الآثار النفس مرضية للحجر الصحي ج-1 تأليف: إ.منجين وآخرون. ترجمة: عياد بوكوراين
لقد تم وصف الأعراض النفس مرضية للعزل في الأدب (بالبعثات القطبية وبالغواصات وبالسجن)؛ لكن المقياس المستعمل في الحجر الصحي بمناسبة جائحة الفيروس المستجد 19 لم يسبق له مثيل وبالتالي يجب علينا ألا نقتصر على قراءة الدراسات المنشورة بل يجب علينا ان نستشرف المشاكل النفسية التي يمكن ان تحدث خلال أو عن بعد أثناء الحجر الصحي، لقد اخترنا أن نتجاوز أدبيات الفيروس المستجد 19 لاختبار تداخلات الآثار الشائعة للحجر الصحي: الملل والرهاب الاجتماعي والاكتئاب والأرق. ومن مظاهر الحجر الصحي أيضا، القلق واضطراب الكرب التالي للصدمة والاكتئاب والسلوك الانتحاري والسلوك الإدماني والعنف المنزلي غير أن آليات ظهور هذه الاضطرابات وعلاقاتها المتبادلة لا تزال قيد الدراسة، وعلى سبيل المثال: ما هي آليات ظهور اضطراب الكرب التالي للصدمة في سياق الحجر الصحي؟ نعيد أيضًا إلى الأذهان نقاط اليقظة التي يجب تذكر عواقبها مثل اضطرابات سلوك التغذية والهلوسة التي يتم تجاهلها بشكل غريب في الأدبيات المرتبطة بالحجر الصحي في حين أن شساعة أدبية تقوم بربط العزلة الاجتماعية والهلوسة، ونظرا للآثار النفس مرضية الواسعة، يجب علينا المضي في البحث عن مختلف الأعراض حتى نتمكن من رعايتها. ونوجز، وبعجالة، المقاربات التشخيصية والعلاجية المعمول بها سلفا كالتطبيب عن بعد والذي يشهد وتيرة تطور سريعة تزامنا مع أزمة الفيروس المستجد 19.
الكلمات المفتاحية: الحجر الصحي، القلق، الاكتئاب، اضطراب الكرب التالي للصدمة، الهلوسة.
في دجنبر 2019 وتحديدا بالصين، بدأ انتشار وباء الفيروس المستجد 19 ليصل إلى فرنسا في أوائل مارس 2020؛ ثم تم تنفيذ الحجر الصحي العام للسكان الفرنسيين في 17 مارس، أبانت الدراسات التي أجريت في الصين أن الوباء والإجراءات الصحية لاحتوائه، مثل نظام الحجر الصحي أو العزل، تشكل ضغطا على الصحة العقلية، مكن التنقيب في قاعدتي بيانات (ليت كوفيد) مركز توثيق تتبع المعلومات العلمية للفيروس المستجد 19 و(المنصة المجانية ميد ركسيف) التي تحتوي على أرشيف ميداني للعلوم الصحية من العثور، حتى الثامن من أبريل، على 74 مقالة تتناول الصحة العقلية من بينها 27 مقالة تعالج أثار الحجر الصحي (خاصة بالصين) أي ما يمثل أقل من 1% من مجموع الدراسات المتوفرة في المنصتين. أظهرت الدراسة التي أجريت على حوالي 52000 شخصا والتي استعملت لهذا الغرض سلما يقيس مجموعة شاسعة من الأعراض النفسية (القلق والانهيار والقهر…) أن 35% من المشاركين ظهرت عليهم أعراض خفيفة إلى معتدلة وأن 5% من الأعراض استدعت اللجوء إلى العلاج، وخوفا من العدوى، وإكراهات الحجر الصحي خاصة بالنسبة للساكنة الهشة نفسيا أو/ وسوسيو اقتصاديا، والقيود على الحداد، والخوف على الأقارب بالمستشفيات والذين يستحيل زيارتهم؛ فإن أسباب الضغط العصبي عديدة كما أن الآثار على الصحة العقلية يمكن استشعارها ولكن لا يمكن تجسيدها.
