين الجنسين المتقابلين أو ضمن كل جنس من أجل الجنس المقابل. وتعود هذه العلل إلى:
1-معياري الفحولة والقوة البدنية (الغالب على البعد العضوي من الحياة) عند المرأة نظرة للرجل. وحتى عندما يستعاض عن القوة البدنية برمز القوة العام أي الثروة فإنها تعتبر أداة للحصول على القوة البدنية: مثال ذلك أن المرأة التي تتزوج شيخا خليجيا لثرائه في ذهنها أن ذلك سيمكنها من أداة الحصول على القوة البدنية بزينتها وبمالها الذي يغري الشباب ذوي القوة البدنية.
2-ومعياري الجمال والقوة الذوقية (الغالب على البعد الرمزي من الحياة) عند الرجل نظرة للمرأة. ونفس الأمر يقال في حالة الاستعاضة عن القوة الذوقية أي بنفس رمز القوة العام أي الثورة. ذلك أنها تمكن من الحصول على القوة الذوقية: مثال ذلك أن الرجل الذي يتزوج عجوزا أوروبية لثرائها في ذهنه أن ذلك سيمكنه من أداة الحصول على القوة الذوقية بزينته وبماله الذي يغري الشابات ذوات القوة الذوقية.
أعني أن هذه القيم الأربعة في مستوى الوجود والمنشود هي التي تمكن بما بينها من مسافة واصلة وفالصلة من تحقيق أفضل المقومات للحياة السوية في عالم الحيوان والإنسان في آن. وهي تفسر انحرافات وضعها السوي كما في مثال زواج الفتيات من الشيوخ والفتية من العجائز: وهما ضربان من التجارة الجنسية لكونهما يجعلان محركات الحياة أدوات بدلا من أن تكون من أسمى الغايات.
وفي الحقيقة فإن البشر لم يتحرروا من المعيارين الأولين (الفحولة والقوة البدنية) حتى وإن ظن الكثير أن التحضر يقتضي التحرر منهما بزعم أنهما من أبعاد الإنسان الحيوانية دون فهم أن هذا التحرر لا يدل على تقدم خلقي بل يدل على ذبول القوى الحيوية في الجماعة أو بصورة أدق على شيخوختها. فليس مفيدا بل هو ضار أن يتحرر البشر منهما تحررا تاما لئلا ينحط النوع عضويا ورمزيا. وفي كل الأحوال فهم لا يمكن أن يتخلصوا منهما بسبب عضوي محتوم مهما تردت القوى الحيوية في الجماعة لأن:
1-مطلوب المرأة خاصة من الرجل هو المعياران الأولان: الفحولة والقوة البدنية.
2-ومطلوب الرجل خاصة من المرأة هو المعياران الثانيان: الجمال والقوة الذوقية.
فالمرأة تريد الرجل فحلا وقويا وهما شرطا احترامها وحبها له الأساسيان وكل ما عداهما من المجملات. وليس ذلك بإرادتها بل هو بالجوهر منطق العلاقة بين الجنسين وهو الأمر الطبيعي الذي لا تقتله الحضارة مهما حاولت خلال تدجينها للإنسان. وكل خلاف حقيقي صادر عنها مداره مقارنتها الواعية أو غير الواعية لمنشودها بموجوده من هذين البعدين. والرجل يريد المرأة جميلة وذواقة وهما شرطا احترامه وحبه لها وكل ما عداهما من المجملات. وليس ذلك بإرادته بل هو بالجوهر منطق العلاقة بين الجنسين بنفس التعليل السابق.
وكل محاولات اعتبار ذلك من ثمرات الانحراف الثقافي دلالة على سوء التقدير بل هو عين التردي الحيوي ومن ثم بداية الإنحطاط الخلقي الذي يجعل العلاقة علاقة مجاملات ودبلوماسية وليست علاقة حب متبادل: تماما كما يحصل في كل زواج مصلحة حيث يصبح الزواج تأسيسا لشركة وليس لعلاقة حب حقيقي. ذلك أن استبداله بتعليل الأحكام المسبقة للنزعة النسوية ولسطحيي الحداثيين لم يلغه بل هو ضاعفه وإن بصورة مرضية.
