الدور المغربي في الانفلات من قبضة الفكر الوهابي (عبد النبي الحري)
إذا كان الفكر السلفي المشرقي، والسعودي الوهابي، بمختلف تياراته المحافظة، قد غزى الساحة المغربية، وظهر له أنصار وأتباع متفرقون ومختلفون باختلاف توجهاته وتياراته المتشددة، فإن ما يلفت الانتباه هو التأثير المعاكس الذي يمارسه أقطاب الفكر المغربي المعاصر على الشباب الإصلاحي السعودي، خاصة الاجتهادات الفكرية والسياسية لراشد الغنوشي ورفيق عبد السلام، والدراسات الفقهية المقاصدية لأحد الريسوني، ونقد التاريخ السياسي الإسلامي عند كل من محمد عبد الجابري وعلي أومليل وعبد المجيد الصغير، بالإضافة إلى الرؤى الفلسفية المثيرة للجدل عند المفكر المغربي طه عبد الرحمن.
فالقارئ المغربي لا يعرف عن الفكر الديني السعودي إلا ما تواتر عبر عقود من صور متضاربة لتلك الحركة الدينية التي عرفتها بلاد الحرمين خلال القرن التاسع عشر، المعروفة بالوهابية، نسبة إلى زعيمها الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي، وهو واحد من أتباع المذهب الحنبلي الذي كان لدعوته صدى قويا في المملكة العربية السعودية وخارجها. ومن دون الوقوف عند المواقف المختلفة من الدعوة الوهابية، التي شهدها العالم الإسلامي عموما، والعالم العربي خصوصا، سواء خلال القرنين الماضيين، نكتفي برصد أهم ردود الفعل الفكرية التي تعرفها بلاد الحرمين، خلال العقد الأول من هذا القرن وبداية عقده الثاني، والتي عززت رياح ما يعرف اليوم ب”الربيع العربي” قوة موقفها وأكدت صلاحية اختياراتها، الأمر الذي جعلها بحق تعبر عن الوجه الآخر للفكر الديني السعودي.
يتعلق الأمر بمجموعة من الاجتهادات الفكرية السعودية الشابة، الساعية إلى إعادة صياغة الفكر الديني السعودي، صياغة جديدة، تهدف إلى تحريره من الطابع السلفي المحافظ للوهابية، من خلال بلورة نموذج فكري إصلاحي، متعايش مع مكتسبات الحضارة الإنسانية المعاصرة في مجالات الاجتماع والسياسة والديمقراطية وحقوق الإنسان.
هذه المحاولات الإصلاحية، شأنها شأن كل الاجتهادات التي تعرفها مختلف أقطار العالم الإسلامي، تقابلها مقاومة عنيفة من أنصار المحافظة والتقليد، الذين قيدوا الوعي وشلوا العقل، وقمعوا ملكة المساءلة والمراجعة في الفكر والسياسة، إلى درجة أن واحدا من هؤلاء الشباب صرخ في مقدمة أحد كتبه قائلا: ” فالنسبة لي يبدو الأمر في تمام الوضوح .. أن حصيلة نشر هذه السلسلة من المقالات ستكون خسارة ( … ) لأنه سينتج عنها مزيد من الشتائم، والتشويه، والطعن في النوايا، والتصعيد من رافعي ألوية المعارك الفكرية ضد المخالفين”[1].
أشواق الحرية .. نقد الموقف السلفي من الديمقراطية
في هذا الجو الفكري المشحون والمتوتر ظهرت مقاربة نقدية للموقف السلفي من الديمقراطية تحت عنوان “أشواق الحرية“[2] وهو عنوان يعبر عن تطلعات وأحلام عدد من الشباب السعودي، شأنهم في ذلك شأن إخوانهم في مختلف ربوع عالمنا العربي.
الكتاب عبارة عن مساهمة في التأصيل لمشروعية الممارسة الديمقراطية باعتبارها، أفضل وسيلة (متاحة) لتحقيق المبادئ الشرعية في هيمنة قيم العدل، والمساواة في الحقوق، ورقابة الأمة على أداء السلطة، والحد من تغول أذرع الحكم في مفاصل المجتمع[3]؛ ذلك أن تحرر الأمة العربية، وسيادتها على نفسها، يعد مطلبا شرعيا إسلاميا، فضلا عن كونه مطلبا إنسانيا طبيعيا، فلا عجب أن يصبح حلما تهتف به الشعوب في ميادين التحرير وساحات التغيير[4].
