من ذاكرة التحرير الفلسطينية الحية(أحمد الأنصاري بوعشرين)_2_
ذاكرة الميثاق الوطني الفلسطيني الموؤود:
ومن أراد أن يكتشف “خبايا” هذا الميثاق الوطني الفلسطيني[1] الذي على أساسه انطلقت منظمة التحرير الفلسطينية معلنة تحرير فلسطين كل فلسطين هدفها الرئيسي، فما عليه إلا أن يقلب أوراق “أٍرشيف التحرير” الفلسطينية، ليقرأ بأم عينه ويتأمل بقلب حزين، المواد التي ألغيت أو عدلت والتي كانت تشير إلى الكفاح المسلح أو تحرير فلسطين كل فلسطين أو لا شرعية الاحتلال الصهيوني، وليقرأ من داخلها مجمل هذه التحولات التي جرت على الساحة الفلسطينية، ويعتبرها أساسا في تقييم المواقف وفهم السياقات، وكذا حتى الانقسامات الجارية التي تجري على ساحة فلسطين الحبيبة.
هكذا ألغيت المادة السادسة التي أقرت بعدم اعتراف ضمني لكل اليهود الذين هاجروا بعد الغزو الصهيوني إلى فلسطين وباعتراف صريح بفلسطينية اليهود الذين كانوا يقيمون في فلسطين قبل الغزو الصهيوني، حيث تقول: ” اليهود الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى بدء الغزو الصهيوني لها يعتبرون فلسطينيون”، وألغيت المادة السابعة التي أكدت على ضرورة تنشئة الفرد الفلسطيني على ثقافة التحرير وتأهيله على الكفاح المسلح حيث تصرح: ” الانتماء الفلسطيني والارتباط المادي والروحي والتاريخي بفلسطين حقائق ثابتة، وان تنشئة الفرد الفلسطيني تنشئة عربية ثورية واتخاذ كافة وسائل التوعية والتثقيف لتعريف الفلسطيني بوطنه تعريفاً روحياً ومادياً عميقاً وتأهيله للنضال والكفاح المسلح والتضحية بماله وحياته لاسترداد وطنه حتى التحرير واجب قومي”، وألغيت المادة الثامنة التي تنبذ كل انقسام فلسطيني على حساب استقواء العدو الصهيوني، وتعتبر أن التناقض الرئيسي هو مع الاحتلال الصهيوني وتؤكد على ضرورة توحيد الجبهة الوطنية من أجل تحرير الأرض، حيث تنص على أن:” المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني هي مرحلة الكفاح الوطني لتحرير فلسطين ولذلك فإن التناقضات بين القوى الوطنية هي من نوع التناقضات الثانوية التي يجب أن تتوقف لصالح التناقض الأساسي فيما بين الصهيونية والاستعمار من جهة وبين الشعب العربي الفلسطيني من جهة ثانية، وعلى هذا الأساس فإن الجماهير الفلسطينية سواء من كان منها في أرض الوطن أو في المهاجر تشكل منظمات وأفرادا جبهة وطنية واحدة تعمل لاسترداد فلسطين وتحريرها بالكفاح المسلح.”، وألغيت المادتين التاسعة والعاشرة اللتان أقرتا صراحة بأن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، حيث نقرأ في ثنايا المادة التاسعة ما نصه: ” الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وهو بذلك استراتيجية وليس تكتيكاً ويؤكد الشعب العربي الفلسطيني تصميمه المطلق وعزمه الثابت على متابعة الكفاح المسلح والسير قدماً نحو الثورة الشعبية المسلحة لتحرير وطنه والعودة إليه وعن حقه في الحياة الطبيعية فيه وممارسة حق تقرير مصيره فيه والسيادة عليه”، وفي ثنايا المادة العاشرة: ” العمل الفدائي يشكل نواة حرب التحرير الشعبية الفلسطينية، وهذا يقتضي تصعيده وشموله وحمايته وتعبئة كافة الطاقات الجماهيرية والعلمية الفلسطينية، وتنظيمها وإشراكها في الثورة الفلسطينية المسلحة وتحقيق التلاحم النضالي الوطني بين مختلف فئات الشعب الفلسطيني وبينها وبين الجماهير العربية ضماناً لاستمرار الثورة وتصاعدها وانتصارها”، وألغيت المادة الخامسة عشرة التي نصت على وجوب تصفية الوجود الصهيوني في فلسطين، فاعتبرت ذلك واجب قومي عربي، حيث نصت على أن ” تحرير فلسطين من ناحية عربية هو واجب قومي لرد الغزوة الصهيونية والإمبريالية عن الوطن العربي الكبير ولتصفية الوجود الصهيوني في فلسطين، تقع مسؤولياته كاملة على الأمة العربية شعوباً وحكومات وفي طليعتها الشعب العربي الفلسطيني، ومن أجل ذلك فإن على الأمة العربية أن تعبئ جميع طاقاتها العسكرية والبشرية والمادية والروحية للمساهمة مساهمة فعالة مع الشعب الفلسطيني في تحرير فلسطين، وعليها بصورة خاصة في مرحلة الثورة