موسوعة رواد الإصلاح: حينما ترتدي الأفكار الإصلاحية رداء مغربيا(سعيد الحاجي)
تظهر الأفكار الإصلاحية في أي مجتمع بسبب حدوث أزمة معينة تقتضي إيجاد حلول لها، سواء تعلق الأمر بالأزمات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية…، ويكون هدفها إصلاح الأوضاع وتحسينها. تختلف الأفكار الإصلاحية في المجتمعات حسب ما يعتمل فيها من أحداث وتطورات، فمن الأفكار ما يلائم خصوصية مجتمع أو بلد معين ولا يمكن أن يصلح لبلد آخر، ومنها ما يكون ملهما وناجحا إلى درجة تأثيره في محطيه وتبنيه من طرف نخب مجتمعات أخرى ترى فيها النموذج الناجح لمعالجة مشاكلها، فالفكر الاشتراكي بدأ أوربيا وانتهى كونيا والفكر الرأسمالي كذلك، والإسلام دين بدأ عربيا لينتهي كونيا كذلك، وأشكال النضال التحرري من الاستعمار أصبحت تنقل من بلد محتل إلى آخر بسبب الرغبة في طرد المستعمر وفق النماذج الناجحة في بلدان العالم الثالث.
لم يكن انتقال الأفكار الإصلاحية من المجتمعات التي ظهرت فيها إلى مجتمعات أخرى سهلا ويسيرا، فخصوصيات المجتمعات التي طبقت فيها الأفكار الإصلاحية كان لها دور مهم في نجاح تلك الأفكار من عدمها، وقد ارتبط ذلك بمدى توفر كل مجتمع على ثقافته الخاصة ومميزاته التي يلعب العمق الحضاري للبلد دور مهم في تشكلها، وكذلك بمدى التوفر على نخب قادرة على ملاءمة تلك الأفكار الإصلاحية مع خصوصيات المجتمع المحلي، وهو ما يجعل رصد مسار الأفكار الإصلاحية في مجتمع معين، فرصة لتحديد قيمة ووزن النخب التي يتوفر عليها، وقدرتها على إضفاء بصمتها على الأفكار الإصلاحية المستوردة، أو تلك النابعة من خصوصيات المجتمع المحلي والتحولات التاريخية التي عرفها.
وفق هذه الاعتبارات، يمكن تصنيف موسوعة رواد الإصلاح في المغرب خلال القرن العشرين، الصادرة عن مركز ابن غازي للدراسات والأبحاث في المغرب، مجهودا بالغ الأهمية وقيمة مضافة للمكتبة المغربية والعربية التي تعنى بتاريخ الأفكار الإصلاحية، وهي الموسوعة التي شارك فيها مجموعة من الباحثين الذين أبرزوا الخطوط العريضة للفكر الإصلاحي بالمغربي بشتى تلاوينه.
تطرقت الموسوعة إلى 62 شخصية مغربية، نساء ورجالا، يساريين، إسلاميين، يهود..، عرب وأمازيغ، ومن أجيال مختلفة خلال القرن العشرين، اجتهدوا في صياغة رؤاهم الإصلاحية وفق ما يلائم الواقع المغربي وخصوصية المرحلة التي تعيشها البلاد. ما يميز الموسوعة باعتبارها عملا غير مسبوق؛ كونها اعتمدت منهجا يقوم على الإيجاز والتكثيف الدال، فأوراقها بمثابة دليل وخارطة طريق للأفكار الإصلاحية بالمغرب، وبقدر ما تحيل على غنى وتنوع هذه الأفكار، فإنها تشجع الباحثين على التعمق أكثر فيها وفي خلفياتها وسياقاتها، ورصد تطورها ومقارنتها بما استجد من الأفكار الإصلاحية اليوم.
من شيوخ السلفية إلى رواد الوطنية خلال مرحلة الحماية، ثم رموز اليسار خلال مرحلة بناء الدولة المستقلة، وصولا إلى منظري دولة المؤسسات، ومن المدافعات عن حقوق المرأة إلى المناضلين عن تعدد عناصر الهوية المغربية، ترصد موسوعة رواد الإصلاح معالم الأفكار الإصلاحية المغربية خلال القرن العشرين.
إن الخلاصة الرئيسية التي يمكن أن يخرج بها القارئ للموسوعة، أن المغرب بامتداده التاريخي والخصوصيات الثقافية والمجتمعية التي تشكلت نتيجة هذا الامتداد، يشكل وعاء للأفكار الإصلاحية الواردة من مجتمعات وبلدان أخرى، فجميع هذه الأفكار خضعت لما يمكن وصفه بالمغربة التي جعلت النخب تقوم بعملية تكييف لها مع خصوصيات المجتمع المغربي، ولا يرتبط ذلك بالأفكار الواردة من الغرب الأوربي فقط، بل حتى تلك الواردة من المشرق العربي الذي يتقاسم معه المغرب الكثير من الخصوصيات الثقافية والدينية، لكن المغرب بقي حالة خاصة اقتضت بالضرورة أن تتخذ هذه الأفكار رداء مغربية حتى يكون لها صدى على مستوى المجتمع والدولة.
صدور موسوعة رواد الإصلاح من طرف مركز ابن غازي للدراسات والأبحاث، خطوة مهمة في طريق تثمين الفكر الإصلاحي المغربي، والتأكيد على أن المغرب حقق من التراكم الفكري ولا يزال، ما يؤهله لصياغة نموذجه الفكري الخاص الذي ينطلق من الخصوصيات المحلية لينفتح على التجارب الكونية الناجحة، وهي الوصفة التي أثبت التاريخ أنها الأمثل لكل تقدم حضاري.