لكن رغم أن الديمقراطية تعد مطلبا عزيزا بالنسبة للشعوب العربية، فإن التيارات السلفية، بمختلف اتجاهاتها، تتفق على مجموعة من الاعتراضات والردود على الفكرة الديمقراطية، يخصص الكاتب دراسته لمناقشة “هذه الاعتراضات وتقييمها والتعليق عليها. ومن جهة أخرى تقييم موقف التيار السلفي – في السعودية بالذات – من قضايا الحقوق والعدالة، وموقع هذه القضايا في قائمة أولوياته”[5].
وإذا كان خصوم الفكرة الديمقراطية من السلفيين يزعمون أن الممارسة الديمقراطية تتعارض مع ما جاءت به الشريعة الإسلامية، فإن صاحبنا يتساءل هل حقا يوجد ” في الشريعة نص صحيح الثبوت وقطعي الدلالة يمنع المجتمع الإسلامي من تعيين مراقبين ومحاسبين للحاكم؟ .. أي هل أتت الشريعة بوجوب الحكم المطلق المتفرد للحاكم دون حسيب أو رقيب؟”[6].
يلاحظ الكاتب أن عددا من رموز الفكر الإسلامي، وفي السعودية خاصة، لا يعترضون على مشروعية العملية الانتخابية التي تفرز مجالس للرقابة والمحاسبة، لكنه، في الوقت ذاته، يستغرب سبب الغياب الكامل لمشروعات المطالبة بالاختيار والانتخاب، عند التيار السلفي؛ “حتى إننا، يقول القديمي، لم نر وثيقة سياسية واحدة –أو حتى مقالا واحدا- لرموز التيار السلفي تطالب فيه بضرورة تطبيق النظام الانتخابي، لتحقيق قدر أكبر من النزاهة في اختيار المسؤولين؟ وفي المقابل كم سنجد كثافة في الممارسات والأقوال التي تهدف إلى تطبيع فكرة التغلب والخضوع؟ .. وكم سنجد من حناجر متخصصة في نقد دعاة الاختيار والشورى والحقوق؟”[7].
وإذا كان خصوم الفكرة الديمقراطية يدرجون مسألة الارتباط والتلازم بين الفكرة الديمقراطية والنزعة اللائكية، لرد الديمقراطية والاعتراض على أنصارها في العالم الإسلامي، فإن الكاتب يسير على منهج رفيق عبد السلام الذي أنجز أطروحة فكرية[8] ينتصر فيها للفصل بين الديمقراطية والعلمانية، معتبرا أن العلمانية لا تنتج بالضرورة حكما ديمقراطيا وأعطى أمثلة من الصين الاتحاد السوفياتي[9].
وبالرجوع إلى كتاب رفيق نجده قد قدم ترتيبا معينا للعلاقة بين مفاهيم “الدين” و”العلمانية” و”الديمقراطية”، قوامه فصل ما جرت العادة على وصله، ووصل ما درج التقليد على فصله. ذلك أنه إذا كان الفصل بين الدين والديمقراطية في السياق العلماني من الأمور المشهورة، كما أن الوصل بين الديمقراطية والعلمانية من المسائل المعروفة عند الجميع، فإن صاحبنا لم يدخر جهدا قصد القيام بالعكس، وهو القول بالوصل بين الدين والديمقراطية والفصل بين هذه الأخيرة والعلمانية.
هكذا يعتقد القديمي أن الموقف الشرعي والعادل يفترض اختبار النظريات السياسية المتاحة، والاستفادة من البدائل المتوفرة، بدل البقاء في قفص الرفض السلفي لهذه المكتسبات الإنسانية، والإحالة إلى نموذج منتظر مأمول، “لا نملك حتى الخطوط العريضة له، ولا أحد يدري متى ستكون ساعة ولادته، أو إن كان ثمة شيء حقيقي وراء الأفق، أم أنه سراب بقيعة لن نجني معه سوى ممارسة حلم الانتظار الممتد دون حدود”[10].
وبذلك يكون هذا الكتاب قد شكل خطوة فكرية هامة على طريق الإفلات من قبضة التشدد السلفي، لا في السعودية وحدها، ولكن من كل سلفية متشددة في الفكر والسياسة، في مشرق العالم الإسلامي ومغربه.
وهي خطوة تعززت بدراسات أخرى من بينها الدراسة الموسومة ب”صحوة التوحيد-دراسة في أزمة الخطاب السياسي الإسلامي- لشاب سعودي آخر وهو د. محمد العبد الكريم[11]، الذي عرف بنشاطه العلمي والفكري والسياسي والحقوقي.
