تقرير حول ندوة علمية في كتاب: “آليات التقريب التداولي وتشغيل المنطق عند الغزالي” للدكتور: أحمد الفراك،(حفصة حمزة)
نظم مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية يوم الثلاثاء 2020/07/28 على الساعة التاسعة مساء ندوة علمية على المنصة الرقمية زووم حول كتاب: “آليات التقريب التداولي وتشغيل المنطق عند الغزالي” للدكتور: “أحمد الفراك ” وذلك بمشاركة: (د. عبد الرحمان القاطي، د. محمد لشقر، د. عبد الله الطني، د. محمد أبو حفص).
استهلت الندوة بكلمة شكر من د. هشام لعشوش احتفاء بالأساتذة المشاركين في هذه الحلقة من سلسلة حلقات الصالون الثقافي لمناقشة أبعاد هذا الدرس الفلسفي وتحديدا مجال التقريب التداولي لعلم المنطق من خلال كتاب د. أحمد الفراك.
والدكتور أحمد الفراك كما عرف به المسير هو:
ـ أستاذ الفلسفة والفكر بكلية أصول الدين /جامعة عبد المالك السعدي بتطوان.
ـ رئيس قسم الدراسات الحضارية في مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية.
ـ رئيس فريق علوم ومعارف بكلية أصول الدين.
-عضو وباحث في العديد من المؤسسات العلمية في مجالات : (الفكر، الفلسفة، المنطق، العقيدة، حوار الحضارات، الأخلاق والمشترك الإنساني).
ـ له عشرات المقالات والمؤلفات في قضايا متنوعة منها:
ـ الوجيز في الفلسفة
ـ فلسفة المشترك الإنساني
ـ مدخل إلى المنطق
ـ دليل الباحثين
وهذا الكتاب “آليات التقريب التداولي وتشغيل المنطق عند الغزالي” موضوع هذه الندوة وهي عبارة عن خمس مداخلات:
– المداخلة الأولى : (د. عبد الرحمان القاطي)
يهدف الكتاب في نظر د. عبد الرحمان القاطي الأستاذ بجامعة عبد المالك السعدي إلى استعراض جهود عقلية مخصوصة بذلت لخدمة المعرفة الإسلامية والمحافظة على كيان يتشكل من قيم بعينها ومبادئ تعكس البعد الرسائلي لهذه المعرفة، بل إمكانية اكتساب هذه الرسالة الإسلامية القدرة على التفاعل الإيجابي مع الحكمة الإنسانية وإن وردت من خارج النسق الإسلامي، أو من خارج المجال التداولي الإسلامي.
فالدكتور أحمد الفراك يضعنا أمام قواعد معرفية تتصدى لكل عملية من شأنها أن تعيق تحقيق هذا المطلب: (بقاء الكيان الإسلامي).
إن التوصل إلى التفاصيل المهمة يستدعي الوقوف على الجزئيات بمقاربة تاريخية وفق “قانون سير معرفي” أو “قانون سير الأفكار” وهذا القانون إذا تخلف عن قانون المنطق تحصل حوادث اصطدام ليس من شأنها إلا أن تكون قاتلة للحقائق المعرفية أو مشوهة لها.
والدكتور الفراك يحاول في كتابه أن يضع نصب عينيه تجربة جاءت منصفة سواء من جهة الحد والتعريف بأصول هذا المجال وقواعده وخصائصه أو من جهة اشتغال الغزالي بالمنطق بدءا من تحييده لهذه الآلة وصولا إلى آليات معينة وذلك للانتقال به من وضع كان عليه المنطق يصر على معايرة الحقائق المعرفية على قاعدتي: (الصدق-الكذب)، إلى توسيع ولاء هذه المعايير لتصبح معايير: (الخير-الشر/الحق-الباطل …) فالكاتب يسلط الضوء في كتابه على قضية التقريب التداولي وتشغيل المنطق لضرورة الاستفادة منه ولأن هذا الإمام الغزالي شكل علامة فارقة في تاريخ الفلسفة الإسلامية فنجح بحسب رأيه إلى حد كبير في إدماج القياس المنطقي في بنية النسق المعرفي الإسلامي فهو الفيلسوف والأصولي والمتكلم والصوفي.
ـ المداخلة الثانية: (د. محمد لشقر)
يرى د. لشقر أستاذ الفلسفة بكلية الآداب مكناس أن هذا العمل يريد به صاحبه أن يكون نظرة جديدة في معالجة إشكالات المنطق الأرسطي في الثقافة العربية الإسلامية في القرن الخامس الهجري.