وفيما يتعلق، بوجه التحديد، آثار الحجر الصحي فإن مجلة حديثة “لانسيت” قد حددت انطلاقا من 24 دراسة عوامل المخاطر وكذلك عوامل الحماية، ومع ذلك، فإن هذه الدراسات تناولت وضعيات العزل المعدي (مريض منعزل) أو الحجر الصحي (أشخاص معرضون منعزلون) على وجه الخصوص وليس الحجر الصحي على نطاق الساكنة العامة خلال وباء فيروس كورونا المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة النوع 1 (فيروس سارس) سنة 2002، و فيروس الإنفلونزا أ سنة 2009 أو فيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية سنة 2012.
إن الهدف من هذه المقالة هو تحديد الآثار المحتملة للحجر الصحي طويل الأمد على صحة الناس العقلية وعلاقتها بالأدبيات الحديثة في سياق وباء فيروس كورونا المستجد مع أنواع أخرى من الأدبيات المرتبطة مثلا بالحرمان الاجتماعي أو الحسي.
إن الحجر الصحي باعث على الملل والعزلة الاجتماعية كما أن آثره على الصحة العقلية عديدة: اضطرابات النوم والقلق واضطرابات ما بعد الصدمة والاكتئاب والانتحار والسلوك الإدماني بالإضافة إلى العنف الأسري المرتبط بالأزواج والأطفال.
الملل
أظهر البحث في علم النفس الإيجابي[1] أن التجارب أو التجارب الإيجابية التي تولد شعورًا بالسعادة (أو التدفق[2]) تمتلك نوعا من الخاصيات التي تعرضنا لشكل من أشكال التحدي الشخصي الذي يتطلب تجنيد الكفايات الشخصية للتغلب عليه، ويولد هذا التنفيذ شعورًا بالتحكم وبالقدرة الشخصية المرتبطة بإحساس السعادة، كما يشير هذا البحث، أيضًا، إلى أن نسبة هامة من تجارب التدفق هذه يتم رصدها في السياق المهني، ويمكن أن تؤدي حالة الحجر الصحي، التي تتطلب من بعض الأشخاص خفض نشاطهم المهني وتقييد الحياة الشخصية اليومية التي غالبًا ما تتسم بالرتابة، إلى الشعور بالملل بسبب قلة التحديات الشخصية وما يصاحبها من غياب استخدام الكفايات للتغلب عليها، ولقد أظهرت دراسة للمرضى في إعادة التأهيل، ضمن مجموعة سريرية، أن الأنشطة المخصصة لاستعادة حالتهم البدنية وبالتحدي الذي تقتضيه لها ارتباط بشعور الفعالية الشخصية عكس تلك المخصصة لأفعال الحياة اليومية التي تولد الشعور بأنها روتينية وترتبط بمزيد من الملل واللامبالاة، وبالتالي قد يمكن طرح السؤال عن دور النزعة للملل وعلى النتائج النفسية السلبية المرتبطة بالحجر الصحي.
[1] يهتم في الأساس بالدراسة العلمية لما يحقق السعادة للناس، ويسعى إلى تعزيز قدرات الشخصية المتعددة، كالصمود والصلابة النفسية والتفكير الإيجابي وغيرها، وإلى تدريب الأفراد على مواجهة الضغوط النفسية، التي يتعرضون لها، والتخلص من الاحتراق النفسي، وإلى تحسين الرضا عن الحياة وجودتها، وإلى دراسة الظروف والعمليات، التي تسهم في الوصول إلى أعلى أداء وظيفي للناس والجماعات والمؤسسات. (علم_النفس_الإيجابي https://ar.wikipedia.org/wiki/).
[2] والمعروف أيضاً باسم المنطقة، هو الحالة العقلية للعملية التي يكون فيها الشخص الذي يؤدي نشاطاً منغمساً تماماً في الشعور بالتركيز والطاقة، والمشاركة الكاملة. (ويكيبيديا).