صحوة التوحيد: دراسة في أزمة الخطاب السياسي الإسلامي
يشير مفهوم “صحوة التوحيد” عند محمد عبد الكريم إلى الحركة الفكرية التي قامت ضد الاستبداد والتغلب والوصاية على الناس. متوسلة في ذلك بأساليب مدنية سلمية، ترفض فرض الحق بالقوة والإكراه. وهو بذلك يحرر مفهوم التوحيد من المحاولات السلفية التي تختزله في ملاحقة البدع والخرافات، ويربطه بمهمة إقامة العدل بين الناس ومواجهة الطغيان[12].
وإذا كانت الأمة الإسلامية قد ركنت إلى حال من التسلط والفساد والاستبداد، فإن الكاتب يتساءل في دراسته عن الممكن الذي ينهي هذه الحال وينقل الأمة من وضعية التسلط والوصاية إلى وضعية التحرر والسيادة.
في مقاربته لهذا التساؤل يستعين الكاتب بما تضمنه كتاب رفيق عبد السلام “حول الدين والديمقراطية والعلمانية“، المشار إليه أعلاه، من أفكار وتحليلات حول نشأة الدولة الأوربية الحديثة ومآلاتها المختلفة، ليخلص كما خلص رفيق، إلى أن “الدولة الحديثة في نهاية المطاف كانت تسعى إلى دولة دهرية دنيوية، تتعارض مع وجود الدين في الفضاء العام، وتختلف صور المفاضلة والتمييز من دولة إلى أخرى”[13].
لقد واجه مفكرو عصر النهضة الأوربية دينا كنسيا يكرس التبعية والخضوع، والرضا بالحكم المستبد الظالم، أما الدين الإسلامي فهو دين رفع لواء التوحيد لتحرير البشر من كل مظاهر الاستعباد والقهر. ولذلك فإن نموذج الدولة العلمانية لا يصلح لنا، في حين يمكننا الاستفادة من مكتسبات النظام الديمقراطي من دون الوقوع في شرك “العلمانية” ومأزق “فصل الدين عن الدولة”.
هكذا يرى الباحث أن أسئلة الربيع العربي الحارقة قد صدعت القناعات الفكرية والشرعية للجماعات الإسلامية، التي تعتقد كل واحدة منها أنها هي الفرقة الناجية، واعتبار كل ما عداها من الجماعات”الخارجة عن منهج السلف” في النار[14].
وبصرف النظر عما في هذا الموقف من مبالغة في التوصيف وتعميم في الحكم على مواقف الحركات الإسلامية من بعضها البعض، أو في موقفها من الآخر المختلف فكريا وسياسيا، فإن الكاتب قد التزم في عرضه وتحليله لعدد من التجارب الإسلامية قدرا معقولا من العلمية والموضوعية، حيث خلص إلى النتيجة التالية، وهي أنه، مهما اشتدت الخلافات والتناقضات بين التيارات السلفية السابقة الذكر فإن ما يجمع بينها هو كفرها بالفكرة الديمقراطية، وتكريسها للاستبداد السياسي للسلطة الحاكمة.
وإذا كان هذا التجديد قد قام في أوربا انطلاقا من مبادئ العقل الكلية، فإنه ينبغي أن يقوم في “صحوة التوحيد الإسلامي” على الكليات الأساسية في العقيدة والأخلاق، التي يعتمد الكاتب في تعريفها على الفقيه المقاصدي أحمد الريسوني، باعتبارها “المعاني والمبادئ والقواعد العامة المجردة التي تشكل أساسا لما ينبثق عنها ويبنى عليها من تشريعات تفصيلية وتكاليف عملية ومن أحكام وضوابط تطبيقية”[15]؛ ويعتبر العدل في مقدمة هذه المقاصد التوحيدية، وهو عدل يجزم محمد عبد الكريم، في خاتمة كتابه، أنه لن تقوم له قائمة إلا بولاية الأمة على نفسها، مشددا على رفض كل وصاية على حقها في الاختيار وحريتها في القرار، حتى ولو تم ذلك باسم الدين، أو باسم المستبد العادل، أو غيرها من المبررات التي تلجأ إليها قوى الظلم والاستبداد لتبرير سلطتها ونفوذها.
يتضح مما تقدم أن كتاب صحوة التوحيد يشكل هو الآخر محاولة شبابية عربية تقرأ مفاهيم التوحيد والعدل والشورى وغيرها من المفاهيم الدينية، قراءة شرعية عقلانية، متحررة عن الأطر التقليدية للتيارات السلفية، المتشددة والمحافظة، ومنبنية على أساس حق الأمة كلها في تقرير مصيرها، وتدبير خيراتها وثرواتها، ومشروعية ثورتها على الحكام الظلمة.