وأن الدكتور الفراك كان يسير فيه على خطى أستاذه الدكتور. طه عبد الرحمان الذي يقسم أنواع التقريب المنطقي في الثقافة الإسلامية إلى ثلاث أنواع:
– تقريب اختصاري : (ابن حزم)
– تقريب تأويلي : (ابن تيمية)
ـ تقريب تشغيلي : (الغزالي)
وقد تميز الغزالي في نظر د.الفراك بحرصه على الاستفادة من الحكمة اليونانية في المنطق مع التأكيد على احترام مقتضيات التداول في الحقل الإسلامي العربي, يظهر ذلك بشكل جلي في الآليات الثلاث الكبرى التي يعتمد الغزالي عليها:
ـ التحييد العلمي
ـ التأصيل المنطقي
ـ التأسيس الفقهي
فقد تطورت كتب الغزالي المنظمة من نقل المنطق إلى جعله أداة الفقه والاجتهاد والعمل إلا أن البعد التداولي ظل حاضرا أكثر عند ابن تيمية من الغزالي، أوضح ذلك كتاب د. حمو النقاري: (المنهجية الأصولية والمنطق اليوناني).
وبناء على ذلك يؤكد د.لشقر على ضرورة الانفتاح على نصوص أخرى والإنصات إليها للموازنة بينها لاسيما في المواقف التي لا تحفى غالبا بإجماع الباحثين.
– المداخلة الثالثة : (د. عبد الله الطني)
يعود د. عبد الله الطني أستاذ الفلسفة بالمركز التربوي الجهوي بمكناس بنا في قراءته إلى منتصف ثمانينات القرن الماضي وهي فترة بداية اشتغاله على أطروحة مفادها أن أبا نصر الفارابي هو المؤسس الأول للغة القول الفلسفي العربي الإسلامي على مستوى كتابته الفلسفية فكان المعلم الثاني بعد أرسطو والمعلم الأول في تاريخ الفلسفة العربية ومعه كانت الولادة الثانية لصناعة الفلسفة والمنطق.
وحتى بعد اطلاع د. الطني على نصوص فلاسفة الإسلام وقرائته لكتاب: (معجم فلسفة ابن سينا) و(حول معجم فلسفة الغزالي) ظل سؤاله معلقا:
– هل ثمة امتداد للفارابي لدى الغزالي ؟
وبالرغم من ذلك نجده يعبر عن مدى اقتناعه بأن فلسفة الغزالي لم تطور فقط وتستوعب لغة الفرابي الفلسفية فحسب، بل عملت على تطويرها على المستوى التداولي.
ويشير د. الطني إلى أن كتاب د.الفراك استطاع أن يجيب عن الإشكالات التي كانت تشغل اهتماماته.
فقد قام الكاتب برد الاعتبار لهذا الرجل الذي لم يفهم بعد، والذي واجه الأحادية الفكرية، مواجهة الفقهاء بالأندلس، إذ كان يحمل كتابه (إحياء علوم الدين) العديد من مظاهر الانفتاح. والأحادية الكلامية من خلال كتابه (إلجام العوام عن علم الكلام) كما واجه الأحادية الفلسفية من خلال (تهافت الفلاسفة) وغيرها …
وقام رد الاعتبار عند د.الفراك على منطلقات خمس:
– المنطلق الأول : الثابت والمتحول في القول الفلسفي، فقد كان الغزالي يميز بين روح الفلسفة ومظاهر التفلسف، كان فيلسوفا مع الفلاسفة على مستوى جوهر وروح النقد والهروب من الانغلاق والتحجر الفكري وبمقتضى هذا الثابت ركز د.الفراك على أن الغزالي كان يشكل أكبر الفلاسفة إنسانية الإطلاق.
– المنطلق الثاني : الحق في الاختلاف، واختلاف الغزالي عن غيره هو أمر طبيعي ولا يخرج عنهم بل يقربه إلى جوهره، وليس تجاه الآخر فقط بل تجاه الذات وهو ما يفسر الوعي النقدي الداخلي للغزالي وهو يندرج حسب رأي د.الفراك في إعادة النظر في مفهوم الاختلاف والخصومة المزعومة بينه وبين ابن رشد ليصبح كل ما في الأمر علاقة نقدية بين فيلسوف وفيلسوف آخر.
ـ المنطلق الثالث: استمرارية التراث عموما والتراث الفلسفي خصوصا. وضمنه التراث الفلسفي لأبي حامد الغزالي.
ـ المنطلق الرابع: التحليل الآليتي وهي أطروحة طهائية مفادها أن الاشتغال بالآليات وتحليل القول والخطاب يجب أن يكون أسبق من الاشتغال بالنظريات.
ـ المنطلق الخامس: القراءة والتخريب التكاملين.
وختاما لمداخلته دعا د. الطني د. الفراك إلى العودة لتأليف كتاب جديد يشفي الغليل في علاقة الغزالي بالفارابي وابن رشد.