فكل ما في الأمر أنه انتقل إلى خارج العلاقة الزوجية وأصبح علاقة خارج الزواج حيث انقلبت العلاقة بين الخاص والعام: أخص خصائص الحياة الوجدانية تتحول إلى معرض بضاعة بحثا عن إشباع رغبة انتقلت من التحقيق الفعلي في خصوصية الحياة الأسرية إلى العرض السوقي للأبدان الجوعي. فالمرأة والرجل يعودان إلى ما وصفنا في العلاقة غير الشرعية أعني خارج الزواج حيث يصبح منشود كل منهما ليس مثالا يحرك علاقته بالجنس المقابل بل بحث عن بديل موجود في الأعيان هو الذي يحصل فيه ما تصور محطا من شأن المرأة لدى الرجل أو من شأن الرجل لدى المرأة. والمعلوم أنه رغم عسره في العلاقة الشرعية لما يتضمنه من مفارقات يصعب تحقيقها لكنه أعسر تحقيقا عندما يصبح المنشود ليس مثالا لإحياء العلاقة بل موجود يفسدها لأن البحث عما يطابق المثال في الأعيان يتحول إلى نوع من الكلب الجنسي الذي يشبه انتقال النحلة بين الورود دون إشباع حقيقي.
وحتى نفهم ذلك فلنحلل نوع الأخلاق الجنسية التي تبدو لنا غير مفهومة في البلاد الغربية التي أرادت أن تحسم هذا التناقض المشروط في كل حياة سعيدة: كيف يمكن للمرأة أن تكون حرة وجارية في آن خلال سلوكها الجنسي مع زوجها؟ وكيف للرجل أن يكون حرا وعبدا في آن خلال سلوكه الجنسي مع زوجته؟ لما كان هذا الأمر المشروط في سعادة العلاقة الجنسية شبه مستحيل فإن الحل كان في نقل المقابلة بين الموجود الواقعي والمنشود المثالي إلى مقابلة بين موجدين: لم يبق الفصل بين الموجود والمنشود في الأذهان بل أصبح مطلوبا في الأعيان. لذلك تم الفصل في الأعيان بين الزوج ممثلا للموجود والخليل ممثلا للمنشود وتلك هي أخلاق الجنس الغربية: تكون المرأة حرة في العلاقة الشرعية وجارية في غيرها الذي لم يبق مثالا منشودا من زوجها بل أصبح بديلا موجودا منه في خليلها. ويكون الرجل حرا في العلاقة الشرعية وعبدا في غيرها الذي لم يبق مثالا منشودا من زوجته بل أصبح بديلا موجودا منه في خليلته.
رابعا: أخلاق الجنس الإسلامية وما عوائقها؟
يمكن في جملة واحدة أن نقول إن أخلاق الجنس لدى المسلمين لم تتحقق لأنها انحرفت عما يقتضيه مفهومها القرآني:
1-نظرية الطلاق في القرآن لم تفهم وظيفتها: فهي تحقيق الممكن من المساواة بين المرأة والرجل في حق التعدد الجنسي المشروع بحكم هذا البحث عن المنشود إذا لم يتوفر في الموجود. فالطلاق ينصف المرأة لأن ما هو ممكن للرجل بالتساوق يجعله الطلاق ممكنا للمرأة بالتوالي بسبب المحافظة على الأنساب.
2-تكريم المطلقات واعتبار أنهن لسنا دون الأبكار قيمة أكبر الأدلة عليه زيجات الرسول الأكرم. فباستثناء أم المؤمنين عائشة كل زوجاته إما مطلقات أو أيامى. وفي الحقيقة فليس صحيحا أن تفضيل الابكار عن المطلقات دليل على الرجولة بل هو دليل على الخوف من المقارنة. ولهذه العلة اشترط القرآن بعد الطلاق الثاني ضرورة الزواج الفعلي لكي تحصل العودة إلى الطليق.
