من المتكلم الى فيلسوف الدين من الغلبة الى التعارف (د. يوسف بن عدي)
باحث ومؤلف في شؤون الفلسفة -المغرب
لا أخال فلسفة الدين إلا مختلفة اشد الاختلاف عن الدفاع العقلاني عن الدين و نصب الادلة والتدليل على مصداقية ويقينية العقائد الايمانية. ذلك ان فلسفة الدين لا ترنو الى اثبات أو نفي بقدر ما تتطلع الى بناء ارضية انسانية مشتركة على غرار الفضاء العمومي عند “هابرماس.”
إذًا، فيلسوف الدين ليس بالضرورة ان يسعى الى اثبات او نفي لهذا المذهب او ذاك المعتقد.. فيلسوف الدين. ففلسفة الدين تتطلع الى تحليل: الاله، الايمان، المعرفة و النجاة والعبادة والمقدس والخوارق…متوسلا بعلوم أساسية منها: علم الاجتماع الديني والتحليل النفسي للإيمان والظاهراتية وعلم الاديان المقارن…إلخ. كلُّ ذلك في منأى عن الدفاع عن هذا المعتقد أو اشباع متطلبات فردية او اجتماعية. لقد كان من روائع تراثنا أن يتحدث الذهبي عن الشيخ الزهاد الجصاص الذي قال عنه:” كان يقرأ القرآن والتوراة والانجيل والزبور ويعرف تفسيرها ..”. وأكيد أن هذا يتخطى إلى حد كبير مقام المتكلم الذي يرنو إلى الغلبة والنصُرة فقط مهما قلنا عن منهجه في الجدل ومنطقه في المناظرة. ومن ذلك نخلصُ بإجمال أنّ التفكير في فلسفة الدين هي مطمح كلّ أمة تسعى الى الرقي والتقدم على أساس المحبة والحوار والتعارف والايمان بإنسانية الانسان. ولعل ما نبه إليه المفكر التونسي أبو يعرب المرزوقي من أهمية دور الفطرة الانسانية في بناء فلسفة الدين عند المسلمين من خلال تشخيص الأزمة في الآتي:
العقيدة والفلسفة النظرية التي تحدد نظرية لعلم والوجود
-الشريعة والفلسفة العملية التي تحدد نظرية العمل والقيمة
من البيّن أن تحويل علم الكلام اليوم إلى فلسفة الدين يحتاج إلى الاستفادة الجيدة من علوم الانسان: الأنثروبولوجيا، السيكولوجيا وتاريخ الثقافات ونظريات الثيولوجيا… وما إلى ذلك دون أن ننسى أهمية علمي الفقه والأصول والمقاصد، وهو تحويل من ثقل الصراعات الكلامية والمذهبية التي كانتْ رهينة بالسياق السياسي والأيديولوجي إلى استثمار للجوانب المنهجية والآلية في الكلاميات القديمة من أجل بناء رؤية متجددة للعالم والحاضر والوجود. .يقول ابن عربي:” الكون كون حق،لا كون الانسان والإنسان المفتاح لذلك الكون، فهو المفتاح وبه يقع الفتح، وعند الفتح تخرج الاسماء الى الإنسان فمنهم من يشقى بها ومنهم من يسعد”.