نحو قاعدة مشتركة لأخلاقيات التسامح:(إبراهيم القادري بوتشيش)
ضرورة تطبيق إعلان مبادئ التسامح العالمي :
الواقع أن إعلان المبادئ حول التسامح الذي أقرته اليونيسكو في 16 نوفمبر 1995 حدد بوضوح مسؤولية دول العالم في ترسيخ قيم التسامح حيث طالبها في مادته الثانية مراعاة العدل والنزاهة في التشريع وتطبيق القانون وتوفير الفرص الاقتصادية والاجتماعية للجميع دون تمييز، ودعا للمصادقة على اتفاقيات حقوق الإنسان الدولية ووضع تشريعات جديدة لضمان المساواة في المعاملة والفرص لكل المجموعات والأفراد في المجتمع .
ومن بين المواد الستة في المعاملة التي تكون مجموع مواد إعلان مبادئ حول التسامح، تم تخصيص مادة مستقلة للحديث عن دور التعليم في نشر قيم التسامح ، لأن التعليم يلعب دورا بارزا في تعميق حقوق الإنسان في الوجدان والسلوك البشري ويمنع من التعصب [1] .
ولا شك أن تطبيق إعلان مبادئ التسامح الذي هو في أصله مرجعية أخلاقية ، سيعزز الأخلاق السامية وينتصر للضعفاء والمقهورين ، ويكبح جماح القوى الظالمة والمتغطرسة على مستوى الدول والجماعات [2] ، ويعطي للعلاقات الإسلامية-الغربية منعطفا جديدا يسير به إلى السلم والتعاون بدل العداء والكراهية .
ج- تصحيح المفاهيم الخاطئة حول الأخلاقية الإسلامية :
إن الغرب الذي استطاع أن يروج لقيمه الحضارية و الأخلاقية عبر ترساناته الإعلامية والتكنولوجية لا يزال يعيش لحظة سوء فهم مع الأخلاقية الإسلامية ، بل يسعى إلى محاصرتها وتضييق الخناق عليها ، معتبرا أنها تشكل النظرة الأحادية ، بينما يكشف التحليل التاريخي أن قيم الحضارة الإسلامية هي حضارة عالمية بكل المقاييس ، فإلى جانب أصولها الإسلامية ، فإنها اغترفت من قيم الثقافة اليونانية والبيزنطية والهندية والفارسية ، مما يجعلها اليوم مهيّئة للحوار مع أخلاق الآخر لأنها تتضمن التراث الأخلاقي لمختلف الحضارات البشرية [3] . وتتميز بالاعتدال والوسطية والنظام والعدل والتجانس . والمرجعيات الغربية التي أمدتها بتراثها ، هي في حدّ ذاتها مرجعيات متفتحة [4] ، تسمح بجعل الحوار الأخلاقي أسلوبا متناسقا ومتناغما مع إيجاد قواعد أخلاقية كونية في العالم المنتظر .
وبالمثل ، فإن أخلاقيات الإسلام تقوم على أسلوب أساسه ((الحكمة )) و ((الموعظة الحسنة )) و ((الحوار)) بغض النظر عن الجهة أو الشخص الذي تتوجه الدعوة إليه ، سواء كان من أتباع الديانات السماوية أو من المشركين [5]، ولو أن القرآن خصّ في بعض آياته ديانات أهل الكتاب [6] .لذلك من الخطأ أن يستمر الغرب في رؤية الأخلاق الإسلامية من هذه الزاوية المتحجرة المتقوقعة حول الذات ، وبالتالي إزالة وهم ((الإسلاموفوبيا )) و انعدام الثقة [7].
د- دور وسائل الاتصال في البحث عن قاعدة أخلاقية مشتركة :
إذا كان البعض يرى أن وسائل الاتصال بدأت تحقق ما يتوقع منها من إشاعة القيم الأخلاقية [8] ، فإنه لا يمكن إلا أن نتفق مع هذا الرأي ، فالشعوب بدأت تظهر – في ظل ثورة الاتصالات وسرعة تبادل المعلومات – تفاعلا كبيرا مع الأحداث أنى كانت ، وبدأ شعورهم بالتضامن المشترك حول القيم الإنسانية العامة يتنامى بصورة ملحوظة رغم انتماءاتهم المختلفة ، مما ينعش الثقة بإمكانية نمو موقف عالمي قادر على نصرة الشعوب وقيم الخير والحق ، ليرفض العنف والحروب ، ويساعد على إنضاج آلية ناجحة ، وتكريس قانون عادل عماده صون حقوق الناس وجعلها متساوية ، ورعاية العلاقات بين الدول على أساس التنافس السلمي والاحترام المتبادل للمرجعيات الأخلاقية المختلفة [9] . ومع ذلك نعتبر أن الإعلام لا يزال مقصرا في دوره ، بل يلعب أحيانا دورا سلبيا ، لذلك وجب تجنيد كافة وسائل الإعلام لخدمة قضايا الأخلاق .
وفي الختام يمكن القول أنه رغم صعوبة التطبيقات العملية لبناء نظام عالمي جديد يقوم على أساس قاعدة أخلاقية مشتركة ، خاصة أن المبادرات المتعددة التي عرفها التاريخ البشري لنقل القيم الإنسانية العليا إلى أرض الواقع علمتنا أن الإخفاقات المتكررة كانت هي حصاد التجارب، فإن التسامح الذي أصبح محل اقتناع الجميع ، وحاجة راهنية ضرورية ، صار يشكل منهجا أخلاقيا لا محيد عنه لإزالة التوتر بين الإسلام والغرب ، وكابحا لعدم استخدام العنف والعنف المضاد ، وبالتالي فإنه كفيل بتهذيب السلوك الأخلاقي للعالم ، وفهم أفكار الغير واستيعابها واحترامها ، وتبادل المنفعة وتعزيز التواصل والانفتاح بين الأطراف ، شريطة أن يكون هذا التسامح متبادلا وهادفا ، مما يجعل منه قيمة أخلاقية من قيم المستقبل الكفيلة بإيجاد قاعدة أخلاقية مشتركة قوامها الحرية وحقوق البشر، والاحترام المتبادل في ظل النظام العالمي المرتقب .
[1] سميح محسن ، م. س، ص5 .
[2] إياد البرغوثي ، )) ماذا نفهم من التسامح ؟ )) ، مقال نشر في الموقع الإلكتروني :
www.rchrs.org/journal ، ص2 .
[3] عبد الحي قابيل ، المذاهب الأخلاقية في الإسلام ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، القاهرة 1984 ، ص10.
[4] عبد الله تركماني ، م، س، ص11 .
[5] قال الله تعالى ((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن )) ، سورة النحل، آية 125 .
[6] قال تعالى (( ولا تجادولوا أهل الكتاب بالتي هي أحسن )) سورة العنكبوت ، آية 46
[7] صرّح وزير خارجية الدانمارك (( بيير شتيج )) للصحفيين في أعقاب المحاولات الرامية إلى منع الإساءة للأديان التي سعى إليها الاتحاد الأوروبي ودول منظمة المؤتمر الإسلامي أنه يشك في توصل الجانبين إلى اتفاق على مشروع قرار مشترك يقدمانه إلى الأمم المتحدة ، أنظر : www.aljazeerz/net
[8] يوسف عبد اللطيف : حقوق الإنسان بين الأخلاق والسياسة…م.س ص 4 .
[9] أكرم البني ، م، س، ص4 .