ولعل كتاب “سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة – نحو فضاء أمثل لتجسيد مبادئ الإسلام“[16]، الذي ألفه شاب سعودي ثالث، وهو عبد الله المالكي، يفتح أمام هذا التوجه الفكري آفاقا أكثر رحابة وسعة.
سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة
تتلخص فكرة الكتاب المحورية، كما هو واضح من عنوانه، في القول أن سيادة الأمة سابقة على تطبيق الشريعة الإسلامية، مادامت هذه الأمة هي التي تتحمل مسؤولية تطبيق الشريعة، بإرادتها الحرة، من خلال تحويلها إلى قوانين دستورية سيادية تطبيقية، وذلك عبر مسار سلمي مدني وحضاري؛ أي أن تطبيق الشريعة ينبغي أن يمر بمسار سلمي، مدني وحضاري، يتم فيه الاحتكام إلى الآليات الديمقراطية.
وإذا كان الربيع العربي يضع على الحركات الإسلامية مسؤولية عظيمة، وهي مسؤولية الحكم والسلطة، فإن المالكي يرى أنه يتعين على هذه الحركات أن تطرح على نفسها التالي: ما لذي أرادته الشعوب من خلال إسقاطها للطغاة؟
لا يتردد الكاتب في الإجابة القائلة ” بأن الشعوب العربية الثائرة لم تخرج إلا لأجل تحقيق (الحرية والكرامة والعدالة)، فواقع الثورات ومشاهدها المتنوعة والمتكررة، والاستماع إلى شعاراتها ومطالبها، تؤكد هذا الدافع بصورة واضحة وجلية..”[17].
لقد خرجت الجماهير إلى الساحات والميادين من أجل أن استرجاع سيادة الأمة المغتصبة، من طرف الأنظمة المستبدة والمتسلطة، “خرجت لكي تكون لها الشرعية السياسية، ولكي تكون مصدرا لها، ولكي تنتخب حكوماتها، وتراقبها وتحاسبها من دون قمع أو خوف أو إرهاب”[18].
إن الشعوب العربية لم تثر من أجل تطبيق الشريعة، بالمعنى الضيق الذي تفهمه بعض التيارات المحافظة، حيث لا يحق لأي كان أن يفرض ذلك على الأمة من دون إرادتها الحرة،ما دامت الدول التي تدعي تطبيق الشريعة ليست في مأمن من هذه الاحتجاجات والانتفاضات[19].
من هنا دافع الكاتب على أطروحته القائلة بضرورة العمل والنضال من أجل سيادة الأمة أولا، من دون أن يعني ذلك أنه يقف في المعسكر الرافض رفضا مطلقا لتطبيق الشريعة، ولكنه يريد أن يتم ذلك باختيار الأمة وليس بالإكراه والفرض.
إن الكاتب يسلم، كغيره من الكتاب الإسلاميين، بالمرجعية العليا للشريعة الإسلامية، ولكنه ينهل من الفكر الإسلامي المغاربي، خاصة عند أحمد الريسوني وراشد الغنوشي، الذي له قراءته الخاصة لمفهوم تطبيق الشريعة، قراءة رمت إلى تصحيح هذا المفهوم من التشويهات التي لحقته عند الإسلاميين والعلمانيين على السواء[20].
هكذا نجد الكاتب يسلم مع أحمد الريسوني الذي ذهب إلى القول بأن مفهوم “تطبيق الشريعة” يحيل إلى شعار تاريخي أنتجته ظروف سياسية معينة خلال منتصف القرن العشرين، مما يدعوإلى المراجعة الفكرية لهذا المفهوم التي تعتبر واجب الوقت، “وفق مقاصد الوحي والأصول والكليات الشرعية الكبرى، خصوصا مع التطور الجذري والعميق لمفهوم الدولة الحديثة، وتشكل مفاهيم المجتمع المدني الحر، وواقع النظام العالمي، وطبيعة القانون الدولي، والتحولات التاريخية التي تمر بها المنطقة، ونحو ذلك من التحديات التي توجب إعادة صياغة هذا المفهوم، لكي يستجيب للواقع الجديد، ويجيب على التساؤلات الراهنة، ويستوعب التحولات الكونية التاريخية[21]“.