3-اعتبار فقدان شرط المتعة الجنسية في العلاقة كافيا لطلب الطلاق دليل على أن الجنس ليس بالأمر الثانوي في العلاقة بين الزوجين بل هو المقوم الأساسي لأن الإنجاب يمكن تعويض بالتبني.
4-تبرئة حواء مما ينسبه إلى تحريف المسيحية من الأدلة القاطعة على أن الأمر لا يتعلق بدور شيطاني للمرأة بتوسط الجنس.
5-وأخيرا فإن اعتبار الجزاء الأخروي يأتي الجنس في ثاني درجة من درجاته إذ لا يتقدم عليه إلا رؤية وجه الله.
لكن هذه الأخلاق الضابطة لطبيعة العلاقة بين الزوجين مع ذلك لم تتحقق. فـ”أولا” عابه أن طلب الطلاق جعل شبه حكر على الرجال دون النساء. و”ثانيا” عابه أن المطلقات لسن مكرمات إلا في القليل من البلدان ولأسباب تتعلق بثرواتهن (موريتانيا مثلا). و”ثالثا” عابه أن الاعتراف بهذا الحق يحول دونه الحياء الكاذب الناتج عن اتهام المرأة التي تطالب به بما يشبه تهمة العهر. و”رابعا” تبرئية حواء لم يعرها الفكر الأهمية التي تستحقها لأنها أكثر دلالة بالنسبة إلى المسيحيين منها إلى المسلمين. وأخيرا فإن الجزاء الأخروي بالحوريات ابتذل إلى حد جعله يتحول إلى واحدة من حيل الدحالين الضاحكين على الشباب الغاضب من غياب شروط الحرية والكرامة في الحياة الدنيا أعني أهم قيم القرآن التي بفضلها تصبح الدنيا مطية الآخرة.
لكن الحائل الأساسي ليس ذلك بل هو ما صار ينسب إلى الأخلاق الجنسية الغربية من جاذبية ستكون نكبة على البشرية للعلتين التاليتين:
1-فهي أولا دليل شيخوخة الجماعة وليست دليل التحرر لأن الشرائع (أي ما أضافه الإنسان إلى الطبائع=الثقافة) تقتل مقومات الحياة الجنسية الدالة على دفق الشباب وتعوضها بحكاك الأجرب بلغة أفلاطون.
2-وهي ثانيا دليل زوال المسافة المحيية لكيان الإنسان العضوي والروحي أعني المسافة الفاصلة والواصلة بين الموجود والمنشود. فجعل المنشود موجودا آخر وليس مثالا هو الحل الفاسد الذي يولد ما يسمى باللامتناهي الفاسد.
وإذا كان أولا يولد ما يسميه أفلاطون بحكاك الأجرب: ينتقل الإنسان من الجنس الحقيقي إلى البورنو ويصبح الجنس فرجة بدلا من أن يكون ذروة الشعور بتدفق الحياة فإن ثاينا يولد ما يمكن قياسا على مثال أفلاطون أن نسميه بمشط الأقرع. لم يعد لدى الإنسان فرق بين اللذة والألم إما لفقدان المثال فصار يلتذ بتعذيب نفسه بالعري للفرجة في البورنو الفعلي بسبب الشبع أو لفقدان الواقع فصار يلتذ بتعذيب نفسه بالحجب للفرجة في البورنو الوهمي بسبب الحرمان. الغربي يعيش العلاقة قبل حصولها بوصفها بورنو فعلي والشرقي يعيشها قبل حصولها بوصفها بورنو وهمي. ولما تحصل تفسد عندهما كليهما.