الفلسطينية المسلحة القائمة الآن أن تبذل وتقدم للشعب الفلسطيني كل العون وكل التأييد المادي والبشري وتوفر له كل الوسائل والفرص الكفيلة بتمكينه من الاستمرار للقيام بدوره الطليعي في متابعة ثورته المسلحة حتى تحرير وطنه”، وألغيت المادتين التاسعة عشرة و العشرون، اللتان أكدتا على باطلية وعد بلفور وصك الانتداب وعلى باطلية الكيان الصهيوني وعلى باطلية تقسيم فلسطين بموجب القرار الأممي لسنة 1947، حيث تقول المادة التاسعة عشرة: ” تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام إسرائيل باطل من أساسه مهما طال عليه الزمن لمغايرته لإرادة الشعب الفلسطيني وحقه الطبيعي في وطنه ومناقضته للمبادئ التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة وفي مقدمتها حق تقرير المصير.”، وكذا المادة العشرون التي تقول: ” يعتبر باطلا كل من تصريح بلفور وصك الانتداب وما ترتب عليهما، وإن دعوى الترابط التاريخية أو الروحية بين اليهود وفلسطين لا تتفق مع حقائق التاريخ ولا مع مقومات الدولة في مفهومها الصحيح، وان اليهودية بوصفها ديناً سماوياً ليست قومية ذات وجود مستقل وكذلك فإن اليهود ليسوا شعباً واحداً له شخصيته المستقلة وإنما هم مواطنون في الدول التي ينتمون إليها.”، وألغيت المادة الواحد والعشرون التي رفضت بالواضح كل الحلول البديلة على تحرير فلسطين تحريرا كاملا، بتنصيصها صراحة أن : ” الشعب العربي الفلسطيني، معبراً عن ذاته بالثورة الفلسطينية المسلحة، يرفض كل الحلول البديلة عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً ويرفض كل المشاريع الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، أو تدويلها.”، وألغيت المادة الثاني والعشرون والمادة الثالث والعشرون اللتان أقرتا بعنصرية وعدوانية الحركة الصهيونية، وأن إسرائيل هي أداة الحركة الصهيونية، وضرورة عدم الاعتراف بها من لدن كل الأمم المحبة للسلام والأمن حيث جاء في نص المادة الثاني والعشرون : ” الصهيونية حركة سياسية مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالإمبريالية العالمية ومعادية لجميع حركات التحرر والتقدم في العالم، وهي حركة عنصرية تعصبية في تكوينها، عدوانية توسعية استيطانية في أهدافها، وفاشية نازية في وسائلها، وإن إسرائيل هي أداة الحركة الصهيونية وقاعدة بشرية جغرافية للإمبريالية العالمية ونقطة ارتكاز ووثوب لها في قلب أرض الوطن العربي لضرب أماني الأمة العربية في التحرر والوحدة والتقدم. إن إسرائيل مصدر دائم لتهديد السلام في الشرق الأوسط والعالم أجمع، ولما كان تحرير فلسطين يقضي على الوجود الصهيوني والإمبريالي فيها ويؤدي إلى استتباب السلام في الشرق الأوسط، لذلك فإن الشعب الفلسطيني يتطلع إلى نصرة جميع أحرار العالم وقوى الخير والتقدم والسلام فيه ويناشدهم جميعاً على اختلاف ميولهم واتجاهاتهم تقديم كل عون وتأييد له في نضاله العادل المشروع لتحرير وطنه.” وفي نص المادة التي تليها ما صريحه: “دواعي الأمن والسلم ومقتضيات الحق والعدل تتطلب من الدول جميعها، حفظاً لعلاقات الصداقة بين الشعوب واستبقاء لولاء المواطنين لأوطانهم أن تعتبر الصهيونية حركة غير مشروعة وتحرم وجودها ونشاطها”، وألغيت المادة الثلاثون التي اعترفت صراحة بمكانة المناضلين بالسلاح في معركة التحرير، حيث تقول: “المقاتلون وحملة السلاح في معركة التحرير هم نواه الجيش الشعبي الذي سيكون الدرع الواقي لمكتسبات الشعب العربي الفلسطيني.”،
وبعد، هذه هي “الضمانات” التي قدمها أصحاب أوسلو من أجل اتفاق أوسلو و ملحقاته، ضمانات تغيرت بها الهوية التحريرية لأصحابها، وأصبح الميثاق الجديد الذي أقره “المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير” في تركيبته لسنة 1998 بعدما قرر ذلك مجلسها الوطني في سنة 1996، وأقر التعديلات في سنة 1998، ميثاقا لهذه المؤسسة “المجلس الوطني الفلسطيني”، وليس ميثاقا لكل الفلسطينيين كما أقرته النسخة الأصلية للميثاق.
[1] http://www.plo.ps/article/43678/ الميثاق-الوطني-الفلسطيني