من تحريفات أدعياء التنوير: (إدريس الكنبوري)
أسوأ تحريف حصل في تاريخ الفكر الإسلامي هو ما قام به أدعياء التنوير والحداثة ونقد التراث في العصر الحديث؛ فقد شوهوا صورة العلماء المسلمين وساروا على نهج الاستشراق في تفكيك بنية الفكر الإسلامي وضرب بعضه ببعض؛ بل نقلوا فكرة الصراع الطبقي إلى بنية الفكر الإسلامي وجعلوا العلماء مجرد أصحاب دنيا يحاربون من أجل انتمائهم الطبقي؛ أمثال حسين مروة وعابد الجابري وطيب تزيني؛ وملأوا رؤوس الناس بأوهام بسبب التلفيق والانتقاء وعدم الأمانة؛ حتى أصبح ابن رشد علمانيا والمعتزلة ماديين؛ بل تم تحريف عالم حديث هو محمد عبده الذي صار علمانيا وماركسيا وعدو الفقهاء؛ حتى صار “حاملا كل صورة” كما يقول ابن عربي.
وقد كان نصيب ابن رشد أكبر تحريف حصل لفقيه في تاريخ الإسلام؛ بسبب النقل عن المستشرقين؛ حتى صار مثل حائط المبكى يتمسح به كل دعي للتنوير؛ فقد صوروه على أنه عدو للفقهاء وهو الفقيه؛ وخصما للغزالي مجدد القرن الخامس؛ وقد تحدث علماء كثيرون على مدى التاريخ عن المجددين في الإسلام تبعا للحديث النبوي الشهير؛ ولكن لا أحد منهم ذكر ابن رشد بينهم؛ وهذا كاف لمعرفة وزنه بين العلماء. ولكن أدعياء التنوير لا يذكرون أن ابن رشد هو من لخص كتاب المستصفى للغزالي؛ ولم يكن العلماء يلخصون كتبا إلا إذا كانوا يعتبرون أصحابها شيوخا لهم؛ فكيف يعكف ابن رشد أياما على قراءة كتاب الغزالي وتلخيصه ورقة ورقة وخدمته تلك الخدمة الجليلة إذا كان خصما له؟ ومن يرجع إلى كتابه تهافت التهافت سيجد أنه يقول عنه كل مرة “رضي الله عنه”؛ بل يدافع عنه في وجه ابن سينا ويؤيده في أمور ويخالفه في أمور؛ ولكن التنويريين يحرفون الحقائق ويدعون بأن الغزالي كان عدوا للفلسفة وهو كبير الفلاسفة المسلمين؛ ويقدمون ابن رشد على أنه عدو الشرع وهو الذي بنى العقل على الشرع وليس الشرع على العقل.
ويرى هؤلاء أن ابن رشد تعرض للمحنة وهذا دليل موقفه ضد الفقهاء عندهم؛ ولكن الغزالي هو أيضا تعرض للمحنة وأحرقت كتبه؛ وتعرض للمحنة مئات الفقهاء منهم ابن تيمية؛ فهل كانوا ضد الفقهاء أيضا؟ولا يزال العلماء في القرن الواحد والعشرين يتعرضون للمحن ويدخلون السجون؛ فكيف نفسر محنتهم؟.