خامسا وأخيرا: في الدلالة الفلسفية لهذا التحليل:
وكل خلاف حقيقي بين المرأة والرجل إذا كان دالا على الحيوية والشباب فمداره المقارنه الواعية أو غير الواعية بين منشود أحد الجنسين من الجنس المقابل بموجوده الذي يريد منه تغييره لتحسين العلاقة. ومعنى ذلك أن المرأة بهذا المعيار الحيوي تعد أقرب إلى الطبائع منها إلى الشرائع وأحرص على حفظ شروط الحياة العضوية من الرجل (الفحولة والقوة البدنية) وأن الرجل أقرب من المرأة إلى الشرائع منه إلى الطبائع (الجمال والذوق) وأحرض على حفظ الحياة الرمزية بخلاف المعتقدات السائدة. والعلة بينة: فكلفة تواصل الحياة على المرأة أثقل طبيعيا وأخف شرعيا في الغالب (بمعنى ما أضافه الإنسان) وكلفتها على الرجل أثقل شرعيا وأخف طبيعيا في الغالب.
والمعلوم أنه انطلاقا من منطق هذه العلاقة بين الجنسين يمكن أن نقسم الفنون إلى جنسين كبيرين أحدهما مركزه المرأة مصدرا للإيحاء والثاني مركزه الرجل مصدرا للإيحاء. لكن كلا الجنسين يمكن أن يكونا مصدرا للتعبير والتصوير في كلا الجنسين من الفن مع تمايز واضح يجعل أحدهما ممثلا لدور المرأة والثاني لدور الرجل بحسب مادة التعبير الفني قربا وبعدا من العضوي والرمزي:
1-فالمرأة رغم أنها الجنس “اللطيف” ليست هي مصدر فنون المخيال إلا بوصفها مصدرا للإيحاء لأن هذه الفنون رمزية ومجردة تحركها المرأة لدى الجنس المقابل للتعبير عن صلة بالجمال والذوق وهما مجردان عندما يدركان في حركة الجميل والمذوق عند من يمثلهما لديه: المرأة. لذلك كانت جاذبية المرأة المحرك الأول وكل محرك يحرك بشبهه بها لكل الإبداعات المخيالية المجردة كالأداب وأرقاها الشعر سواء تعلقت بالجمال (الذوق) أو بالجلال (الإرادة) أو بالسؤال(العلم) أو بالاستقلال (الحرية) أو بالمتعال (العبادة).
2-والرجل رغم أنه الجنس “العنيف” ليس هو مصدر فنون التجسيم أو الفنون التشكيلية إلا بوصفه مصدرا للإيحاء لأن هذه الفنون رمزية عينية عندما يدركان في حركة الفحل والقوي عند من يمثلهما عندها: فحركة الرجل لدى الجنس المقابل يعبر عن صلة المخيال بالفحولة والقوة البدنية أو إن شئنا عن تجسد الحياة في ما يشبه العضلات الحية المعبرة عن لحظات الاهتزاز الحيوي. إن الأشكال ذكورية كانت أو أنثوية لا تحرك الذوق الجمالي وما ولاه من القيم إلا بعنفها الدال على عنفوان الحياة. فكل فن تشكيلي إذا قرئ ليس إلا المخيال العيني وليس المجرد من حيث هو معبر عن الفحولة والقوة كما أسلفنا.
وحتى الرسم والموسيقي فههما مترددان بين هذين الجنسين أحيانا هما مثل الجنس الأول وأحيانا مثل الجنيس الثاني. ولهذه العلة كان الفن بما هو تعبير عن هذه المطالب الأربعة (الفحولة والقوة البدنية والجمال والقوة الذوقية) في جوهره تعبيرا عن أصل كل حياة أعني الحياة الجنسية. لكن هذه الحياة الجنسية لا ينبغي أن تفعم بما هي سلوك حيوي فحسب بل بما هي سلوك حيوي في مستواه الطبيعي والرمزي. وإذا صار ذلك سويا وهو ما يسعى إليه الإسلام أصبحت الأمة سوية وتغلب على كل ما عدى مرضه من الأمراض الأخرى. والإنسانية كلها اليوم تعاني من هذا المرض كما وصفنا في الأخلاق الجنسية الغربية وفي نقيضها الشرقي الذي هو من جنسها لأنهما كلاهما تعبير عن الحرمان من العلاقة السوية أحدهما برد الإنسان إلى الأجرب الأفلاطوني الذي يتلذذ بحك جلده الميت (الغرب) والثاني برد الإنسان إلى الأقرع الأفلاطوني الذي يتلذذ بمشط شعره الميت.