ـ المداخلة الرابعة: (د. أبو حفص)
يرى د. أبو حفص أستاذ الفلسفة بكلية الآداب مكناس أننا في هذه القراءة ننطلق من الصعوبة التي يفسرها هذا العالم (الغزالي) لأننا نكون أمام مفكر من الصعوبة تحديد ثوابته الفكرية وانتماءاته الفلسفية، فالغزالي مفكر أشعري مع الأشاعرة، متصوف مع المتصوفة، فيلسوف مع الفلاسفة، نوه بالمنطق وآلياته العقلية فانصرف إلى التصوف الذي يبنى على العمل وليس على العقل، لذا نحن أمام امتحان عويص و د.الفراك كان أمام عمل شاق مطالب فيه بجمع متناقضات لتقديم قول منطقي متماسك.
يطرح د. أبو حفص جملة من التساؤلات أهمها:
– هل المنطق كان مطلبا عند الغزالي لذاته أم مجرد أداة لخدمة إصلاح شامل؟ أم أنه كان وسيلة لتصفية الحسابات مع الخصوم المتكلمين والباطنية؟
الدكتور الفراك كتوطئة لعمله كان يضع نصب عينيه مهمة تجديد المنطق وتقريبه إلى الفكر مع احترام مقتضيات التداول، ولإضفاء طابع المشروعية عند الغزالي وجعله مقبولا في التداول الإسلامي حاول إبطال ارتباط المنطق بالعقيدة والفلسفة.
والمنطق لا ينبغي الطعن فيه في نظر الغزالي لأنه كباقي العلوم الوافدة (الطب …) مجرد أداة ينبغي أن نطوره وفق ما يناسب، والذين يقللون من المنطق إنما ينظرون إلى ظاهره لكنه أداة منهجية وميزات نتعلمه من القرآن وآلة للتمييز بين الصواب والخطأ، وهو علم لا عقيدة له.
وحسب رأي أبو حفص يجب أن نستحضر الصراعات التي خاضها الغزالي، علاقته بالباطنية والاعتزال والفرق الكلامية، إضافة إلى هذا نجده في المنقذ من الضلال يتحدث عن الإجراءات المنهجية التي صار فيها وجعلته ينظر بعين واضحة:
ـ قطعه مع الأفكار المتداولة.
ـ قطعه مع المحسوسات وإعطاء الأولوية للمعقولات.
ـ تبنيه للشك.
ـ دحضه للفرق.
وهذه الأمور لا يمكنها إلا أن تستعين بالمنطق، فالغزالي مشروعه صوفي، أما توظيفه للمنطق فقد اقتضته ظروف كتدريسه وتصفيته حساباته مع المتكلمين والباطنية، المنطق هو مجرد أداة حين استنفذت تخلى عنها الغزالي وأخذ ينظر إليه بالريبة.
ـ المداخلة الخامسة: (د. أحمد الفراك)
يرى د. أحمد الفراك أستاذ الفلسفة والفكر بكلية أصول الدين أنه لا يمكن تجاوز الغزالي، وحتى ولو أردنا ذلك بجدية فإننا نجد أنفسنا داخل الغزالي ومع الغزلي وبالغزالي، أما عن تحامل البعض على الغزالي ونظرتهم إليه التي لم تتجاوز كونها (محكمة تفتيش) فإنها لم تكن ناتجة عن بحث وفحص للأطروحة الغزالية، بقدر ما كانت ذاتية أسكرتها الإديولوجية ودعمتها ديماغوجية بعض الدراسات الاستشراقية التي قرأت نتفا من التراث على عجل، فالغزالي كان موجودا في مختلف المجالات وفي عمق الثقافة الإسلامية العربية، ولا يزال، إذ تنبه مبكرا إلى أن العقل لا بد أن يتأسس على المنطق لبناء معرفة قوية، ويستثني د. الفراك التصوف لأن العدة المنطقية لا تكفي فيه.
أما بناء الحضارة فلا يمكن أن يتم إلا بالمنطق بمعناه الشاسع، (ماكس فيبر).
وبالتالي ينبغي أن يكون هناك تأسيس وإدارة صارمة وهذا الذي نبه عليه الغزالي.
ركز د. الفراك أيضا على ضرورة التخلص من النظرة التقليدية التي ترهن الحديث عن المنطق باستحضار المنطق الأرسطي، ودعا إلى الانتقال إلى الحقول المنطقية المعاصرة لمواكبة ما أنتجته الحضارة المعاصرة من مناهج وعلوم ومعارف، وعلى كيفية توظيف هذا التراكم الثقافي الحاصل على أساس منطقي موسع، كان له حضوره القوي في ثراتنا (الحجاج- المناظرة) وتم الابتعاد عنه والجمود على المنطق الصوري خاصة نظرية القياس.
وأنهى الأستاذ كلمته باقتراح إنجاز عمل جماعي في موضوع فلسفة الغزالي، وقد رحب المشاركون بالاقتراح.
الكلمة الختامية: (د.هشام لعشوش)
يختم د. لعشوش القول في هذه الندوة بأن الغزالي لم يشتغل بالمنطق باعتباره آلة صماء أو علم مستقل عن غيره من العلوم وهذا في رأيه هو الذي حظي بعدم إجماع الباحثين على موقف واحد تجاه مشروعه الفكري والفلسفي.