لا شك أن عين الباحث في الشأن الإسلامي، لن تخطئ رؤية التأثير المزدوج للأطروحات السياسية للمفكر التونسي راشد الغنوشي، خاصة تلك التي تضمنها كتابه المتميز، “الحريات العامة في الدولة الإسلامية” من جهة أولى، وللأطروحات الفقهية المقاصدية للفقيه المغربي أحمد الريسوني، والمبثوثة بين ثنايا عدد من أبحاثه ودراساته.
انطلاقا من هذا التأثير المغربي الواضح يرفض المالكي، كما رفض ذلك كل من نواف القديمي ومحمد عبد الكريم، اختزال تطبيق الشريعة في العقوبات والحدود، ويطرح سؤالا حول أي الدولتين أقرب إلى روح الشريعة ومقاصدها، هل هي الدولة التي لم تطبق من الشريعة سوى الحدود وفرض الحجاب، وفي المقابل تمارس صنوف الظلم والفساد والتخلف والجهل والاستبداد، التي بسببها أهدرت وانتهكت قيم ومحكمات ومقاصد الشريعة الكبرى، أم أنها الدولة التي طبقت جميع أو غالب القيم والمقاصد الشرعية سوى أنها لم تطبق الحدود ولم تفرض الحجاب؟”[22].
لاشك أن الكاتب ليس في حاجة إلى التصريح بإجابته مادام قد ضمنها بذكاء وهدوء عقلاني، في الكيفية التي صاغ بها سؤاله المذكور؛ ولكنه، وبما أنه بصدد محاورة نقدية للأطروحات السلفية في عقر دارها، فإنه استعان ببعض النصوص الطويلة لابن تيمية وابن القيم الجوزية، التي تؤكد كلها على أفضلية الدولة الكافرة العادلة على الدولة المسلمة الظالمة[23].
إن رجوع الكاتب إلى ابن تيمية وابن القيم الجوزية، اللذين تدعي التيارات السلفية المتشددة، اتخاذهما مرجعية علمية لها، يعد عملا مهما يستحق كل الثناء والتقدير. فنحن في أمس الحاجة اليوم إلى تحرير هذين العلمين من قبضة القراءات السلفية المتعسفة.
وإذا كانت عدد من الأصوات قد ارتفعت في المغرب العربي
داعية إلى مواجهة فكرية وفقهية لغزوات التيارات السلفية المشرقية، وفي مقدمتها
السلفية الوهابية، فإن الملاحظ من خلال البحث في الخلفيات الفكرية للكتب الثلاثة،
موضوع هذه الدراسة، سيجد أنها تنهل من مرجعية فكرية وفقهيه، تبوأ فيها رواد الفكر
المغربي المعاصر، “الإسلامي” و “العروبي”، مكانة مرموقة، كما
تمت الإشارة إلى ذلك في أكثر من موضع في هذا البحث. فهل يتعلق الأمر بتأثير رياح
الربيع العربي التي امتدت من تونس تحديدا، أم بتفاعل فكري عادي وطبيعي في عصر
هيمنة تقنيات التواصل الفائقة السرعة والذكاء؟
[1]– نواف القديمي، المحافظون والإصلاحيون في الحالة الإسلامية السعودية، المركز الثقافي العربي، ط2، بيروت، 2012، ص11.
[2] – القديمي، أشواق الحرية : مقاربة للموقف السلفي من الديمقراطية، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط5، بيروت، 2012، 152ص.
[3] – نفسه، ص 13.
[4][4] – نفسه، ص15.
[5] – – نفسه، ص24و25.
[6] – نفسه ص 32.
[7] – – نفسه، ص35.
[8] – رفيق عبد السلام، آراء جديدة في الدين والعلمانية والديمقراطية، دار الانتشار العربي، بيروت، 2011.
[9] – القديمي، أشواق الحرية، ص 109.
[10] – نفسه، ص121.
[11] العبد الكريم، محمد، صحوة التوحيد –دراسة في أزمة الخطاب الإسلامي-، بيروت، الشبكة العربية للدراسات والأبحاث، 168 ص، 2012.
[12] – المالكي، مرجع سابق، ص7.
[13] – نفسه، ص20.
[14] – نفسه، ص86.
[15] – نفسه، ص132.
[16] – المالكي، عبد الله، سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة، نحو فضاء أمثل لتجسيد مبادئ الإسلام، الشبكة العربية للدراسات والأبحاث، بيروت 2012، 208ص.
[17] – نفسه، ص8.
[18] – ن، م وص.
[19] – نفسه، ص13.
[20] – نفسه، ص29.
[21] – نفسه، ص31.
[22] – نفسه، ص33.
[23] – نفسه، ص34.