إن الأهمية التي يكتسيها هذا الدور تبدو عسيرة القبول لأنها تبدو وكأنها تعود إلى تفسير بدائي للعلاقات البشرية على المقابلة بين يعود إلى طبيعة الإنسان وما يعود إلى ثقافته مع ما يلازم ذلك من قسمة ضيزي بين العاملين في هذا الاتجاه أو ذاك قد يبلغ إلى نفي دور أحدهما بالمبالغة في دور ثانيهما. ولعل ذلك من مفاعيل النزعة النسوية التي تبدو مبالغات نزعات الجناسةقد آلت إلى رد أساسيات العلاقة بين الجنسين إلى البعد الثقافي إلى حد كاد ينفي تماما البعد الطبيعي من كيان الإنسان بجنسيه. وفي الحقيقة فهذه النظريات ليست جديدة كما قد يظن الكثير من متجاهلي تاريخ الفكر الفلسفي. فالفرق الجنسي لم يأخذه الفلاسفة مأخذ الجد في منذ أفلاطون وأرسطو لاعتبارهما هذا الفرق تابعا للمادة وليس للصورة. ومن ثم فحد الإنسان لا يأخذ بعين الاعتبار الفرق بين الجنسين.
وبمجرد اعتبار الفرق ماديا يصبح دوره مهملا بل ومحتقرا إهمال المادة واحتقارها في الفلسفة القديمة التي كانت تعتبرها ممثلة للشر ومعها المرأة. وهذا الخطأ هو المؤسس لاحتقار النساء في المنظور الفلسفي الذي يعتبر ما يتميز به الجنسان أمرا ماديا لا يعتد به وعندئد يضاف البعد الثقافي والتاريخي المتمثل في استبعاد المرأة من الأنشطة الفكرية استبعادا شبه كامل نتج عنه تدني دورها في تاريخ الفكر الإنساني. أما القرآن-إذا نظرنا إليه في نصه وليس في صورته المحرفة عند الخالطين بين قيمه وقيم الجاهلية- فهو يأخذ الفرق بين الزوجين بالجدية اللازمة ويحرره مما يترتب على ما ألصقته به الثقافة من احتقار للمرأة: التلازم بين التوجه للجنسين في خطابه وتمكين المرأة من شرط الحرية أي حق الملكية غير التابع وتشريكها في مبايعة ولاية الأمر بدءا بمبايعة الرسول نفسه.
ما الحائل إذن دون فهم طبيعة العلاقة بعد تحريرها من هذا الوهم الذي يتصور تحقير المرأة أمرا دينيا وليس فلسفيا في حين أن تحقيرها حتى في المسيحية فإنه ذو صلة بهذه النظرة الفلسفية التي وصفت: ليس للفرق الجنسي أدنى تدخل في تحديد هوية الإنسان. لكن التقابل بين الجنسين يمثل في التصور الديني أهم عناصر الأخلاق بل هو أساس كل حياة جماعية وخاصة منذ أن حرر الإسلام العلاقة الجنسية من وظيفتها الإنجابية واعتبر اللذة مطلوبا محمودا بل عده ثاني أهم جزاء أخروي بعد رؤية وجه لله. ولهذه العلة فالحياة الجنسية وحتى التربية الجنسية تعد بابا من أبواب الفقه.